إختر من الأقسام
آخر الأخبار
مصيدة التسويق الشبكي: أن تفقد المال... والأمل
مصيدة التسويق الشبكي: أن تفقد المال... والأمل
المصدر : الأخبار
تاريخ النشر : الجمعة ٢٩ حزيران ٢٠٢٤

بين ليلة وضُحاها، وجد الشاب محمد نصر نفسه غارقاً وسط وحلٍ من الديون، وتحميل عدد من أقربائه له المسؤولية عن أموالهم، بعدما خضع لإغراء صديقه المقرَّب بركوب موجة الغنى السريع، من خلال الاستثمار في ما يُعرف بـ«التسويق الشبكي» عبر الإنترنت. «لم يأتِ الواقع كما تشتهيه الأمنيات»، يقول الشاب الثلاثيني في حديثه إلى «الأخبار»، قبل أن يسفر عن تنهيدة ويشرح: «بِعْت الجزء الأكبر من مصاغ زوجتي لأكمل مبلغ 2500 دولار اللازمة لدخولي في ما يسمّى التسويق الشبكي، بعد أن أغراني أقرب أصدقائي بأوهام استرداد رأس المال السريع، وتحصيل أرباح فلكية، تنتشلني من حالة الفقر التي أعيشها منذ انتهى عقد عملي كمعلّم في مدارس الأونروا». ويضيف محمد الذي يعيل أربعة أبناء: «اتّضح لاحقاً، أن النسبة التي سأحصّلها بعد شهرين من إيداع المبلغ هي 9% فقط، وأنه يجب عليّ أن أُقنع اثنَين من دائرتي المقرّبة بوضع المبلغ نفسه، حتى أحصل على كلّ واحد منهما على نسبة 9% أيضاً، وأنّني مضطرّ أيضاً لإقناع ضحايا آخرين بإيداع ما مجموعه 27 ألف دولار، لكي أتحصّل على الـ2500 دولار التي وضعتها، وذلك بعد عام كامل، وهذا أمر تشوبه دناءة أخلاقية كبيرة، وهو مستحيل بالنظر إلى الواقع المادّي الذي يعيشه السكّان».

يؤكد محمد أبو ندى، وهو خبير في مجال العمل عبر الإنترنت، أن هذا العمل أصبح آفة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، موضحاً، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «إغراء الثراء السريع والآمن المخاطر، من دون مجهود حقيقي، هو ما يغري الشباب العديمي الخبرة، الكثيري الأعباء المادّية، بالدخول في مقامرة كهذه». ويَعتبر أن «التسويق الشبكي أو الهرمي هما وجهان لعملة واحدة، يبدأ بفرد واحد هو قائد الفريق والمستفيد الأكبر، ويتمدّد إلى مجموعة كبيرة من الأفراد، ثمّ تختفي الشركة أو الشخص الذي يدير تلك العملية، ومعه الأموال التي حصل عليها من الضحايا». ويبيّن أبو ندى، وهو مبرمج وخبير في مجال التجارة الإلكترونية، أن «الأمر يبدأ بإنشاء شركة وهمية، تسوّق لمنتَج غير موجود سوى في حسابات المستخدِمين الوهمية، فيما ينتقل العمل إلى المرحلة الثانية، التي تتلخّص في استخدام وسائل إبهار وإقناع متقَنة للإيقاع بالضحايا، حيث مَن يتولّى هذه المهمة، هم أشخاص يتمتّعون بلباقة المظهر والقدرة العالية على الإقناع، ويستهدفون الأشخاص الطموحين إلى الربح وتحسين أوضاعهم المادّية، وهي الفئة الكبرى في غزة، مستعرضين نماذج محدودة من أشخاص حقّقوا أرباحاً كبيرة من هذا المجال. عقب ذلك، يأتي دور الضحية الأولى، التي يجب أن تتحوّل إلى مجرم، ينبغي عليه الإيقاع بضحايا آخرين، لكي يستردّ شيئاً من ماله، وبعد وصول رأس الهرم إلى مرحلة التشبّع، يغلق المشروع برمّته، وتختفي الأموال، ولأن أغلب المشغّلين هم أشخاص من الخارج، فإن كلّ القضايا إن رُفعت تُقيَّد ضدّ مجهول».

أصبح العمل عبر الإنترنت آفة خلال الأعوام الثلاثة الماضية

«ما يحدث مصيبة اجتماعية واقتصادية»، يقول الخبير الاقتصادي، محمد أبو جياب، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار» أنه «في التسويق الهرمي والشبكي، يُطلب من الضحايا إقناع ضحايا جدد بالاستثمار، على أن يُحاط عملهم بجوّ من السرّية والكتمان، وعادة ما يكون التمدّد داخل العائلة: أخ، أخت، زوجة، أعمام، لتنتهي قصص النصب الإلكتروني بتفكّك الأسر وانتشار الكراهية داخل جدران البيت الواحد». أمّا اقتصادياً، فإن هذا النوع من الاستثمار الخادع يسهم في تفريغ القطاع من رؤوس الأموال. ومن وجهة نظر أبو جياب، فإن «استمرار الظاهرة على حالها من دون توعية، سيؤدّي خلال بضع سنوات إلى دخول مبالغ مالية كبيرة في دائرة مفرغة، غير منتِجة على صعيد الاقتصاد وتشغيل الأيدي العاملة، ولا تعود بأيّ منفعة على المجتمع والعاملين فيها».
ووفقاً للخبير في مجال الشبكات، محمود مطر، فقد استثمر الآلاف من الشباب، خلال السنوات الأخيرة، في مواقع مِن مِثل «Pay Top»، و«Right Rise»، و«MBA»، وانتهت التجارب كافّة بإغلاق المواقع بعد جمعها ملايين الدولارات، قبل أن تُفرّخ مواقع جديدة، مثل منصّة «كوفي 24» التي أُغلقت أخيراً بعد أن سَرقت أموال الآلاف، الذين أغراهم الربح السريع، وقدرتهم على سحب نسبة من أرباحهم بعد أيام من وضعها، وتلك الأرباح ليست إلّا جزءاً من أموال ضحايا آخرين. وهنا، يُذكَر أن مجموع الأموال التي خسرها مستثمرون في موقع مثل «سويس كوين»، خلال أعوام، راوحت ما بين 5 و6 ملايين دولار. ولا تبدو مهمّة الأجهزة الأمنية في ضبط هذه الظاهرة ناجعة، على رغم إصدار ثلاثة قوانين في عام 2018، تُجرّم استخدام الإنترنت في تحصيل ربح غير مشروع، إلّا أن أكثر المتورطين في مثل هذه القضايا في القطاع، هم ضحايا، فيما يقطن المجرمون في دول خارجية مثل ماليزيا وتركيا.


عودة الى الصفحة الرئيسية