مسحراتي صيدا القديمة.. صوت رمضان الذي لم تغيّبه الأزمة
مسحراتي صيدا القديمة.. صوت رمضان الذي لم تغيّبه الأزمة
المصدر : إيناس القشاط- لبنان 24
تاريخ النشر : الجمعة ٢٩ نيسان ٢٠٢٤
مهنة "المسحراتي" من المظاهر الخالدة في لبنان وسوريا والأردن ومصر للاحتفال بشهر رمضان، ويطلق هذا اللقب على الشخص الذي يتولّى مهمّة إيقاظ المسلمين في ليالي شهر رمضان المبارك لتناول السحور، والمشهور عنه أنه يحمل طبلة أو مزماراً ويقوم بالعزف عليها لإيقاظ الناس قبل أذان الفجر.

وقد عرف المسلمون السحور منذ صدر الإسلام وكان ذلك يتم عن طريق الأذان. ومرّ "التسحير" خلال التاريخ بمراحل عدّة، وكان لكل بلد إسلامي طريقته الخاصة في إيقاظ الناس لتناول السحور. وبمرور الوقت تطوّر "التسحير"، وظهرت شخصية "المسحراتي. البعض أضاف عليه وسائل تقنيّة حديثة كالتجوال بالسيّارة وإيقاظ الصائمين عبر مكبّرات الصوت، والبعض الآخر حافظ على هذه العادة بشكلها التقليدي.
غياب مؤلم...
فقدت هذه المهنة الكثير من موقعها وتراجع دورها وأصبحت لا تنفع في المناطق المكتظّة بالسكان، إذ لا يُجدي نفعاً صوت المُنادي فيها ولا يمكن سماعه، ليظلّ المسحراتي على نشاطه في المناطق الشعبيّة التي حافظت على دوره ولو في نطاقٍ أضيق مما كان عليه قديماً.

ومع التقدّم التكنولوجي ووسائل الاتصال، بات أغلب الصائمين يعتمدون على المنبّهات الإلكترونية للنهوض من نومهم. لكن بقي بعض المسحّرين يتمسكون بهذه المهنة التقليدية، كالمسحراتي اللبناني محمود فناس، كتراث يعيدهم إلى الماضي وذكريات الطفولة.
"اصحى يا نايم"
يردّد المسحراتي محمود فناس عبارات جميلة تضيف سحراً لوقت السحر "يا نايم وحّد الدايم.. يا عباد الله وحدّو الله"، فبهذه العبارات وغيرها ومع ضربات فنية على الطبلة يبدأ فناس ابن مدينة صيدا جنوب لبنان، بتنبيه سكان المدينة الساحلية في شهر رمضان المبارك، بحلول موعد السحور لينهضوا وينهوا سحورهم وصولا إلى صلاة الفجر.
يعرف فناس معظم أهالي صيدا، فقد اعتادوا سماع صوته وهو يصدح في أرجاء الأحياء والشوارع والحارات القديمة، وما إن ينتصف الليل حتى يتجهز محمود ابن الراحل المسحراتي محمد فناس للبدء بعمله في إيقاظ الناس لتناول وجبة السحور.
فناس الذي ورث المهنة عن والده الذي رحل في العام 2018، يحاول منذ رحيله أن يعيد المسحراتي الى أحياء صيدا، لأن "أبو طبلة" هو من تراث وعادات الشهر الكريم، حيث تم تناقل هذه العادة عبر الأجيال منذ زمن الرسول محمد (ص) والصحابة.
ويعدّ فناس مسحراتي "أباً عن جدّ"، فجدّه كان في صغره مسحراتياً في مدينة عكا الفلسطينية، ووالده اكتسب العادة من جدّه، وعندما كان يبلغ والده 18 سنة انتقل إلى مدينة صيدا حيث لم يكن يوجد مسحراتي، فعمل مسحراتياً رغم تواجد الاحتلال الاسرائيلي في المدينة، وهو أكمل المسيرة من بعده.
ورغم كل التطوّر والتقدّم التكنولوجي، ما زال فناس مُصرّاً على عمله، يطرب الناس بصوته ويوقِظ الصائمين بموشّحاته وعباراته. كما يعمل على نقل عادة "المسحراتي" لابنه كما اكتسبها هو من والده، كي لا تنقرض عادة "المسحراتي" في لبنان.


محمود الذي يعمل أيضاً بمحل ألعاب وخرضوات، يقوم كل يوم بتحضير نفسه قبل التوجّه لإيقاظ المسلمين للتسحرّ، حيث يتجوّل في الشوارع وينادي بأعلى صوته على سكان مدينة صيدا التي غابت عن بعض أحيائها زينة رمضان، وأطفأت الأزمة الاقتصادية أضواء فوانيس ساحاتها وشوارعها.


عرض الصور