إختر من الأقسام
صيدا |
لبنان |
شؤون فلسطينية |
عربي ودولي |
مقالات وتحقيقات |
صحة وطب |
تكنولوجيا |
مشاهير وفن |
المرأة والرجل |
منوعات |
رياضة |
إقتصاد وأعمال |
ثقافة وأدب |
صور وفيديو |
إعلانات |
آخر الأخبار |
- 'إرنا': لا أضرار كبيرة في إيران بعد التقارير عن سماع دويّ انفجارات
- الاستحقاق البلدي: باسيل يزايد ويغطي التمديد
- 7 نقاط سوداء في ملف فضيحة صفقات مصرف لبنان وشركة أوبتيموم
- بلومبيرغ: إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة الخميس أنها تعتزم الرد على الهجوم الإيراني خلال يوم أو يومين
- إجراءات متلاحقة لضبط الانفلاش النقدي في لبنان
- 'الخماسية' أنهت جولتها وعِقَد تواجه اندفاعتها.. باسيل يطالب بـضمانات خطية للمشاركة بالحوار
- ماكرون يستقبل ميقاتي اليوم.. وباريس تدفع أوروبا إلى دعم الجيش والتصدي لملف النازحين
- إسرائيل ترد مباشرة على الهجوم الإيراني.. دوي انفجارات في أصفهان وتعليق للطيران
- انتهاء جولة «الخماسية»: تمايز سعودي ضدّ فرنجية أم واشنطن؟
- هل تفضّل إسرائيل حرب استنزاف طويلة مع الحزب؟
'ساندويش' فلافل واحد أكلته أمٌ وابنتاها بطرابلس... الفقر في أفظع صوره! |
المصدر : النهار | تاريخ النشر :
30 Mar 2021 |
المصدر :
النهار
تاريخ النشر :
الجمعة ١٩ أذار ٢٠٢٤
كان المشهد تراجيدياً إلى أبعد الحدود. توجّهت المرأة الخمسينية من ناحية برج الساعة العثماني في ساحة التل بطرابلس، تجاه محلات بيع المأكولات السريعة، المواجِهة لحديقة المنشية وسط المدينة، على يمينها شابة في بداية سلّم المراهقة، وعلى يسارها صبيّة على حافّة العشرين.
تمتمات غير مسموعة بين الأطراف الثلاثة، تبعها بحث عن شيء ما في حقيبة الأم والبنت الكبرى، بحثٌ أشبه بعملية دهم أمنية، كادت الأم أن ترمي ما بداخل الحقيبة على الأرض، كأنّها تبلغهما أنّه ليس في حوزتها "ممنوعات". تحرّكت المراهقة الصغيرة، أدخلت يدها في جيب بنطالها الأسود، أخرجت أموالاً قليلة، منها الورقي والمعدنيّ، انفرجت أساريرهن جميعاً، ابتسمت الأم وربّتت على كتف ابنتها الصغيرة، وضمتها كما تضم العصفورة صغيرها.
توجّهن نحو محل الحلبي لبيع الفلافل، سألنه عن سعر "السندويشة"، أجابهن: أربعة آلاف ليرة، امتعضت الأم وتراجعت الى الخلف خطوتين، نظرت إلى ابنتيها شاكية مُحبطة، "اموال المراهقة" لا تكفي لشراء "سندويشة واحدة"، أجرت الأم تفتيشاً جديداً في حقيبتها، عساها تُرزق من غير أن تحتسب، وقعت يدها على عملة معدنية من فئة الـ500 ليرة لبنانية، عادت البسمة الى وجهها، تقدّمت نحو البائع، طلبت "سندويشة"، لم يتنبه البائع لما جرى أمامه، كان منهمكاً في البيع، بعد أن أوقف عمالاً كانوا لديه بسبب الأوضاع الضاغطة، بات وحيداً في محله، معه شاب يتولى مهمة "لفّ" السندويشات، وحده لا يستطيع تلبية طلبات الناس إذا "عجقت"، بس "صارت العجقة عملة نادرة بها الأيام".
الـ3500 ليرة لبنانية، التي "أهدتها" الصغيرة لأمها، هي بمثابة "تحويشة العمر"، لكن التراجيديا الكبرى، والمأساة الأفظع، كانت عندما انزوين، وراحت الأم تقسّم "السندويشة" عليهن جميعاً، لفة واحدة لأشخاص ثلاثة، لقمة في فم كل منهنّ، فمَن يعرف "فلافل الحلبي"، يدرك أنّ رغيفه صغير، يحتاج الشخص الواحد للفّتين وأكثر ليسدّ جوعه، فكيف لهذه الأم أن تسدّ جوعها وجوع ابنتيها بلقيمات صغيرة؟
مضغ اللقيمات قصّة أخرى، كمن وضع يده على جوهرة ثمينة. يمضغن ويضحكن، البساطة في الحياة جميلة، لكن الأجمل أن يحصل الإنسان على أبسط أمور الدنيا: رغيف الخبز وما يُمرغ عليه لسد رمقه...
يراقب المرء المشهد بالدمع، كمَن يصاب بنوبة قلبية فجأة، فلا يتمالك أعصابه ويبدأ بالصراخ والبكاء، لكن الصورة كانت تحتاج الى الشتم أكثر منها الى الصراخ، شتم كل من أوصلنا الى هذا الدرك من الفقر والعوز، حتى صار الواحد منا "يشتهي" قرص فلافل، فلا يتمكن من تذوّقه... الآتي أعظم فتحضّروا لمناظر أشنع.
تمتمات غير مسموعة بين الأطراف الثلاثة، تبعها بحث عن شيء ما في حقيبة الأم والبنت الكبرى، بحثٌ أشبه بعملية دهم أمنية، كادت الأم أن ترمي ما بداخل الحقيبة على الأرض، كأنّها تبلغهما أنّه ليس في حوزتها "ممنوعات". تحرّكت المراهقة الصغيرة، أدخلت يدها في جيب بنطالها الأسود، أخرجت أموالاً قليلة، منها الورقي والمعدنيّ، انفرجت أساريرهن جميعاً، ابتسمت الأم وربّتت على كتف ابنتها الصغيرة، وضمتها كما تضم العصفورة صغيرها.
توجّهن نحو محل الحلبي لبيع الفلافل، سألنه عن سعر "السندويشة"، أجابهن: أربعة آلاف ليرة، امتعضت الأم وتراجعت الى الخلف خطوتين، نظرت إلى ابنتيها شاكية مُحبطة، "اموال المراهقة" لا تكفي لشراء "سندويشة واحدة"، أجرت الأم تفتيشاً جديداً في حقيبتها، عساها تُرزق من غير أن تحتسب، وقعت يدها على عملة معدنية من فئة الـ500 ليرة لبنانية، عادت البسمة الى وجهها، تقدّمت نحو البائع، طلبت "سندويشة"، لم يتنبه البائع لما جرى أمامه، كان منهمكاً في البيع، بعد أن أوقف عمالاً كانوا لديه بسبب الأوضاع الضاغطة، بات وحيداً في محله، معه شاب يتولى مهمة "لفّ" السندويشات، وحده لا يستطيع تلبية طلبات الناس إذا "عجقت"، بس "صارت العجقة عملة نادرة بها الأيام".
الـ3500 ليرة لبنانية، التي "أهدتها" الصغيرة لأمها، هي بمثابة "تحويشة العمر"، لكن التراجيديا الكبرى، والمأساة الأفظع، كانت عندما انزوين، وراحت الأم تقسّم "السندويشة" عليهن جميعاً، لفة واحدة لأشخاص ثلاثة، لقمة في فم كل منهنّ، فمَن يعرف "فلافل الحلبي"، يدرك أنّ رغيفه صغير، يحتاج الشخص الواحد للفّتين وأكثر ليسدّ جوعه، فكيف لهذه الأم أن تسدّ جوعها وجوع ابنتيها بلقيمات صغيرة؟
مضغ اللقيمات قصّة أخرى، كمن وضع يده على جوهرة ثمينة. يمضغن ويضحكن، البساطة في الحياة جميلة، لكن الأجمل أن يحصل الإنسان على أبسط أمور الدنيا: رغيف الخبز وما يُمرغ عليه لسد رمقه...
يراقب المرء المشهد بالدمع، كمَن يصاب بنوبة قلبية فجأة، فلا يتمالك أعصابه ويبدأ بالصراخ والبكاء، لكن الصورة كانت تحتاج الى الشتم أكثر منها الى الصراخ، شتم كل من أوصلنا الى هذا الدرك من الفقر والعوز، حتى صار الواحد منا "يشتهي" قرص فلافل، فلا يتمكن من تذوّقه... الآتي أعظم فتحضّروا لمناظر أشنع.
Tweet |