إختر من الأقسام
آخر الأخبار
هموم اللبنانيين مع انقطاع الكهرباء... 'لم يعد أمامنا سوى الهجرة'
هموم اللبنانيين مع انقطاع الكهرباء... 'لم يعد أمامنا سوى الهجرة'
المصدر : اسرار شبارو | النهار
تاريخ النشر : الجمعة ٢٩ تموز ٢٠٢٤

في القرن الحادي والعشرين، عاد اللبنانيون إلى القناديل، العتمة باتت رفيقة دربهم، بعدما أمعنت الدولة في قضم حقوقهم. فالكهرباء التي تعتبر من أبسط مسؤوليات الحكومة، منذ سنوات وهي فاشلة في إدارتها إلى درجة وصل فيها الوضع إلى خفض ساعات التغذية الى درجة كبيرة حتى عن العاصمة، المولدات لا يمكنها سد الفراغ بشكل كامل عدا عن عدم قدرة عدد من الناس على دفع فاتورة الاشتراك.

انقطاع يعوق الحركة

أكثر المتضررين من انقطاع الكهرباء هم ذوو الحاجات الخاصة، الذين كُبّلوا على يد دولتهم التي تغض النظر عن معاناتهم وتضيف عليها أعباء. ففي الأمس اضطر شادي نظام إلى البقاء 5 ساعات في مدخل المبنى بانتظار الكهرباء كي يتمكن من الصعود إلى منزله في الطبقة الثالثة، اتصل بشركة الكهرباء علّها توقف معاناته وتصل التيار ولو لخمس دقائق، إلا أن لا آذان صاغية، وفي النهاية اضطر الى الاستعانة بشباب من المنطقة لحمله على الدرج وإيصاله إلى المنزل.

وفي حديث لـ"النهار" شرح ولو جزءاً بسيطاً من وجع زمن، أقعده قبل ثماني سنوات بحادث سير وهو في عز الشباب، ولأن القدر حكم عليه أن يكون في لبنان، حيث لا اهتمام من قبل الدولة حتى بذوي الاحتياجات الخاصة، تضاعفت معاناته درجات وقال: "اعتدنا في بيروت أن تنقطع الكهرباء لثلاث ساعات في اليوم، لكن بعد التقنين الحاصل لم نعد نعلم موعد انقطاعها الذي وصل الى نحو 20 ساعة وأكثر، لذلك إذا اضطررت للخروج لزيارة طبيب أو لحاجة ملحة، لا أعلم عند عودتي بوجود كهرباء من عدمه. في العادة أطلب من الشركة وصل التيار لدقائق حتى أتمكن من الصعود. أحيانا يستجيبون لي، لكن في الفترة الأخيرة لم يعد يلبى طلبي، لذلك في الأمس بقيت منذ الساعة الثالثة بعد الظهر حتى الثامنة والنصف مساء وأنا أنتظر، إلى أن لجأت إلى الخيار البديل".

لدى شادي (31 سنة) اشتراك مولد كهربائي في منزله، (كلفة 5 أمبير كانت 60 ألفاً وبعد الازمة أصبحت 100 ألف). في حين يرفض سكان المبنى الاشتراك بالمولد للمصعد "قبل ارتفاع الدولار كانت تكلفته 900 دولار ثمن قطعة لمد الكهرباء ونحو 300 ألف شهرياً بدل اشتراك، لذلك أجبر على البقاء في المنزل طوال الوقت، فبعد كورونا أتت أزمة الكهرباء لتزيد الطين بلة". لافتاً إلى أنه "حتى الاشتراك يقطع عند الفجر، ما يعني النوم في ظل الحر".

انقطاع يهدد الحياة

انقطاع الكهرباء يهدد حياة بعض المرضى الذين يحتاجون إلى أوكسجين لبقاء الروح في جسدهم، منهم ابنة فتحي أمون، الطفلة ذات الشهور التسعة، التي تعاني الربو، وهي بحاجة إلى آلة تنفس لوقت لا يقل عن خمس ساعات في اليوم. وبما أن كهرباء الدولة في بلدة إيزال لا تصل إلى أكثر من ساعتين، وبما أن اشتراك المولد ينقطع كل ساعتين، اضطر الوالد لشراء مولد صغير خاص علّه يحل المشكلة، إلا أنه اصطدم بعدم قدرته على تأمين المازوت بشكل دائم، لعدم توفره في المحطة، حيث قال لـ"النهار": "ما ذنب طفلتي لكي تعاني؟! لماذا عليّ أن أخشى خسارتها بسبب مسؤولين عاجزين عن تأمين أبسط الأمور للمواطنين؟"، وأضاف: "نمضي ليلتنا على قنديل الكاز والشموع، مع العلم أن تنكة الكاز ثمنها مئة ألف ليرة، والشمعة بألفي ليرة، وأنا والد لستة أبناء، أعمل فاعلاً، فكيف لي أن اؤمن حياة كريمة لهم، تعبت من بقائي في وطن لا يحترم مواطنيه، يذلّهم ويُمعن في تجويعهم".

تفضيل الموت على هكذا وضع

أبو سعيد، مسن من بيروت، أخذ منه العمر قوته، حتى المشي لديه بحسبان، فهو يبلغ من العمر 78 سنة، ولكي لا تتوقف الحياة عنده ببقائه في المنزل، اعتاد يومياً أن يقصد دكان جاره للسمانة، يجلس واياه وبعض من الأصدقاء صباحاً، يتبادلون أطراف الحديث وهموم الزمن، إلا أن انقطاع الكهرباء لأوقات طويلة عن العاصمة حال دون تمكنه من النزول من البيت، كونه يسكن في الطبقة الثامنة، وقال لـ"النهار": "لم يعد في العمر إلا القليل، وبدلاً من أن نعيش ما تبقى لنا من أيام لن أقول سنوات براحة بسيطة، ها نحن نجبر على البقاء ضمن أربعة جدران". وأضاف: "للأسف عدنا إلى الشموع، فأنا أسكن مع ابني الذي توقف عن العمل في أحد المطاعم بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر على البلد، ما دفعه الى تخفيض المصروف إلى حد كبير، ومن ضمنه اشتراك الكهرباء، لذلك بتنا نمضي الليل في العتمة، نحاول أن نرقد للنوم باكراً إلا أن الحرارة المرتفعة تحول دون ذلك، أشعر وكأني أعذّب على الأرض، وأتمنى في أوقات كثيرة أن يستعجلني الموت، فما نفع العيش في هكذا أوضاع"!

حلم الهجرة

انقطاع الكهرباء كلف اللبنانيين خسارة ما لديهم من أطعمة داخل ثلاجاتهم، منهم نسرين التي صدمت بعد تقنين الكهرباء بتعطل المولد، حيث قالت لـ"النهار": "عدا عن أني حاولت قدر المستطاع استخدام الأطعمة المثلجة في الطبخات، إلا أن تعطل المولد دفعني إلى إفراغ الثلاجة ونقل محتوياتها إلى ثلاجة والدتي، شعرت وكأني في الحرب الأهلية، حيث كنا نستعين بمن لديه كهرباء لتسيير أمورنا". وأضافت: "لا يمكنني تشغيل المكيف والبراد على الاشتراك، قصدت محل كهربائيات لشراء مروحة، لأتفاجأ بالأسعار، المروحة التي كان سعرها 30 ألف ليرة، أصبحت مع ارتفاع سعر الدولار بـ 300 ألف ليرة، أي بلد هذا؟ أولادنا لا يمكنهم النوم بسبب الحر، لم يعد أمامنا سوى الهجرة إذا رضي الله عنا وكتبها لنا".


عودة الى الصفحة الرئيسية