إختر من الأقسام
آخر الأخبار
ماذا يعني 'انتهاء صيغة إنشاء لبنان'..وهل هناك 'انقلاب سياسيّ' يتمّ التحضير له ؟!
ماذا يعني 'انتهاء صيغة إنشاء لبنان'..وهل هناك 'انقلاب سياسيّ' يتمّ التحضير له ؟!
المصدر : حسين عاصي - النشرة
تاريخ النشر : الجمعة ١٩ أيار ٢٠٢٤

على جري العادة، شكّل عيد الفطر مناسبة لتبادل "الرسائل" السياسية من المستوى الرفيع، ولكن بواسطة المرجعيّات الدينيّة، مع ما تحمله من "رمزية"، بل "خصوصيّة" من شأنها تعزيز الجانب "التشويقي" من المشهد.

ولعلّ هذا "التشويق" حضر في أبهى حلله في خطبة المفتي الجعفري الممتاز ​الشيخ أحمد قبلان​، الذي فجّر ما وُصِفت بـ"القنبلة السياسيّة"، حين ارتأى نعي "الصيغة" التي نشأ على أساسها لبنان، والتي وصفها بـ"الطائفية والاستبدادية"، ووضعها في خانة "خدمة المشروع الاستعماري والاحتكاري"، معتبراً أنّ "ما قام به بشارة الخوري ورياض الصلح لم يعد يصلح لدولة إنسان ومواطن، بل أيضاً مرحلة وانتهت".

لكنّ اللافت وسط هذا المشهد، أنّه في وقتٍ لم يتردّد قبلان في الإعلان جهاراً بأنّ "هذه الصيغة انتهت"، كان مفتي الجمهورية ​الشيخ عبد اللطيف دريان​ يرفع الصوت في الاتجاه المعاكس، من خلال التمسّك بالصيغة تحديداً، من بوابة رفضه تهميش ​رئاسة الحكومة​ أو المسّ بصلاحيات رئيس مجلس الوزراء، محذّراً من تداعيات الإخلال ب​الدستور​.

لكن، أبعد من "صدى" كلمات دريان، ماذا يعني حديث قبلان عن "انتهاء صيغة إنشاء لبنان"؟ هل تكمن خطورة الكلام من "واقعيّة" أنّ الصيغة انتهت فعلاً، مهما كابر المكابرون، أم من ماهيّة "البدائل" التي يسعى البعض لوضعها على الطاولة، ولو من باب "الابتزاز"؟!.

إلى المؤتمر التأسيسي؟!
لم يكد الشيخ أحمد قبلان ينهي خطبته لمناسبة عيد الفطر السعيد حتى انطلقت "عاصفة" سياسية بسببها، لا يبدو أنّها ستنتهي قريباً، باعتبار أنّ "القنبلة" التي فجّرها لا يمكن أن تكون مجرّد كلامٍ "عابر" أو غير مدروس، بل إنّ البعض لم يتردّد في أن يستنتج من بين سطورها، أنّ ثمّة "انقلاباً سياسيّاً" يتمّ التحضير له.

ولعلّ هذا البعض انطلق من "الربط" ما بين خطبة قبلان والمؤتمر الصحافي "النادر" الذي عقده رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل يومين، وتضمّن جملة "طروحات" تصبّ بمعظمها في خانة "التغيير"، من بينها الدعوة إلى الدولة المدنيّة وإجراء انتخابات نيابيّة على أساس لبنان دائرة واحدة وإلغاء الطائفيّة السّياسية وإنشاء مجلس شيوخ، ولو أنّها جميعاً من المطالب التي يكرّرها بري في تصريحاته منذ سنوات، من دون أن تترجَم عملياً على أرض الواقع.

بيْد أنّ "الربط" الحقيقيّ الذي أثار "الريبة" لدى كثيرين، يبقى بين الخطبة والدعوات القديمة-الجديدة إلى إطلاق ما سُمّي بـ"المؤتمر التأسيسي"، والتي كان الأمين العام لـ"حزب الله" ​السيد حسن نصر الله​ أول من تبنّاها، قبل أن "يتبرّأ" منها في وقتٍ لاحق، نتيجة ردود الفعل العنيفة عليها من جانب قوى وشرائح أساسيّة في المجتمع اللبناني، علماً أنّ كثيرين اعتبروا هذا "التنصّل" مجرّد "تكتيك"، جازمين بأنّ "الحزب" لم ولن يصرف النظر عن هذا المؤتمر، الذي يشكّل "طموحه الأساسيّ" في مكانٍ ما.

هكذا، أعادت خطبة قبلان "الفرز" نفسه إلى الواجهة، بين المتمسّكين بنظام "الطائف" الحاليّ، باعتباره "خطاً أحمر" لا يجوز المسّ به، وبين الداعين إلى "تطويره" بالحدّ الأدنى، بعدما ثبُت بالملموس أنّه يعاني من الكثير من "الثغرات"، أقلّه في الجوانب الدستورية والقانونية الإشكاليّة، وبين المتوجّسين في المقابل من "الأجندة" الكامنة خلف الدعوات "التغييرية"، غير البريئة برأيهم، خصوصاً في ظلّ الحديث الدوريّ عن "مثالثةٍ" من شأنها أن تصيب ​النظام اللبناني​ ككلّ في مقتل، بل أن تؤدّي إلى ما لا تُحمَد عقباه.

لا بديل!
من هنا، يمكن قراءة مضمون الردود على خطبة قبلان، على أنّها خشية من "المجهول" الذي يمكن أن تُدفَع البلاد نحوه بعنوان "التغيير"، وهو المجهول الذي يحاذر عبوره حتى دعاة التغيير، من "الثوار" الذين نزلوا إلى الساحات والميادين في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، هاتفين إلى إقصاء الطبقة السياسيّة بالكامل، من دون أن يتبنّوا بالمُطلَق شعار "تغيير النظام"، الذي يبقى حتى إشعار آخر ممّا يُصطلح على توصيفها بـ"التابوهات"، في إشارة ربما إلى "المحظورات" في المجتمع.

ولعلّ "أخطر" ما في الأمر، وفق "منطق" الممتعضين من كلام قبلان، يكمن في الحديث عن نوايا "ابتزازيّة" خلف مواقف المفتي الجعفري ومن يمثّلهم في السياسة، أو من يتلاقى معهم، وبالتحديد ثنائيّ "حزب الله" و"​حركة أمل​"، باعتبار أنّ "الثنائيّ" يقول لحلفائه وخصومه إنّه قادرٌ على "العبث" بالمعادلة القائمة متى شاء، وأنّ لا شيء يخسره في هذه الحال، علماً أنّ هؤلاء لا يرون "عفوية" في التزامن بين توقيت استعادة مثل هذا الكلام، الذي وُضِع لسنواتٍ على الرفّ، ولم يُسترجَع من الأرشيف حتى في عزّ "ثورة 17 تشرين"، وبين الخطاب المُناهض لـ"حزب الله" أخيراً، والذي وصل إلى حدّ تخييره بين "الجوع والبندقيّة".

لكنّ وجهة النظر هذه تجد في المقابل رأياً مضاداً ينطلق من كون قبلان لم ينطق "كفراً" حين ضمّن خطبته ما يقوله معظم اللبنانيين، بمختلف انتماءاتهم السياسية، وبمن فيهم أولئك "المتيّمون" بالدستور حدّ "تقديسه"، ولكن في الغرف المغلقة، علماً أنّ الوظيفة السياسية لما قاله تنحصر، برأي أصحاب هذا الرأي، في كونه جاء رداً على طروحات "الفدراليّة" التي شهدت انتشاراً واسعاً في الأيام الماضية، وهو بذلك يتلاقى مع ما قاله رئيس مجلس النواب في مؤتمره الصحافي، ورئيس "​الحزب التقدمي الاشتراكي​" وليد جنبلاط وغيرهما.

وبعيداً من أساليب "التهويل" أو "الابتزاز" من هذا الطرف أو ذاك، يبقى الأكيد وفقاً للعارفين أنّ صيغة لبنان، ولو أنّها تعاني الأمرَّيْن واقعياً، لا يمكن أن تنتهي على الأرض بـ"شحطة قلم"، إن جاز التعبير، خصوصاً أنّ لا بدائل جاهزة أو متوافرة، علماً أنّ الظروف الموضوعيّة أو الإشكاليّة التي دفعت "حزب الله" إلى "التنصّل" من مطالبه التغييرية قبل سنوات، على رغم كونها "مشروعة" برأي كثيرين، لا تزال نفسها، ما يعيق أيّ "تطويرٍ" يفترض أن يكون عادةً مطلب الشعوب الأول.

النظام "انتهى"!
هي المفارقة التي تتكرّر في لبنان، كلّما طرح أحدهم فكرة "انتهاء النظام"، أو دعا إلى "تطويره"، أو حتى تحدّث عن "مؤتمر تأسيسي" يهدف إلى "التوافق" على شكلٍ جديد للدولة والكيان.

فجأة، يستيقظ "حرّاس" النظام، إن جاز التعبير، ويغلّفونه بخطوط حمراء تبدأ ولا تنتهي، وينطلق الحديث عن أجنداتٍ "مشبوهة"، وعن نوايا "عدوانيّة"، وغير ذلك ممّا من شأنه تحويل الدستور إلى كتابٍ مقدَّس، لا يمكن الاقتراب منه.

قد يكون للمتوجّسين أسبابهم الموجبة، خصوصاً أنّ للجميع في لبنان "أجنداته"، ولا أحد يعزلها عن الأقوال قبل الأفعال، ولكن، ألم يحِن الوقت للبحث الجدّي في "تطوير" النظام بالحدّ الأدنى؟ ألم يثبت هذا النظام، الذي يبصم الجميع أنّه قائم على أسُس طائفية ومذهبية، أنّ مكامن الخلل الموجودة فيه أكثر من أن تُعَدّ أو تُحصى؟.

النظام "انتهى"، ربما ليس بمفهوم المفتي قبلان، ولا داعميه ولا خصومه، ولكن بمفهوم شعبٍ ضاق ذرعاً بالتهويل والابتزاز و​الفساد​ وما لفّ لفّه!.


عودة الى الصفحة الرئيسية