إختر من الأقسام
آخر الأخبار
أنهى حياته بحبل أرجوحة أطفال.. انتحار بائع خضار أردني يعكس قسوة العيش وضياع الأمل لدى الناس
أنهى حياته بحبل أرجوحة أطفال.. انتحار بائع خضار أردني يعكس قسوة العيش وضياع الأمل لدى الناس
المصدر : عربي بوست
تاريخ النشر : السبت ٢٠ شباط ٢٠٢٤

أُلقِي على عاتق الشاب الأردني أنس الجمرة أعباء أكثر من قدرته على تحملها. فقد كان الأكبر بين 16 شقيقاً وشقيقة، وعمل ببيع الخضار والفاكهة ليعول أبويه وأشقاءه وأطفاله الأربعة، لكنه ظل يتعرض لمضايقات من الشرطة ومسؤولي البلدية، الذين صادروا بضاعته؛ مما جعل ديون الشاب البالغ من العمر 28 عاماً تتراكم.

أنس قرر الانتحار
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، في 1 فبراير/شباط، عقب أيام قليلة من مصادرة مسؤولي بلدية مدينة إربد بضاعة أنس، وضع الشاب النهاية لحياته وشنق نفسه بحبل أرجوحة أطفال، مسلطاً انتحاره الضوء على الصعوبات التي يعانيها المواطنون في الأردن لكسب لقمة العيش بكرامة.

وبصوت مرتعش تقول والدة أنس، المعروفة بلقب “أم أنس”: “في الليلة السابقة لوفاته طلب مني 500 دينار (705 دولارات) لكن لم يكن بحوزة أي من معارفي هذا المبلغ، لو كنت أعلم أنَّ هذا سيحدث لخرجت إلى الشوارع واستجديت الغرباء لجمع المبلغ”.

وتشبه واقعة أنس تلك الخاصة بمحمد بوعزيزي بائع الفاكهة التونسي الذي أضرم النيران في جسده في ديسمبر/كانون الأول 2010 رداً على المضايقات والإهانات التي تعرض لها على يد السلطات المحلية. وكانت وفاته هي الفتيل الذي أشعل الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالرئيس التونسي من الحكم، وترددت أصداؤها في المنطقة بأكملها.

لكن بعد مرور عقدٍ من الزمن على تلك الأحداث، فإن الأسباب التي ساهمت في اندلاع ثورات الربيع العربي، ومنها غياب المساواة والحرمان الاقتصادي، لا تزال قائمة.

الفقر والفساد والبطالة تتفشى في البلاد
وفي الأردن في عام 2018، احتدمت هذه الإحباطات. وعصفت بالدولة مظاهرات واسعة النطاق احتجاجاً على التدابير التقشفية وتدني مستويات المعيشة. وفي استبيان نشره مركز الجامعة الأردنية للدراسات الاستراتيجية الشهر الماضي، كشف أنَّ الفساد والبطالة والفقر لا تزال تمثل القضايا الأكثر إلحاحاً في الأردن.

إذ شهد تعداد البطالة بين الشباب في الأردن ارتفاعاً حاداً خلال العقد الماضي ليتجاوز نسبة 36%، وهي واحدة من أعلى نسب البطالة في العالم. ودفع تفشي البطالة الكثير من الناس للاشتغال بالتجارة غير الرسمية في الشوارع لكسب ما يسد رمقهم.

ووفقاً لأحمد عوض، مدير المرصد العمالي الأردني والمدافع عن حقوق العمال، يضم الاقتصاد غير الرسمي في الأردن ما يقرب من نصف العمالة، ويقول إن وفاة أنس لم تكن حادثة فردية، لكنها تأتي نتيجة التدابير التقشفية التي أضعفت العمال وقوضت نظم الحماية الاجتماعية.

وفي مدينة إربد شمالي الأردن، يجد الباعة المتجولون أنفسهم في موقف ضعف. ويتهم الكثيرون مسؤولي المحليات بجعل استخراج تصاريح العربات والأكشاك، التي تكلف ما بين 150 و300 دينار سنوياً، صعباً إن لم يكن مستحيلاً. ويقولون إن المسؤولين يحاولون حصرهم في أماكن بعيدة عن وسط المدينة، مما يجعل من الصعب اجتذاب الزبائن، ثم يحاولون بعدها مصادرة البضائع والمطالبة برشاوى خلال حملات التفتيش في الشوارع.

المسؤولون يصادرون البضاعة الأعلى قيمة
يقول محمد الجمرة، ابن عمومة أنس الذي يعمل بائعاً جائلاً أيضاً: “إما يصادرون أغلى البضائع أو يطلبون رشوة. لقد صادر موظفو البلدية خضراوات تتجاوز قيمتها 1000 دينار من عربتي”.

بدوره، يقول شقيق أنس، يزيد، وهو أيضاً بائع جائل، إنَّ مسؤولي المدينة عادة ما يصادرون البضائع الأعلى قيمة. ويزعم أن شقيقه استهدف عدة مرات خلال الأشهر التي سبقت وفاته.

في حين يقول والد أنس، محمد الجمرة، إنَّ مسؤولي البلدية قالوا إنهم أعطوا البضاعة التي صودرت لمأوى اليتامى، لكن المأوى نفى ذلك، وأضاف أن أبناءه حاولوا استعادة البضائع لكنهم لم يتمكنوا من العثور عليها.

من جانبه، قال المفتش العام معيد ضحضاح إنَّ سلطات البلدية لها الحق في مصادرة أي بضائع تباع من دون تصريح. ويحتج بأنه من الضروري السيطرة على ظاهرة البيع الجائل.

ويضيف ضحضاح: “نحن لا نعرف ما الذي حدث للبضائع التي صودرت من أنس. وقد بدأنا تحقيقاً للنظر في ما حدث، لكنه لا يزال جارياً”.

لكن الباعة الجائلين الذين يعملون في شوارع مدينة إربد يقولون إن مسؤولي المدينة لا يكتفون بانتقاء الباعة الذين يستهدفونهم فحسب بل البضائع التي يصادرونها أيضاً. إذ أوضح أحد الباعة الجائلين، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أنَّ الباعة الذين لديهم من يدعمهم لا تؤخذ منهم بضائعهم، مضيفاً “الفقراء أمثالنا فقط هم من يتعرضون للمضايقات”.

لكن بعد وفاة أنس، أعلن رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز، في تغريدة على تويتر، أنَّ الحكومة ستخصص مساحات لتكون سوقاً للبائعين الجائلين يستخدمونها بالمجان أو مقابل رسوم رمزية.

ضياع الأمل

إلا أنَّ أنس الجمرة، الذي علق بين براثن الفقر والدين المتعثرة والبطالة والسلطات التي تتخذ إجراءات صارمة ضد الاقتصاد غير الرسمي، يمثل للبعض ضياع الأمل وغياب الخيارات لكسب العيش الكريم في الأردن، حيث يشعر الكثيرون أنَّ الثروة والفرص تتركزان في يد نخبة مميزة.

ويقول نايف الجمرة، عم أنس الأكبر، بينما ينظر إلى صورة لابن أخيه المتوفى: “كان يعمل بجد ويتحلى بالمسؤولية. كان يعمل كل يوم. يغادر المنزل في الساعة السادسة صباحاً ولا يعود إلا ليلاً بعد العاشرة. كل ما أراده هو أن يعيش بكرامة”.


عرض الصور


عودة الى الصفحة الرئيسية