وزارة المالية تتفكك: جباية الضرائب في خطر
باستثناء الإضاءة على الفراغ البشري الذي أصاب الإدارة الضريبية، لم يخرج منتدى «استعادة النمو وتحقيق العدالة عبر إصلاح النظام الضريبي»، الذي نظّمته جمعية «Financially wise» بالتعاون مع معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي، عن المقاربة الكلاسيكية لانتقاد النظام الضريبي اللبناني. فهو، كما بات معروفاً، يتّسم باللاعدالة ويوسّع الفجوة بين شرائح المجتمع ويزيد من تركيز الثروة بيد الأقلية... إنما الأزمة خلقت بُعداً جديداً، إذ تبيّن أنه مع انهيار المداخيل في القطاع العام وارتفاع الأكلاف التشغيلية، بدأ القطاع العام يتفكّك ويصبح معطّلاً في غالبية أيام العمل الأسبوعية، ومن صلب هذا القطاع هناك الإدارة الضريبية التي تُعدّ القناة الأساسية لتدفق الأموال من المكلفين إلى الخزينة. إذاً، النظام الضريبي الذي كانت سياساته تخدم مصالح فئات محدّدة، أصبحت قنوات عمله معطّلة أيضاً بسبب تفكّك القطاع العام.
المنتدى خُصّص لإطلاق نتائج دراسة بعنوان «نحو نظام ضريبي أكثر عدالة في لبنان: بين الإصلاح وإعادة الابتكار»، ومناقشتها، ووضع توصيات لرسم خريطة طريق نحو إستراتيجية تهدف إلى تعزيز العلاقة بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص للدفع قدماً نحو إجراءات إصلاحية في النظام الضريبي. الدراسة أعادت التذكير بما هو معروف لجهة أن «دخل 10% من السكان أكبر بخمسة أضعاف من دخل 50% من المواطنين الفقراء»، وأن النظام الضريبي يكافئ أصحاب الثروات بتغييب الضرائب المباشرة والتصاعدية، ومحاباة المصارف، ويعاقب الفقراء بالضرائب غير المباشرة التي تأكل من مداخيلهم. وتنطلق الدراسة من هذا التوصيف للإشارة إلى تداعيات الأزمة التي ألقت بثقلها على القوّة الشرائية للمقيمين في لبنان وأدّت إلى ارتفاع في معدلات الفقر المتعدّد الأبعاد لتبلغ 80% وارتفاع في معدلات البطالة يتجاوز 30% بينما أصبحت نسبة القوة العاملة المشاركة في الاقتصاد 43%.
هذا الجزء من الدراسة هو اختصار للكثير من الدراسات السابقة لكل من شربل نحاس وليديا أسود وألان بيفاني وغيرهم الكثيرين من الذين تكوّنت لديهم قناعة بأن هذا النظام مصمّم لحماية مصالح شرائح وتبديتها على مصالح الشرائح الأخرى التي ستسخّر قوّة عملها لتمويل رفاهية الآخرين. والأزمة لم تغيّر في هذه السياسة بل على العكس عزّزت هذا الاختلال البنيوي ووسّعت الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين شرائح المجتمع. وهذا تحديداً ما تشير إليه الدراسة عندما تتحدّث عن ضعف في الإيرادات الضريبية. فهذه الإيرادات التي تقلّصت قيمتها بسبب انهيار قيمة الليرة مقابل الدولار، لم تعد تغطّي الحدّ الأدنى من الأكلاف التشغيلية للدولة، وبالتالي فإن فرص استخدام جزء منها في الاستثمار الحكومي انعدمت بالكامل لتصبح الموازنات تقشّفية وتكرّس سوء توزيع الثروة بدلاً من إعادة توزيعها.
إلى جانب ذلك، ظهرت في المنتدى مسألة في غاية الأهمية؛ إذ لم يكن يُنظر في السابق إلى الإدارة العامة بوصفها أداة تنفيذية قابلة للتعطّل الجماعي، بعكس ما حصل بعد الانهيار النقدي. فقد كانت رواتب القطاع العام موضع شكوى دائمة من أصحاب الرساميل، إنما بعد انهيار قيمتها بسبب الأزمة، أصبحت مقبولة منهم، بينما يراها العاملون في القطاع العام غير ذات قيمة نهائياً. لذا، لجأت الغالبية العاملة في القطاع العام إلى التعطيل وحصر ساعات العمل بأربع أو خمس ساعات أسبوعياً فقط. هكذا تعطّلت الإدارة الضريبية. ووزارة المال بدأت تشكو من أنها ليست قادرة على تحصيل الإيرادات الضريبية التي تُعدّ المورد الأول لتمويل الدولة. بهذا المعنى، التمويل هو أولاً للأكلاف التشغيلية من رواتب وأجور وتقديمات مرض وأمومة وتعويضات عائلية، ثمن حبر وورق وصيانة أجهزة الكمبيوتر ورخص استعمال البرامج وكلفة استخدام السيارات والتنظيف... اللائحة طويلة، إنما بات واضحاً أن العاملين في القطاع العام، ولا سيما أصحاب الكفاءات من ذوي الخبرات الكبيرة في مجال الكمبيوتر والبرمجة والضريبة وغيرها، تركوا العمل بشكل نهائي وانتقلوا نحو القطاع الخاص أو الهجرة. ففقدت الدولة أحد أغلى استثماراتها البشرية من دون أن تحرّك ساكناً.
بالفعل، كان هناك إجماع على أن استدامة النظام الضرائبي في خطر، إذ إن الجهاز الإداري (وزارة المالية) المولج بجباية واحتساب وتطوير الضرائب يتهاوى تحت وطأة الأزمة الاقتصادية. وكان لافتاً للنظر الإجماع على أهميّة وجود قطاع عام فعّال لتحسين جباية الضرائب وتطويرها كماً ونوعاً. ففي إحدى جلسات المنتدى قالها المدير العام للمالية جورج معرّاوي: «من دون القدرة التقنية والبشرية لا يمكن أن نستمر، أو أن ننفذ الإصلاحات المطلوبة دولياً». وأضاف: «إعادة النظر في الرواتب ليست مسؤولية وزارة المالية، بل مجلس الوزراء، والأخير أقرّ الزيادات تحت مسمى المساعدات الاجتماعية والتي لا تُعدّ تعديلاً على الراتب». في المقابل، أضاف معراوي بـ«أنّنا عاجزون عن الطلب من الموظف تقديم ساعات عمل إضافية، أو إرسال مراقبي الضرائب في مهام عملية على الأرض، فمداخليهم لا تكفي طعاماً وشراباً».
إزاء هذا المشهد، خسرت الدولة أهم مواردها، إذ تعتمد الحكومة في تمويل أنشطتها على الضرائب بنسبة تراوح بين 69% و83%، ما يشكّل خطراً كبيراً على مداخيل الدولة، ويهدّد بشلّ أنشطتها. وخلال الأزمة الاقتصادية الحالية، وبسبب تهاوي سعر الصرف زادت كلفة عدم كفاية التحصيل الضريبي، وقدّر صندوق النقد الدولي قيمة الخسائر الناجمة عن سوء التقييم الجمركي (تعديل الدولار الجمركي) وحدها بـ4.8% من الناتج المحلي، كما ساهمت الدولة في زيادة خسائرها، إذ تأخّرت كثيراً قبل تعديل سعر احتساب الضرائب على سعر منصة صيرفة، بعد أن بقيت لوقت غير قصير معتمدةً على سعر الصرف الرسمي 1500. ففي لبنان، «يدفع الفقير والغني الضريبة ذاتها على استهلاك البنزين التي لم تتغيّر منذ سنوات، ولا تزال تساوي ألف ليرة على كلّ ليتر بنزين، في الوقت الذي يناهز فيه الليتر الواحد 90 ألفاً»، بحسب معرّاوي.
وأشار معرّاوي إلى أنّ «إعادة الاحتساب الأخيرة أدّت إلى خفض العجز في موازنة عام 2024 حتى 6%، ولا سيّما بعد انخفاض النفقات التشغيلية أيضاً». وحول القاعدة الضريبية (عدد المكلّفين)، رأى «أنّها توسّعت إلى حدّ ما»، وفي مسح أجرته وزارة المالية شمل 17 ألف مكلّف، وجدت فيه أنّ 30% لا يدفعون ضريبة الدخل، و60% لا يدفعون الضريبة على القيمة المضافة.
خلصت «مراجعة تشخيصية للنظام الضريبي اللبناني» قامت بها جمعية «Financially wise»، بالتعاون مع وزارة المالية، إلى «فرادة الحالة اللبنانية بسبب تعقيد مكوّنات الدولة الاقتصادية». وأكّدت المراجعة أنّ النظام الضريبي اللبناني ليس عادلاً، يفرّط بالاعتماد على الضرائب غير المباشرة، ويبتعد عن التصاعدية، والضريبة المباشرة. واقترح معدّو التقرير العمل على محورَين لـ«تعزيز العدالة والفعالية الضرائبية»؛ الأول طويل الأجل يهدف إلى خلق نظام ضريبي «أكثر تصاعدية» يتّجه نحو «الضرائب الموحّدة، وضريبة الثروة والضرائب المخصّصة». أما الثاني، فهو قصير الأجل، يسعى إلى تنفيذ تدابير تصحيحية تحسّن الإيرادات وتوحّد الإجراءات وتعزّز مشاركة المواطنين. من خصائص النظام الضريبي في لبنان أن هناك «ثغرات في التصميم التصاعدي للضرائب، ومعاملات تفضيلية مثل التنزيلات والإعفاءات المصممة لمصلحة قطاعات محدّدة على حساب أخرى». الإيراد الضرائبي الرئيسي، أي الضريبة على القيمة المضافة تعدّ ضريبة تنازلية، والتعديلات التي أدخلت على ضريبة الدخل أدّت إلى تراجع أثرها التصاعدي. من جهة ثانية، خففت الأزمة الاقتصادية من أثر تصاعدية الضريبة على هزالتها بسبب انخفاض قيمة العملة الوطنية وتعدّد أسعار الصرف. ومن جهة أخرى، فإنّ غير المقيمين لا يخضعون للضريبة التصاعدية، ورسم الانتقال يتعرّض لتهرّب ممنهج.
حذّر التقرير الذي صدر بعنوان «نحو نظام ضريبي أكثر عدالة في لبنان: بين الإصلاح وإعادة الابتكار» من النقص الكبير في الكادر البشري الذي ستواجهه الإدارة الضريبية على المدى المتوسط، فـ«الموظفون الماهرون يغادرون إلى أماكن أخرى». ووصف هذه الهجرة بـ«استنزاف المواهب المدرّبة على مرّ سنين»، ما سيؤدّي إلى إضعاف قدرة الإدارة على العمل بانتظام أو القيام بأيّ إصلاحات
المنتدى خُصّص لإطلاق نتائج دراسة بعنوان «نحو نظام ضريبي أكثر عدالة في لبنان: بين الإصلاح وإعادة الابتكار»، ومناقشتها، ووضع توصيات لرسم خريطة طريق نحو إستراتيجية تهدف إلى تعزيز العلاقة بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص للدفع قدماً نحو إجراءات إصلاحية في النظام الضريبي. الدراسة أعادت التذكير بما هو معروف لجهة أن «دخل 10% من السكان أكبر بخمسة أضعاف من دخل 50% من المواطنين الفقراء»، وأن النظام الضريبي يكافئ أصحاب الثروات بتغييب الضرائب المباشرة والتصاعدية، ومحاباة المصارف، ويعاقب الفقراء بالضرائب غير المباشرة التي تأكل من مداخيلهم. وتنطلق الدراسة من هذا التوصيف للإشارة إلى تداعيات الأزمة التي ألقت بثقلها على القوّة الشرائية للمقيمين في لبنان وأدّت إلى ارتفاع في معدلات الفقر المتعدّد الأبعاد لتبلغ 80% وارتفاع في معدلات البطالة يتجاوز 30% بينما أصبحت نسبة القوة العاملة المشاركة في الاقتصاد 43%.
هذا الجزء من الدراسة هو اختصار للكثير من الدراسات السابقة لكل من شربل نحاس وليديا أسود وألان بيفاني وغيرهم الكثيرين من الذين تكوّنت لديهم قناعة بأن هذا النظام مصمّم لحماية مصالح شرائح وتبديتها على مصالح الشرائح الأخرى التي ستسخّر قوّة عملها لتمويل رفاهية الآخرين. والأزمة لم تغيّر في هذه السياسة بل على العكس عزّزت هذا الاختلال البنيوي ووسّعت الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين شرائح المجتمع. وهذا تحديداً ما تشير إليه الدراسة عندما تتحدّث عن ضعف في الإيرادات الضريبية. فهذه الإيرادات التي تقلّصت قيمتها بسبب انهيار قيمة الليرة مقابل الدولار، لم تعد تغطّي الحدّ الأدنى من الأكلاف التشغيلية للدولة، وبالتالي فإن فرص استخدام جزء منها في الاستثمار الحكومي انعدمت بالكامل لتصبح الموازنات تقشّفية وتكرّس سوء توزيع الثروة بدلاً من إعادة توزيعها.
إلى جانب ذلك، ظهرت في المنتدى مسألة في غاية الأهمية؛ إذ لم يكن يُنظر في السابق إلى الإدارة العامة بوصفها أداة تنفيذية قابلة للتعطّل الجماعي، بعكس ما حصل بعد الانهيار النقدي. فقد كانت رواتب القطاع العام موضع شكوى دائمة من أصحاب الرساميل، إنما بعد انهيار قيمتها بسبب الأزمة، أصبحت مقبولة منهم، بينما يراها العاملون في القطاع العام غير ذات قيمة نهائياً. لذا، لجأت الغالبية العاملة في القطاع العام إلى التعطيل وحصر ساعات العمل بأربع أو خمس ساعات أسبوعياً فقط. هكذا تعطّلت الإدارة الضريبية. ووزارة المال بدأت تشكو من أنها ليست قادرة على تحصيل الإيرادات الضريبية التي تُعدّ المورد الأول لتمويل الدولة. بهذا المعنى، التمويل هو أولاً للأكلاف التشغيلية من رواتب وأجور وتقديمات مرض وأمومة وتعويضات عائلية، ثمن حبر وورق وصيانة أجهزة الكمبيوتر ورخص استعمال البرامج وكلفة استخدام السيارات والتنظيف... اللائحة طويلة، إنما بات واضحاً أن العاملين في القطاع العام، ولا سيما أصحاب الكفاءات من ذوي الخبرات الكبيرة في مجال الكمبيوتر والبرمجة والضريبة وغيرها، تركوا العمل بشكل نهائي وانتقلوا نحو القطاع الخاص أو الهجرة. ففقدت الدولة أحد أغلى استثماراتها البشرية من دون أن تحرّك ساكناً.
بالفعل، كان هناك إجماع على أن استدامة النظام الضرائبي في خطر، إذ إن الجهاز الإداري (وزارة المالية) المولج بجباية واحتساب وتطوير الضرائب يتهاوى تحت وطأة الأزمة الاقتصادية. وكان لافتاً للنظر الإجماع على أهميّة وجود قطاع عام فعّال لتحسين جباية الضرائب وتطويرها كماً ونوعاً. ففي إحدى جلسات المنتدى قالها المدير العام للمالية جورج معرّاوي: «من دون القدرة التقنية والبشرية لا يمكن أن نستمر، أو أن ننفذ الإصلاحات المطلوبة دولياً». وأضاف: «إعادة النظر في الرواتب ليست مسؤولية وزارة المالية، بل مجلس الوزراء، والأخير أقرّ الزيادات تحت مسمى المساعدات الاجتماعية والتي لا تُعدّ تعديلاً على الراتب». في المقابل، أضاف معراوي بـ«أنّنا عاجزون عن الطلب من الموظف تقديم ساعات عمل إضافية، أو إرسال مراقبي الضرائب في مهام عملية على الأرض، فمداخليهم لا تكفي طعاماً وشراباً».
إزاء هذا المشهد، خسرت الدولة أهم مواردها، إذ تعتمد الحكومة في تمويل أنشطتها على الضرائب بنسبة تراوح بين 69% و83%، ما يشكّل خطراً كبيراً على مداخيل الدولة، ويهدّد بشلّ أنشطتها. وخلال الأزمة الاقتصادية الحالية، وبسبب تهاوي سعر الصرف زادت كلفة عدم كفاية التحصيل الضريبي، وقدّر صندوق النقد الدولي قيمة الخسائر الناجمة عن سوء التقييم الجمركي (تعديل الدولار الجمركي) وحدها بـ4.8% من الناتج المحلي، كما ساهمت الدولة في زيادة خسائرها، إذ تأخّرت كثيراً قبل تعديل سعر احتساب الضرائب على سعر منصة صيرفة، بعد أن بقيت لوقت غير قصير معتمدةً على سعر الصرف الرسمي 1500. ففي لبنان، «يدفع الفقير والغني الضريبة ذاتها على استهلاك البنزين التي لم تتغيّر منذ سنوات، ولا تزال تساوي ألف ليرة على كلّ ليتر بنزين، في الوقت الذي يناهز فيه الليتر الواحد 90 ألفاً»، بحسب معرّاوي.
وأشار معرّاوي إلى أنّ «إعادة الاحتساب الأخيرة أدّت إلى خفض العجز في موازنة عام 2024 حتى 6%، ولا سيّما بعد انخفاض النفقات التشغيلية أيضاً». وحول القاعدة الضريبية (عدد المكلّفين)، رأى «أنّها توسّعت إلى حدّ ما»، وفي مسح أجرته وزارة المالية شمل 17 ألف مكلّف، وجدت فيه أنّ 30% لا يدفعون ضريبة الدخل، و60% لا يدفعون الضريبة على القيمة المضافة.
خلصت «مراجعة تشخيصية للنظام الضريبي اللبناني» قامت بها جمعية «Financially wise»، بالتعاون مع وزارة المالية، إلى «فرادة الحالة اللبنانية بسبب تعقيد مكوّنات الدولة الاقتصادية». وأكّدت المراجعة أنّ النظام الضريبي اللبناني ليس عادلاً، يفرّط بالاعتماد على الضرائب غير المباشرة، ويبتعد عن التصاعدية، والضريبة المباشرة. واقترح معدّو التقرير العمل على محورَين لـ«تعزيز العدالة والفعالية الضرائبية»؛ الأول طويل الأجل يهدف إلى خلق نظام ضريبي «أكثر تصاعدية» يتّجه نحو «الضرائب الموحّدة، وضريبة الثروة والضرائب المخصّصة». أما الثاني، فهو قصير الأجل، يسعى إلى تنفيذ تدابير تصحيحية تحسّن الإيرادات وتوحّد الإجراءات وتعزّز مشاركة المواطنين. من خصائص النظام الضريبي في لبنان أن هناك «ثغرات في التصميم التصاعدي للضرائب، ومعاملات تفضيلية مثل التنزيلات والإعفاءات المصممة لمصلحة قطاعات محدّدة على حساب أخرى». الإيراد الضرائبي الرئيسي، أي الضريبة على القيمة المضافة تعدّ ضريبة تنازلية، والتعديلات التي أدخلت على ضريبة الدخل أدّت إلى تراجع أثرها التصاعدي. من جهة ثانية، خففت الأزمة الاقتصادية من أثر تصاعدية الضريبة على هزالتها بسبب انخفاض قيمة العملة الوطنية وتعدّد أسعار الصرف. ومن جهة أخرى، فإنّ غير المقيمين لا يخضعون للضريبة التصاعدية، ورسم الانتقال يتعرّض لتهرّب ممنهج.
حذّر التقرير الذي صدر بعنوان «نحو نظام ضريبي أكثر عدالة في لبنان: بين الإصلاح وإعادة الابتكار» من النقص الكبير في الكادر البشري الذي ستواجهه الإدارة الضريبية على المدى المتوسط، فـ«الموظفون الماهرون يغادرون إلى أماكن أخرى». ووصف هذه الهجرة بـ«استنزاف المواهب المدرّبة على مرّ سنين»، ما سيؤدّي إلى إضعاف قدرة الإدارة على العمل بانتظام أو القيام بأيّ إصلاحات