إختر من الأقسام
آخر الأخبار
الأزمة الاقتصادية لم تُسكت طبلة المسحراتي في صيدا القديمة
 الأزمة الاقتصادية لم تُسكت طبلة المسحراتي في صيدا القديمة
المصدر : محمد دهشة - نداء الوطن
تاريخ النشر : الجمعة ٢٩ أذار ٢٠٢٤

تغيب زينة رمضان عن مدينة صيدا قسرا بخلاف السنوات الماضية، فالأزمة الاقتصادية الخانقة أطفأت أضواء الفوانيس والساحات والشوارع، حضرت خجولة في بعضها، ورمزية في البعض الآخر، رفعتها بلدية صيدا حينا و"جمعية تجار صيدا وضواحيها" حينا آخر، بينما غابت عن الجمعيات الأهلية والاجتماعية التي كانت تحرص على رفعها وقد استبدلتها بمساعدات اغاثية ومالية لتخفيف معاناة المواطنين في هذا الشهر الفضيل.




ولكن الأزمة الاقتصادية التي أطفأت أنوار الزينة، لم تسكت طبلة المسحراتي، بقيت تصدح في أحياء صيدا القديمة كتراث يلازم هذا الشهر الفضيل، وظل المسحراتي ضيفاً محبوباً ينتظره الكبار قبل الصغار، وهو يتنقل بين الحارات بدءاً من منتصف الليل وحتى ساعات الفجر الأولى، ينادي بصوته الجهور وبعبارته الشهيرة "إصحَ يا نايم.. وحّد الدايم.. رمضان كريم".



والمسحراتي الذي حافظ على بقائه وحضوره رغم الحداثة والتكنولوجيا ومنبهات الساعات وخلال أحلك الأوقات في زمن "كورونا" يمثل ذاكرة جماعية، فهو الأكثر رسوخاً في ذكريات الكبار والأكثر "شعبية" لدى الأطفال، اذ "يطيّر" النوم من أعينهم توقاً للقائه ورغبة برؤيته وهو يرتدي زيه الخاص "دشداشته" البيضاء ويعتمر قبعته الخضراء.. ويقرع على طبلته، داعيا الناس إلى السحور لأن فيه "البركة".



محمود فناس، مسحراتي في صيدا القديمة، ورث المهنة عن والده محمد فناس الذي رحل في العام 2018 وكان حينها آخر من تبقى من الرعيل الأول من المسحراتية في لبنان، يقول لـ "نداء الوطن" منذ خمس سنوات واقوم بهذه المهمة التي أعشقها، كنت أرافق والدي وهو يوقظ الناس للسحور، وعندما توفي واصلت مسيرته بتكليف من دار الافتاء وعلى ذات النهج من دون إدخال أي تحديث جديد"، قبل أن يضيف بفخر: "الناس يحبون المسحراتي على سجيته، يسير على قدميه بين الأحياء وداخل الحارات وسط الازقة، وبثيابه التقليدية، طبلة وسبحة وفانوس وصوت جهور قوي، يدعو الناس للسحور ويردد الاناشيد والتواشيح الدينية ويرفع الدعاء الى الله، ناشرا الأجواء الرمضانية رغم كل الضائقة المعيشية".



يؤكد فناس انه لا يشعر بالتعب من هذه المهمة التطوعية، لان فيها تقربا من الله، ويقول "لا أتقاضى أجراً مقابل دعوة الناس للسحور، ولكن الناس بطبيعتهم ووفق عاداتهم يقومون بإكرامي مع نهاية الشهر وخلال عيد الفطر المبارك، صحيح ان الضائقة المعيشية أثرت سلبا على العطاء، ولكنه ما زال موجودا وإن تراجعت الأعداد أو باتت المبالغ المالية أقل، لا ألوم أحداً وأدعو للجميع بالخير وأن يتقبل الله منهم العطاء والصيام والقيام".



ويعتبر فناس أن رمضان شهر الخير والعطاء، يقسم وقته بين محله لبيع الهدايا والالعاب داخل صيدا القديمة خلال النهار، ويقوم ثلاثة ايام بالأسبوع مع فرقته "بلابل الذاكرين" بتقيد عروض وموشحاتٍ في أحد مطاعم المدينة، ويختم يومه بمهمة التسحير التطوعي لينام بعد صلاة الفجر ويبدأ يوما جديدا"، ويؤكد ان الناس تريد ان تعيش بكرامة وراحة بال وترى أن شهر رمضان فرصة لمراجعة النفس ومناسبة لوصل ما انقطع"، قبل ان يؤكد "لقد تعلمت من والدي محبة الناس واحترامهم وهم يبادلوني الشيء نفسه، وما زلت أحتفظ بالكتب والدفاتر والأوراق التي خط عليها ما كان يردده من مدائح نبوية وأناشيد وأدعية أثناء تجوله مسحراً".



وفيما يباهي الصيداويون ان صيدا مدينة رمضانية وينظمون الانشطة المختلفة في رحابه، يؤكد فناس ان شهر رمضان والمسحراتي توأمان لا ينفصلان، طالما هناك شهر رمضان يبقى المسحراتي ملازم له مهما بلغت الحداثة لأن جو رمضان لا يكتمل الا بوجود المسحراتي.. وسيبقى نجمه مضيئاُ في ليالي رمضان يهلّ مع هلاله.. ويغيب مع في آخر لياليه!


عودة الى الصفحة الرئيسية