إختر من الأقسام
آخر الأخبار
بين 'كورونا' و جدري القرود.. هل نحن في أتون حرب بيولوجية؟
بين 'كورونا' و جدري القرود.. هل نحن في أتون حرب بيولوجية؟
تاريخ النشر : الخميس ١٨ أيار ٢٠٢٤

ما إن بدأ العالم يتعافى من آثار جائحة "كورونا"، أو لنقل يتعايش معها، وهي التي شلت أركانه على فترات من العامين الماضيين، وراح ضحيتها ملايين البشر، حتى ظهرت لنا بوادر جائحة جديدة تعرف باسم "جدري القرود".

لقد سهل التطور التكنولوجي تصميم مسببات الأمراض حسب الطلب، لتحقيق أقصى قدر من الانتشار. ويقول خبراء الأمن البيولوجي والصحة العامة إن "كوفيد-19" ومتغيراته أظهرت مدى انكشاف الدول على الحرب البيولوجية.

"كان كوفيد بمثابة دعوة للاستيقاظ"، هذا ما قاله جيمس جيوردانو، المدير التنفيذي لمعهد أبحاث الدفاع البيولوجي وأستاذ علم الأعصاب في جامعة جورج تاون في واشنطن، وهو يدرس كيف يمكن تسليح تكنولوجيات العلوم البيولوجية.. ويضيف: "ما أظهره كوفيد حقاً هو عدم استعداد البشرية لتهديد بيولوجي، سواء كان يحدث بشكل طبيعي أو من صنع الإنسان، أو مزيج من الاثنين معاً"، حسبما ذكرت "البيان" الاماراتية.

في الولايات المتحدة، تسببت الاستجابة المختلطة لكوفيد-19 في خروج الوباء عن السيطرة في كل موجة واحدة. وقتل نحو مليون أمريكي بسبب الفيروس، وهو معدل وفيات أعلى بكثير من تلك التي شهدتها الدول الغنية الأخرى.

من جهتها، اتبعت الصين – وهي منافس اقتصادي للولايات المتحدة ولها علاقات وثيقة مع روسيا – استراتيجية عدم التسامح مطلقاً مع أي بؤر "كوفيد" مهما صغرت، حيث لجأت الحكومة إلى فرض عمليات إغلاق صارمة سريعة.. ورغم أنه نهج يراه بعض المراقبين وحشياً، إلا أن الصين تجادل بأنه ناجح، فمن بين 1.4 مليار نسمة، أبلغت الصين عن أقل من 14000 حالة وفاة. بينما فقدت كندا، التي يبلغ عدد سكانها 38 مليون نسمة، أكثر من 38 ألف شخص بسبب فيروس كورونا.

كما فرضت الولايات المتحدة وكندا عمليات إغلاق، لكن انعدام الثقة في الحكومة والعلوم والمعلومات المضللة المتفشية دفعت جيوباً صغيرة من السكان إلى مقاومة الإجراءات بصوت عال.

وقال جيوردانو: "منافسونا القريبون من الأقران والخصوم المحتملون يراقبون.. لقد أظهر كوفيد تأثيراً مدمراً جماعياً. وإضافة إلى الدمار الذي لحق بالحياة البشرية فيما يتعلق بالوفيات، فإن التأثير التخريبي على البنية التحتية والاقتصادات والاستقرار، وحتى الامتداد السياسي فيما يتعلق بالنزاهة الاجتماعية، كان ساحقا".

خطر محدق

وقال جيوردانو إنه يعتقد أن هناك "خطراً بنسبة 100% تقريباً" من جيل جديد من الأسلحة البيولوجية يتم نشرها في مكان ما في العالم "خلال السنوات الخمس المقبلة".

من جهته يبدو المتخصص في الأسلحة البيولوجية دان كاسيتا، أقل تشاؤماً، حيث يصف التهديد بأنه "منخفض ولكن لا يستهان به". وقال إنه لا يوجد حافز حقيقي لدولة قومية لإطلاق جائحة لأن هناك خطراً كبيراً من انتشار الفيروس مرة أخرى إلى البلد الذي أطلقه.

وأضاف كاسيتا: "تحقيق وباء عالمي مستعر لا يستطيع أحد السيطرة عليه فكرة عدمية.. إن قوس التكنولوجيا العسكرية بأكمله هو نحو الفتك الدقيق، وليس الفتك العشوائي".

لكن كاسيتا وجيوردانو يتفقان على أن التكنولوجيا اللازمة لتسليح مسببات الأمراض لم تعد تتطلب مرافق مختبرية ضخمة ومئات العلماء.

تحرير الجينات
الشاغل الكبير هو تكنولوجيا تحرير الجينات، حيث يمكن لأي شخص تلقى تعليمه الجامعي مع وجود الوسائل اللازمة، تعديل الكائنات الحية الموجودة أو صنع كائنات حية جديدة شديدة العدوى. ويشير جيوردانو إلى تقنية كريسبر، وهي تقنية لتحرير الجينات متاحة عبر الإنترنت بأقل من 300 دولار. وحذر مشروع الأمن الأمريكي من أن هذه التكنولوجيا "يمكن أن تشكل خطراً على البشرية".

وتستخدم كريسبر في أبحاث السرطان، وتسمح للباحثين بتغيير الكائنات الحية على المستوى الجيني عن طريق أخذ الحمض النووي من واحد ونقله إلى آخر.

ديفيد جيسلسون، عالم الأمراض وعلم الوراثة في جامعة لوند في السويد، قال إن الشيء المثير للقلق في هذه التكنولوجيا هو أنه يمكن استخدامها من قبل أي شخص تقريباً، في أي مكان - ولا يجب أن تكون النتائج متطورة لتكون بمثابة سلاح إرهابي.

إرهاب بيولوجي

في أبريل 2020، بعد وقت قصير من تفشي الوباء، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن الإرهابيين البيولوجيين يمكن أن يستلهموا من تأثير الوباء.

والأمثلة الواقعية للإرهاب البيولوجي نادرة.. نذكر منها الجمرة الخبيثة - وهو مرض معد نادر - الذي وصل إلى بعض السياسيين والإعلاميين بعد أحداث 11 سبتمبر وراح ضحيته خمسة أشخاص وأصيب 17 آخرين.

وفي عام 1993، حاولت طائفة يابانية تدعى "أوم شينريكيو" قتل الآلاف عن طريق رش الجمرة الخبيثة من على سطح منزل في كاميدو، ولكن لم يكن لها أي تأثير واضح.

الأنظار على روسيا
في خضم عمليتها العسكرية في أوكرانيا، أشار البعض إلى أن روسيا تستعد لاستخدام أسلحة بيولوجية وربما تكون قد نشرت بالفعل أسلحة كيميائية، حيث تحقق الولايات المتحدة وبريطانيا في تقرير يفيد بأن القوات الروسية أسقطت مادة سامة على مدينة ماريوبول المحاصرة، ما تسبب في فشل في الجهاز التنفسي لدى الضحايا.
وتشمل الأسلحة الكيميائية مواد كيميائية سامة تخنق ضحاياها أو تحرقهم على الفور. الأسلحة البيولوجية هي فيروسات أو بكتيريا أبطأ في الحركة، ونتيجة لذلك، يصعب اكتشافها واحتواؤها.
وحذر البيت الأبيض من أن روسيا ربما تخلق ذريعة لهجوم بالأسلحة البيولوجية.

وفي فبراير اتهمت موسكو الولايات المتحدة بإخفاء مختبرات أسلحة بيولوجية في أوكرانيا تحتوي على مسببات أمراض قاتلة مثل الجمرة الخبيثة والطاعون.. ودعمت الصين هذا الاتهام بعد فترة وجيزة.

معاهدة ضعيفة

وقعت 130 دولة على اتفاقية الأسلحة البيولوجية (BWC) وهي معاهدة عالمية ملزمة قانوناً، سارية المفعول منذ عام 1975. تحظر استحداث الأسلحة البيولوجية أو استخدامها.. لكن النقاد يجادلون بأن لديها عيوباً كبيرة.

ويرون أن المعاهدة بحاجة إلى بروتوكول تحقق على غرار معاهدات الأسلحة النووية والكيميائية، وهي طريقة لتأكيد امتثال الدول. ولا تملك اتفاقية الأسلحة البيولوجية الوسائل أو السلطة اللازمة للتحقيق في أي تهديد.

تبقى التسؤلات مطروحة، وهي هل ما يحدث من أمراض وأوبئة طبيعي، أم أن ظهور فيروسات جديدة لم نكن نسمع عنها بأعراض خطيرة جديدة هو فعلاً حرب بيولوجية للقضاء على جزء من البشر؟ بين هذه الآراء وما يحدث على أرض الواقع، لابد للإنسانية من التنبه إلى هذه التهديدات التي تحدق بالجنس البشري عموماً، نتيجة أهواء عابثة أو أطماع ضيقة.


عودة الى الصفحة الرئيسية