العالم أمام منعطفٍ تاريخيّ... أين لبنان منه؟

تخيّل أنّه لن تكون هناك أموال بين يديك بعد الآن... قد يأتي يوم تصبح فيه مداخيلك ومشترياتك مراقبة، بل وربما هناك من يمكنه التحكّم بها. هذا ليس طرحاً خياليًّا، بل واقعاً يقترب بخطوات متسارعة مع دخول العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) حيّز التنفيذ في عدد من الدول، وسط سباق عالمي لإعادة تشكيل مستقبل المال. فماذا يعني ذلك؟
في وقت لا تزال فيه العملات المشفّرة التقليدية مثل "بتكوين" تثير جدلاً بين الحكومات والمستثمرين، تتجه البنوك المركزية إلى بديل أكثر تنظيماً هو عملات رقمية سيادية تصدرها مباشرة وتخضع لإشرافها.
وفق بيانات Atlantic Council، فإن أكثر من 134 دولة تدرس حاليًّا إطلاق عملاتها الرقمية، مقارنة بـ 35 دولة فقط في عام 2020، من بينها 39 دولة دخلت في مرحلة التجارب، فيما 11 دولة أطلقت عملتها رسميًّا.
تتصدّر الصين المشهد بعملتها الرقمية (e-CNY) التي تجاوزت تعاملاتها 986 مليار دولار العام 2024، مع أكثر من 800 مليون محفظة نشطة، لتصبح النموذج الأكثر تقدماً.
دخلت الهند أيضاً السباق عبر مشروع الروبية الرقمية الذي سجّل أكثر من 122 مليون دولار من التعاملات ومليون مستخدم نشط، في حين يسير الاتحاد الأوروبي نحو إطلاق اليورو الرقمي بين 2025 و2026.
اعتمدت روسيا بدورها الروبل الرقمي منذ 2023. وفي الشرق الأوسط، تتقدم الإمارات عبر مشروع mBridge للمدفوعات العابرة للحدود، بينما تعمل السعودية على تطوير نسختها الرقمية ضمن استراتيجيتها المالية المستقبلية.
لكن هذا الاندفاع نحو العملات الرقمية للبنوك المركزية لا يخلو من تحديات ومخاوف كبيرة متعلقة بالحرية الفردية. إذ أنّ الاعتماد الكامل على عملات رقمية صادرة عن البنوك المركزية قد يعني مراقبة دقيقة لمداخيل كل شخص ومشترياته، وربما التحكّم بها في ظروف معينة.
أين لبنان من ذلك كلّه؟
لبنان للأسف بعيد عن "الطفرة" التي شهدها العالم في ما يخصّ العملات الرقمية المشفرة والذكاء الاصطناعي، يقول الخبير الاقتصادي نديم السبع لموقع mtv، بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والنقدية التي عاشتها البلاد. ويُضيف السبع: "الأزمة الاقتصادية هي التي أدّت إلى عودتنا إلى الوراء، وتحوّلنا من الرقمنة إلى اقتصاد الكاش. ولكن نأمل أن يستعيد القطاع مكانته لإعادة وضع لبنان على السكة الصحيحة مع باقي الدول".
وفي السياق، يُتابع قائلاً: "نأمل خيراً بالعهد الجديد والحاكم الجديد ووزير المال، أن نتمكن من إجراء نقلة نوعية في هذا الخصوص وأن تتمكن الدولة من إصدار عملة رقمية".
الرقمنة أمر أساسي ولا يمكن الاستمرار في النظام القديم إذاً. هنا يشدد السبع على أنّه "لذلك تحاول معظم الدول التوجه نحو رقمنة المشهد بأكمله وهي تحاول الانتقال من هذا النظام الـ"معفّن" إلى نظام رقمي لامركزي والتخفيف من الأموال المطبوعة".
العالم أمام منعطف تاريخي والعملات الرقمية السياديّة قد تعيد صياغة مفهوم المال