اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

إسرائيل تستهدف تاريخ «حزب الله» وتغفل حاضره.. هكذا تم تفكيك الوحدة 910

صيدا اون لاين

وصلت إسرائيل في حربها مع «حزب الله»، والتي تحظى بدعم أميركي غير محدود، إلى حد اعتبار كل عضو أو قائد في الحزب، وبغض النظر عن رتبته أو دوره العملياتي الحالي، هدفاً مشروعاً للاغتيال في ظل قراره (الحزب) المدروس بتجنب المواجهة العلنية.
هذا التحول في قواعد الاشتباك الإسرائيلية يُجبر «حزب الله» على العودة إلى الظل واعتماد أنماط حياة متواضعة، وصمت عملياتي صارم، وتركيز متجدد على الأهداف اللبنانية المحلية مستقبلاً. ولم يعد كما كان في السابق مقاومة واثقة تفصح عن الكثير مما تمتلكه.
من وجهة نظر إسرائيل، مازالت أي شخصية من «حزب الله» - سابقة أو حالية - هدفاً مشروعاً، خصوصاً أولئك الذين تعهدوا يوماً بمقاتلة إسرائيل والصلاة في القدس، رغم تزايد التكهنات بأن الحزب ربما تراجع بهدوء عن هذه العقيدة الأوسع.
ويبدو أن تركيز «حزب الله» العملياتي يقتصر الآن على الاحتفاظ بحق تحرير الأراضي اللبنانية التي تحتلها إسرائيل، وهو موقف متجذر في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تضمن حق الدفاع عن النفس، وكذلك في العديد من قرارات الأمم المتحدة التي تؤكد حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، سواء بموافقة صريحة من الدولة أو من دونها. 
لم يكن مقتل القائد السابق في «حزب الله» حسن بدير، ضربة دقيقة ضد تهديد نشط، هو الذي كان يوماً ما لاعباً في عمليات الحزب الخارجية في إطار الوحدة 910 وليس في الوحدة 3900 كما ادعت إسرائيل في سياق ترويجها بأن العملية هي ضربة ضد مؤامرة حركة «حماس» و«حزب الله» التي تطول طائرة مدنية إسرائيلية في قبرص، وأنها انكشفت تحت التدقيق.
القصة الحقيقية وراء اغتيال بدير لم تكن استباقاً لمؤامرة، بل استهدافاً إسرائيلياً للإرث. وبفعلها هذا، ربما تكون تل أبيب كشفت ما لا تعرفه أكثر مما تعرفه. فارتباط بدير بالوحدة 910 - وهي جناح العمليات الخارجية، مسألة قديمة لان هذا الجناح فُكك بعد خرق أمني هائل عام 2014، وتالياً فإن الوحدة 910 لم تعد موجودة الآن.
خرق هائل عبر عميل «مرموق»
تم تفكيك الوحدة 910 بهدوء عام 2014، وهي أكثر أجهزة «حزب الله» سريةً. لم يكن الانهيار نتيجة معركة، بل بسبب خيانة كُشفت على إثرها هوية عدد من العملاء والمخابئ الخارجية.
وتبين ان محمد شوربة، أحد كبار قادة الوحدة، والرجل المكلّف بأهم أسرار استخبارات «حزب الله» الخارجية، يعمل لمصلحة "الموساد" الإسرائيلي. وقد أحدث كشفه صدمةً في صفوف التنظيم، ونسف سنواتٍ من الاستثمار الحذر في الخارج.
وحكاية شوربة بدأت مع الشكوك برحلةٍ بدت روتينية إلى تركيا قبل أن تتلقى أجهزة مكافحة التجسس التابعة للحزب، تنبيهاً من أجهزة استخبارات إقليمية موثوقة نقل إلى نظرائها الإيرانيين بأن "الموساد" التقى بعميل كبير لـ«حزب الله» في إسطنبول، من دون لا اسم، ولا أي تفاصيل... مجرد إنذار.
في بيروت، كثّف الأمن الوقائي للحزب تحرياته. أُعيدت مراجعة الأنماط، وتم تحليل سجلات السفر، ومسح الاتصالات بصمت. ضاق نطاق الشبهة. وظهرت ثلاثة أسماء، من بينها شوربة. ما تلا ذلك لم يكن مواجهة، بل خدعة مُحكمة عبر فخّ نُفّذ بصبرٍ لا يتقنه إلا ضباط مكافحة التجسس المخضرمين.
تم اختيار الرجال الثلاثة لما بدا أنه برنامج تدريبي روتيني في إيران. كانت الدعوة بريئة، لكن توقيتها جرى تقديمه قليلاً لخدمة الغرض الأمني.
لم تكن الخدعة موجّهة للمتهمين فقط بل أيضاً للموساد لأن الرسالة ستصل إلى تل أبيب بأن الأمور تسير كالمعتاد. كان الحفاظ على هذا الوهم أمراً حاسماً.
لم يُرد «حزب الله» أن يدرك "الموساد" أن عميله قد كُشف أمره. كان لا بد من كسب الوقت لإعادة كل العملاء المحتمل كشفهم، وإغلاق العمليات بهدوء وتقليل الخسائر واحتواء الضرر قبل الإعلان عنه.
داخل زنازين «حزب الله» لمكافحة الإرهاب، تم عزل الرجال الثلاثة. وبدأت التحقيقات بهدوء، ولكن بلا هوادة. لم يكن الحزب يعرف بعد حجم التسريبات التي وقعت. في غرف جناح مكافحة التجسس الخالية من النوافذ، بدأ قناع شوربة في الانهيار، ولم يُثبت من العملاء سوى واحد.
لم ينهرْ شوربة بالكامل. اعتقد المحققون أنه تلقى تدريباً خاصاً لهذا اليوم. لم يُظهر مقاومةً بتحدٍّ، بل بانضباطٍ بارد. حتى تحت الضغط النفسي، أخفى أجزاءً مما قدّمه للموساد. حلّ الصمت محل الأسماء، والغموض محل التفاصيل. ما لم يكشفه ربما كان ضاراً بقدر ما أفصح عنه.
وسُجن شوربة في زنزانة محصّنة تحت الأرض، معزولًا عن العالم وبقي هناك لعقدٍ كامل حتى أواخر عام 2024، حين استهدفت غارة جوية إسرائيلية الموقع - السجن. فقُتل في زنزانته، مدفوناً تحت أنقاض الوحدة التي ساعد في كشفها.
خيانته دمّرت ذراع «حزب الله» الخارجي الأكثر حساسية. كان الضرر لا يمكن إصلاحه. وبناءً عليه، أمر الأمين العام آنذاك السيد حسن نصر الله، بتفكيك الوحدة بالكامل بعدما خلص الحزب إلى أن العمليات الخارجية، بصيغتها القديمة، لم تعد قابلة للاستمرار ضمن إستراتيجيته.
وفي السياق عينه تم إعفاء طلال حمية، القائد التاريخي للوحدة وأحد أبرز مَنْ تبقّى من الحرس القديم، من أي مهام عملياتية. احتفظ بدورٍ رمزي في مجلس الشورى، لكن جُرّد من أي مسؤولية عسكرية.
ومنذ ذلك الحين، لم يُعد تفعيل أي عنصر من عناصر الوحدة 910 في مهام مشابهة.
«حزب الله» ومكافحة التجسس
يُعد تاريخ تفكيك الوحدة 910 مفتاحاً لفهم التقدير الإسرائيلي وراء اغتيال بدير. فقد انتهت أهميته العملياتية منذ ما يقرب من عقد من الزمان.
لذلك، فإن استهدافه يوحي بأن تل أبيب تعمل أيضاً من خلال قائمة قتل قديمة، وأنها تكافح للتكيّف مع هيكل قيادة «حزب الله» المتجدد.
من هنا يُطرح السؤال: لماذا تُعطي المخابرات الإسرائيلية الأولوية لشخصية ليس لها دور حالي؟ هل كان ذلك مجرد تصفية أسماء من «بنك أهداف» قديم، أم أنه يشير إلى تقصير في التقييمات الإسرائيلية بعد استنزاف بنك المعلومات في الحرب الأخيرة؟
باستهداف بدير، بدا أن إسرائيل تسعى إلى تحقيق أهداف عدة. أولاً، كانت الضربة رمزية - رسالة إلى الحزب بأن الانتماءات السابقة مازالت تحمل عواقب وخيمة، وأن الأقدمية أو التقاعد لا يوفران أي حصانة. ثانياً، عكست فجوة استخباراتية. من دون الوصول إلى بيانات آنية عن قيادة «حزب الله» الحالية، قد تلجأ إسرائيل إلى أهداف تقليدية للحفاظ على وهم السيطرة العملياتية.
ثالثاً، كان الهجوم بمثابة حرب نفسية - تهدف إلى غرس الحذر. أخيراً، وفّرت العملية طريقة منخفضة المخاطر لإعادة تأكيد انتفاء الخطوط الحمراء.
يعكس رد «حزب الله»، أو عدمه، ضبط النفس المدروس. على الرغم من انتهاكات إسرائيل المستمرة لوقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وجاء وفق قرار مجلس الأمن رقم 1701، إلا أن الحزب قد تراجع إلى حد كبير ويركز على حماية السكان في جنوب لبنان، مع إعطاء الأولوية لسلامة المدنيين وإعادة الإعمار في نهاية المطاف.
من المرجح أن هذه الحسابات الإستراتيجية هي التي أثرت على قرارها بتأجيل الرد رغم ان الاغتيال يبرز مفارقة رئيسية، وهي ان إسرائيل تستطيع ضرب أهداف في عمق لبنان.
بدأ نمط الغارات الجوية يُشبه اليأس. فنظراً لعدم قدرتها على تحديد القيادة النشطة الحالية في «حزب الله»، تلجأ تل أبيب إلى أهداف وهمية - شخصيات اندثرت أهميتها العملياتية منذ فترة طويلة.
ورغم تفوقها التكنولوجي وعقود من المراقبة، يبدو أن إسرائيل غير قادرة على اختراق بروتوكولات الحزب الأمنية المُجددة.
وتُشير وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن هذا يُعزى جزئياً إلى تدابير «حزب الله» الجديدة القائمة على تقليل الاتصالات الإلكترونية، وتقسيم القيادة، والعمل داخل المناطق المدنية وتعديلات جذرية لإعادة ضبط التوازن التكتيكي السري.
بالنسبة إلى الحزب، يبقى التحدي قائماً في موازنة الردع مع البقاء على المدى الطويل. إن الرد غير المتناسب يُهدد بجرّ لبنان إلى حرب أوسع نطاقاً - وهي نتيجة لا يمكن للبلد المنكوب بالأزمات استيعابها. يبدو أن ضبط النفس الذي يتبناه «حزب الله» جزء من إستراتيجية أوسع للحفاظ على التماسك الداخلي والاستعداد. هذا لا يعني التخلي عن الردع، بل يُعاد ضبطه ليتناسب مع الواقع الراهن.
إلى ذلك الحين، تستمر حرب الاستخبارات والاستنزاف والضغط النفسي. وحتى الضربة التي تبدو ناجحة قد تحمل بذور سوء تقدير مستقبلي

تم نسخ الرابط