لبنان يدفع ثمن الاستيراد المفرط للغذاء: عجز بـ2.6 مليار دولار

صحيح أنه لا يمكن تحديد حجم الغذاء المستورد( منتجات حيوانية ونباتية) الذي يستهلكه اللبنانيون، مقارنة مع حجم ما يستهلكونه من إنتاج القطاع الزراعي اللبناني، إلا أن يمكن القول أن فاتورته مرتفعة جدا إستنادا إلى أرقام الجمارك اللبنانية عن العام 2024. إذ تُظهر أن لبنان إستورد منتجات حيوانية ونباتية وغذائية بقيمة 3 مليار و300 مليون دولار، بينما بلغت صادراته من هذه المنتجات 702 مليون دولار فقط، أي خُمس قيمة الواردات ما أدى إلى عجز تجاري قدره 2 مليار و600 مليون دولار، في حين أن مُجمل الصادرات اللبنانية من مختلف القطاعات هو 3 مليار دولار.
قراءة هذه الأرقام تعني بالنسبة للخبراء، أن زيادة الإعتماد على الغذاء المستورد تمثل تهديدا كبيرا للأمن الغذائي، وتعرض اللبنانيين لمخاطر تقلبات الأسعار عالميا وإضطرابات سلاسل التوريد، أي النقل عبر البحار كما حصل في البحر الأحمر منذ بدء العدوان الاسرائيلي على غزة. لذلك من المفيد البحث عن سبب إرتفاع فاتورة الإستيراد الغذائي في لبنان، هل بسبب الهدر في الموارد التي تنتجها الزراعة وفي التصنيع الزراعي والغذائي، أم أن العدوان الاسرائيلي على لبنان منذ العام 2023، والخسائر الفادحة التي لحقت بالقطاع الزراعي بالإضافة الى إقفال باب التصدير الى الخليج، كلها عوامل ساهمت في تراجع الانتاج والتصدير وزيادة فاتورة الاستيراد؟
بحسب المعنيين بالقطاع الغذائي في لبنان، جميع هذه العوامل تُسهم في زيادة عبء الإستيراد على جيوب اللبنانيين، والدليل هو تشديد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمام مستوردي ومصدري الخضار والفاكهة في لبنان أمس الاربعاء، على "أهمية القطاع الزراعي في نهضة الإقتصاد اللبناني"، مشيرا الى أن "الاتصالات مستمرة لتذليل العقبات أمام تصدير الخضار والفاكهة الى دول الخليج العربي".
هاني: فتح اسواق الخليج ستحسن أرقام التصدير
من جهته يشرح وزير الزراعة الدكتور نزار هاني لموقع "ليبانون ديبايت"، أن "جهودا حثيثة تُبذل لتقليص فاتورة الاستيراد الغذائي"، متمنيا أن "تُثمر المجهود الذي تجري على كل المستويات لفتح أسواق الخليج أمام الصادرات اللبنانية بكل أنواعها ومنها الصادرات الزراعية، لأن التصدير الى المملكة العربية السعودية لا يعني فقط الدخول الى السوق السعودي، بل أيضا فتح الطريق البرية على دول الخليج أمام الصادرات اللبنانية وهذا يعني تحسن في الأرقام".
يضيف:"لا يمكن القول أن لا مشكلة إنتاج في لبنان، لأن العدوان الإسرائيلي الأخير ترك تداعياته على كل القطاعات، ومنها القطع الزراعي والصناعي لموسمين (أواخر 2023 وطوال 2024 وحتى اليوم). وجزء من صادراتنا الزراعية والغذائية مرتبط بالمحاصيل الزراعية في الجنوب، وكل المناطق التي تضررت جراء الحرب وتنتج محاصيل زراعية، لا سيما على مستوى زيت الزيتون والفاكهة ولا سيما الافوكا والموز والحمضيات. ولا شك أن ضعف الإنتاج وعدم قدرة المزارعين على الوصول الى أراضيهم الزراعية، ترك أثرا سلبيا على الصادرات الزراعية اللبنانية".
يجزم هاني أنه "لا يمكن ان نستعيد عافيتنا سريعا ولكن سنبدأ بالتقدم، ونأمل خلال الموسم الزراعي المقبل أن ننفتح على أسواق الخليج ونُسجل فرقا كبيرا ونُضاعف نسبة التصدير الزراعي على الأقل مرتين".
ويختم:"حاليا نجري إتصالات مع كل الدول العربية، والجميع يُبدي إنفتاحا وعلى رأسهم المملكة الهاشمية الأردنية، التي تبدي إهتماما بإستيراد اللحوم أيضا بالإضافة الى المحاصيل الزراعية".
بونادر: الصناعات الغذائية في تقدم دائم بسبب جودتها
من جهته يعتبر رئيس نقابة أصحاب الصناعات الغذائي اللبنانية رامز بو نادر، أن "700 مليون دولار صادرات غذائية من لبنان إلى الخارج هو رقم جيد، إذا ما قارناه بما يحصل في الاقتصاد اللبناني من تطورات"، ويشرح لموقع "ليبانون ديبايت أنه "يجب إحتسابه من ضمن رقم التصدير العام والذي لم يتخط 3 مليار دولار، أي يشكل نسبة 21 بالمئة (الصادرات الغذائية) والتي كانت تشكل قبلا نحو 26 بالمئة من نسبة ما يصدره لبنان".
يضيف:"الصادرات بشكل عام تشمل صادرات غير مصنعة مثل تصدير الخردة، والتي تشكل رقم لا يستهان فيه ولكنها لا تصنع في لبنان وبالتالي لا تدخل قيمة مضافة على الإقتصاد. أما الصادرات الصناعية التي تُصنع في لبنان فهي تدخل قيمة مضافة على الاقتصاد، وللإيضاح أكثر إذا قُمنا ببيع صادرات صناعية بقيمة 100 دولار مثلا وكلفتها 75 دولار، فهذا يعني أنها تدخل قيمة مضافة قيمتها 25 دولار، بينما الخردة إذا تم تصديرها ب100 دولار مثلا فإن لا قيمة مضافة لها لأننا نعيد بيع الفضلات".
يعتبر بو نادر أن "أهمية الصادرات الصناعية هو كيف يرتد مفعولها وأثرها على التوظيف وعلى خلق القيم الإقتصادية، لأننا نخلق منتج من عدة مكونات ونزيد من قيمته السوقية ونُدخلها الى دورة الاقتصاد اللبناني"، مشددا على أن "الصناعات الغذائية هي من الصناعات التي تخلق قيمة مضافة للإقتصاد اللبناني، وأثبت هذا القطاع أنه ناشط وواعد، لأنه يشكل ما بين 20 و25 بالمئة من مجمل الصادرات ولأنه في تقدم دائم بسبب وجود الجالية اللبنانية في الخارج والتي يزيد عددها بشكل مضطرد، وهي متعلقة بالأكل اللبناني ولأن الاقبال الاجنبي على تذوق المطبخ اللبناني في الخارج يزداد أيضا بشكل كبير، مما يزيد من إستهلاك المواد الغذائية التي تصنع في لبنان والتي تمتاز بجودة أعلى مقارنة مع منتجات الدول العربية الاخرى".
ويتوقع بو نادر نأمل "إذا تم فتح الاسواق السعودية والخليجية أمام الصادرات اللبنانية، ولا سيما الصادرات الزراعية من المفروض أن تزيد تصديرها بين 50 و100 مليون دولار، صحيح أن العدوان الاسرائيلي أثّر سلبا على القطاع الزراعي في لبنان"، لافتا إلى أن "الصناعات الغذائية لا ترتكز بشكل كلي على الزراعات اللبنانية، لأنها تقوم على تحويل المواد الزراعية إلى مواد غذائية وقسم منها يُشترى من لبنان وقسم آخر مستورد ويتم تصنيعه، فيدخل قيمة مضافة على الاقتصاد بسبب طريقة وجودة التصنيع، والماركات اللبنانية وشهرتها التي هي أساس عند الترويج".