اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

تصعيد مكثّف بذريعة مبهمة... ماذا تريد إسرائيل من لبنان؟!

صيدا اون لاين

عندما أطلِقت الصواريخ الخمسة من لبنان يوم السبت، أبعِد "حزب الله" سريعًا عن دائرة الاتهام، ليس فقط لأنه لم يتبنَّ بصورة سريعة، كما يفعل عادةً، وكما فعل في المرّة الوحيدة التي ردّ فيها على الخروقات الإسرائيلية بعد اتفاق وقف إطلاق النار، وليس لأنّه أصدر بعد ذلك بيانًا نفى فيه بصورة رسمية أيّ علاقةٍ له بالصواريخ، ولكن لأنّ شكل العملية، كما نوع الأسلحة "البدائي"، لا يؤشّر إلى أيّ بصمات للحزب من قريب أو من بعيد.


رغم ذلك، لم تتعامل إسرائيل مع الصواريخ، التي لا تزال مجهولة الهوية، بعدما أحجمت كلّ الأطراف عن تبنّي المسؤولية عنها، كما كانت تفعل في مرحلة ما قبل "طوفان الأقصى"، حين كانت تكتفي بضرباتٍ موضعيّة، تنتهي سريعًا، بل اعتبرته "تصعيدًا خطيرًا"، وحمّلت الحكومة اللبنانية المسؤولية الكاملة عنها، لتباشر قصفًا عشوائيًا لمناطق عدّة، من دون تمييز بين جنوب وشمال الليطاني، مستعيدة نهج "ما قبل" وقف إطلاق النار.


وعلى الرغم من أنّ عملية إطلاق الصواريخ جاءت في سياقٍ لا ينتهي من الانتهاكات الإسرائيلية اليومية التي تبدو بلا أفق لاتفاق وقف إطلاق النار، فإنّ المفارقة المثيرة للانتباه كان أنّها عُدّت من قبل الجميع، من إسرائيل مرورًا بالمجتمع الدولي وصولاً حتى إلى الطبقة الرسمية اللبنانية، على أنّها "لعب بالنار"، وقد أدّت إلى استنفارٍ لا يُرصَد مثلاً مع الخروقات الإسرائيلية، التي باتت تمرّ بسلاسة، من دون بيانات إدانة أو شكاوى حتى.

ثمّة من يعزو الأمر إلى أنّ إسرائيل أرادت توجيه رسالة "نارية" للجميع في لبنان، تكرّس من خلالها "حرية الحركة" التي منحتها لنفسها بعد اتفاق وقف إطلاق النار، وثمّة من يعتبر أنّها وجدت في الصواريخ "ذريعة" لتكثيف هجماتها ضدّ لبنان، بالتوازي مع الحرب التي تشنّها على غزة، فهل تهدف من خلال ذلك إلى "التنبيه" من مغبّة أيّ تفكير بإشعال "جبهة الإسناد" مثلاً، أم أنّ المخطّط الإسرائيلي للضغط على لبنان له أبعاد أخرى، وربما أخطر؟!.
حتى الآن، لا يمكن الجزم إذا ما كانت عملية إطلاق الصواريخ "بريئة" فعلاً، بمعنى أنّ هناك من أراد أن "يسند" غزة، ولو معنويًا، مع بدء الجولة الثانية من الحرب الإسرائيلية الوحشيّة على القطاع، من دون أن يدرك التبعات التي يمكن أن تترتّب على لبنان، أو "مريبة"، باعتبار أنّ هناك من أراد "استدراج" لبنان مجدّدًا إلى الحرب، حتى لا تُترَك غزة وحدها في الميدان، ولو أنّ لا طاقة للبنان على تحمّل "فاتورة" القتال مرّة أخرى، وفي هذا التوقيت.

ثمّة من يضيف إلى هذين الاحتماليْن، احتمالاً ثالثًا، يعطي العملية بعدًا "خبيثًا"، يتمثّل في التسريبات والفرضيّات التي تمّ تداولها حول "طابور خامس"، يقف خلف عملية إطلاق الصواريخ، لا يُستبعَد أن يكون مرتبطًا بإسرائيل نفسها، ولا سيما أنّ ردّة فعل الأخيرة على ما حصل بدت "مضخّمة"، ولا سيما أنّ الصواريخ التي أطلقت كانت بدائية، وأنّها لو أصابت جميعها أهدافها، لما استطاعت إحداث أيّ ضرر في المستوطنات الإسرائيلية.

مع ذلك، فإنّ ما جرى "ثبّت" أكثر من معطى على مستوى الصراع اللبناني الإسرائيلي في هذه المرحلة، فهو من ناحية أولى، أجاب على كلّ التكهّنات التي سادت الأسبوع الماضي حول احتمالات اشتعال "جبهة الإسناد"، فأكّد للقاصي والداني ليس في هذا الوارد بالمُطلَق، وهو يعتبر أنّه أدّى قسطه للعلا تجاه غزة، ولا مصلحة له الآن بأيّ إسناد، وهو الذي لم ينهِ بعد مراجعته الداخلية لنتائج الحرب الأخيرة، وخير دليل على ذلك تمسّكه بخطاب "الصبر".
وإذا كان "حزب الله" كرّس وقوفه خلف الدولة وأجهزته في التصدّي للخروقات الإسرائيلي، بما في ذلك تصعيد السبت الذي بدا أشبه بيوم من الحرب، ولو من طرف واحد، فإنّ إسرائيل استغلّت الفرصة أيضًا لتوجيه رسالة واضحة للحزب ولغيره، بأنّ ما بعد الحرب الأخيرة ليس كما قبلها، وبالتالي أنّها لن تتساهل مع أيّ محاولة للتشويش عليها، تحت عنوان الإسناد أو غيره، بل أنّ لا مشكلة لديها في العودة إلى الحرب في لبنان، تمامًا كما فعلت في غزة.

لكن، أبعد من هذه الرسائل، وربما "الضمانات" التي تلقّتها إسرائيل، ثمّة من يتحدّث عن "أبعاد أوسع" للضغط الإسرائيلي المكثّف على لبنان، حيث يقول العارفون إنّ ذريعة التصعيد الإسرائيلي "المجنون"، تبدو واهية ومبهمة، ولا سيما في ظلّ غياب التوازن بين الفعل وردّ الفعل من حيث الشكل والحجم والتأثير، وقد أوحى وكأنّ إسرائيل كانت تنتظر أيّ تحرّك من الداخل اللبناني، من أجل أن تضرب بقوة، بعيدًا عن ضرباتها "المحدّدة" اليومية.

من هنا، ثمّة علامات استفهام تُطرَح عن الأهداف الحقيقية والفعليّة الكامنة خلف التصعيد الإسرائيلي، علمًا أنّ "حصرها" في خانة عدم إشعال "جبهة الإسناد" مرّة أخرى، لا يبدو مقنعًا لكثيرين، ممّن يرون أنّ إسرائيل حصلت على مبتغاها في هذا الإطار، وتيقّنت أنّ "حزب الله" لن يعيد الكرّة، وأنّه لا يريد الحرب ولا مصلحة له بها، بل إنّه بعكس ما كان يقول في المرّة السابقة، ليس جاهزًا لخوض الحرب، حتى إذا "فُرِضت" عليه.
لهذه الأسباب، ثمّة من يتحدّث عن دوافع "سياسية" تقف خلف الضغط الإسرائيلي، قد تجد ضالتها في الحديث المتصاعد عن "التطبيع" الذي يريد الإسرائيليون، ومعهم الأميركيون، الوصول إليه، رغم التضارب في السرديّات الإسرائيلية في هذا الإطار، بين من يقول إنّ التطبيع مطروح على الأجندة، وصولاً إلى حلّ كلّ الإشكالات مع لبنان في المرحلة المقبلة، ومن يقول إنّه غير مطروح أساسًا، وإنّ إسرائيل لا تسعى إليه، قبل القضاء على "حزب الله".

إلا أنّ الرأي الأول يتعزّز بالعديد من المؤشرات، بينها التسريبات الصحفية التي تمّ تداولها في الأيام الأخيرة عن طلب صريح تقدّمت به نائبة المبعوث الأميركي مورغان أورتاغوس إلى لبنان، بتشكيل لجان "مدنية"، وليس "عسكرية" فحسب، للتفاوض مع إسرائيل، حتى إنّ هناك من قالت إنّ "عملية ابتزاز" تحصل في هذا الإطار، بحيث أنّ رفض لبنان التجاوب مع مثل هذا الطلب، يعني توسيع مبدأ "حرية الحركة" الإسرائيلية، مع كل ما قد يترتب على ذلك.

وبانتظار أن تتّضح الصورة خلال جولة المبعوثة الأميركية في المنطقة، وإن لم يتأكّد بعد أنّها ستمرّ في لبنان، وهو الأمر المتروك بنتيجة المشاورات التي ستعقدها مع المسؤولين الإسرائيليين في تل أبيب، فإنّ الثابت أنّ الكثير من "المعادلات" تتغيّر، فإذا كان صحيحًا أنّ لبنان الرسميّ كما الشعبيّ، يتصدّى لفكرة التطبيع والسلام مع إسرائيل، فإنّ الصحيح أيضًا أنّ مثل هذه الأمور خرجت من دائرة "التابو"، لتُناقَش في العَلن للمرة الأولى، فهل يمضي المخطط حتى النهاية؟!.

تم نسخ الرابط