عودة تيار "المستقبل" للعمل السياسي والنيابي... سيعيد خلط الأوراق

أحدث إعلان رئيس حكومة لبنان الأسبق، رئيس تيار المستقبل، سعد الدين الحريري، عودة التيار الأزرق إلى العمل السياسي والمشاركة في كل الاستحقاقات المقبلة، لا سيما الانتخابات البلدية والاختيارية والنيابية، صدمة إيجابية في الشارع اللبناني عامة، والسُّني خاصة، ولا سيما في العاصمة بيروت، وصيدا، وطرابلس، والبقاع، بعد شعور متزايد بأن الطائفة السُّنية باتت ضعيفة ولا تأخذ مكانتها الطبيعية في المعادلة السياسية.
وتؤكد مصادر سياسية لـ"النشرة" أن حجم الحشود التي شاركت في إحياء الذكرى العشرين لاغتيال والده، رفيق الحريري، في 14 شباط 2005، في ساحة "الشهداء" في بيروت، أكّد على قوة حضوره في الساحة، رغم الغياب الذي دام أكثر من ثلاث سنوات، حين أعلن قرار تعليق العمل السياسي والنيابي قبيل الانتخابات النيابية في العام 2022، ومغادرته لبنان إلى مقر إقامته في الإمارات العربية المتحدة.
وتوضح المصادر أن قوة الحضور الشعبي هذا مرده أولًا إلى الوفاء للشهيد رفيق الحريري، الذي قدَّم الكثير من العطاءات من أجل لبنان من جهة، ولنجله سعد، الذي يُعتبر رمزًا للاعتدال والتضحية في سبيل مصلحة لبنان، بعيدًا عن الحسابات الضيقة أو الخلافات السياسية من جهة أخرى، ما جعله زعيمًا محبوبًا، قريبًا من هموم الناس ومشاكلها وأزماتها.
وتشير المصادر إلى أنّ الخطاب السياسي والمواقف التي أعلنها الحريري كرَّست نهجه السياسي المعتدل، لجهة تأكيده أن "مشروع رفيق الحريري مكمّل"، في إشارة إلى الانخراط مجددًا في الحياة السياسية، وخوض الاستحقاقات الوطنية والمحطات الانتخابية، بما سيعيد خلط الأوراق والتحالفات على الساحة اللبنانية، بعدما أفسح انكفاؤه السياسي وغيابه النيابي المجال لظهور نواب في التمثيل البرلماني السُّني، لم يكونوا موجودين من قبل.
ولاحظ المراقبون أن ثمّة مؤشرات سياسية وميدانية دلّت بوضوح على نيته العودة إلى استئناف عمله السياسي، وأولها الشعار الذي رفعه التيار الأزرق: "بالعشرين ع ساحتنا راجعين"، ناهيك عن اللافتات في الشوارع والساحات بخلفيةٍ بيضاء، تحمل صورةً والده الشهيد، وإلى جانبها تاريخ 14 شباط، ورسمٌ لنصف أرزةٍ باللون الأخضر يُكملها قلبٌ باللون الأحمر، وفوقهما كلمة "لبنان"، يرتفع فوقها رسمٌ لقلبٍ على شكل "بالون" مربوطٍ بخيط. وهي تحاكي ألوان العلم اللبناني، التي تتماهى برمزيتها مع محطات مسيرة الشهيد؛ الأبيضُ رمزًا للسلام الذي سعى لإرسائه لوطنه، والأخضرُ رمزًا لتجدُّد الحياة والأمل، والأحمرُ رمزًا للحبِّ والفداء اللذين جسَّدهما رفيق الحريري في حياته، وشهيدًا لأجل لبنان.
وثاني المؤشرات، المواقف التي أطلقها مسؤولو تيار "المستقبل"، ولا سيما الأمين العام للتيار، أحمد الحريري، الذي أكّد مرارًا قبيل الذكرى أن "كلمة سعد الحريري في 14 شباط ستؤسس لمرحلة جديدة، وسنعود فيها لنأخذ مكاننا الطبيعي في المعادلة الوطنية، وللمشاركة في انتخابات العام 2026".
وثالث المؤشرات، التغييرات السياسية والعسكرية التي حصلت في لبنان والمنطقة، لا سيما الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية، وعلى لبنان، وسقوط نظام بشار الأسد، وانتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون بعد فراغ دام أكثر من سنتين وشهرين، وتشكيل الحكومة برئاسة القاضي سلام نواف، وعودة لبنان إلى الحضن العربي، الذي يستدعي الانخراط في ورشة إعادة إقامة وإنعاش لبنان، والحفاظ على أمنه واستقراره.
ورابع المؤشرات، حرص تيار "المستقبل" على إنجاز كل التحضيرات لإحياء الذكرى، والقيام بجولات على المناطق اللبنانية لدعوة أبنائها للمشاركة الحاشدة، بالإضافة إلى عقد الاجتماعات واللقاءات. وقد عبّرت النائب السابق بهية الحريري عن أن "إحياء الذكرى لن يقتصر على 14 شباط، بل سيمتد على مدار العام... وأن تعليق سعد الحريري للعمل السياسي لا يعني ترك الشأن العام".
وخامس المؤشرات، ما كشفته الاستحقاقات الانتخابية، وتحديدًا انتخاب الرئيس عون، إذ بيّن أنه لا توجد كتلة سُنّية وازنة، بل تكتلات منفردة، ما اعتبره البعض دليلًا على ضعف الطائفة السُّنية في المعادلة السياسية اللبنانية، التي تقوم على الطائفية والمذهبية معًا. وفيما كان سعد الحريري يقود أكبر تكتل نيابي، ويؤثر في قرارات الاستحقاقات السياسية والانتخابية.