هدنة غزة: لماذا أخرت المقاومة إطلاق سراح المحتجزة أربيل؟
كشف مصدر من حركة الجهاد الإسلامي، لـ"المدن"، بعض الأسباب التي حالت دون الإفراج عن المحتجزة الإسرائيلية أربيل يهود، ضمن الدفعة الثانية لتبادل الأسرى التي جرت السبت الماضي، ما تسبب بتأجيل إسرائيل عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة، ليومين إضافيين.
إعاقة فنية.. وأمنية!
وقال المصدر إن الأمر فني وأمني، أكثر من كونه اختياراً من المقاومة بالضرورة؛ ذلك أن المجندات الأربعة اللواتي أطلق سراحهن السبت الماضي، كنَّ موجودات في شمال القطاع، بينما توجد أربيل في مكان أبعد، في تلميح إلى احتمال وجودها جنوب القطاع.
وأضاف المصدر، وهو مقيم في القطاع، أن موقع وجود أربيل، قد صعّب إمكانية عمل المقاومة على بروتوكول تسليم لثلاث محتجزات في الشمال وأخرى جنوباً، وإلا فإنه يعني استنزاف جهود المقاومة الأمنية في التحرك والمناورة ورسم مسار تسليم المحتجزات، عدا أن ذلك من شأنه زيادة خطر التعرض لانكشاف أمني لإسرائيل، وبالتالي كشف جزء من خطة المقاومة الخاصة بمواقع المحتجزين وآلية تسليمهم.
ووفق المصدر، فإن كتائب القسام قررت بالتنسيق مع سرايا القدس، التي توجد لديها المحتجزة أربيل، أن يتم تسليم الدفعة السابقة بموجب البروتوكول الذي يقوم على أساس منطقة وجود المحتجزات وتسليمهن، منعا لتشتت جهودها الأمنية في أكثر من منطقة بالقطاع.
معركة تحدٍ.. وصعوبة الصفقة
لكن المصدر أضاف أيضاً دافعاً آخر للمقاومة، ويكمن بمحاولتها إظهار تحكمها، ووضع بصمتها في اختيار المحتجزات ومشهدية تسليمهن في القطاع، في سياق معركة التحدي المتبادلة، إلا أنه اعترف لـ"المدن" في الوقت ذاته، بأن المقاومة كانت تقدّر أنها ستنجح في تمرير دفعة المحتجزات الأربع، من دون أن يعطل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عودة النازحين إلى شمال القطاع، لكن الأمور جرت عكس ذلك، ومنع نتنياهو عودة النازحين، حتى قدمت المقاومة "حلاً وسطاً" يقضي بالإفراج عن أربيل الخميس المقبل، رفقة الجندية الإسرائيلية أغام بيرغر بالإضافة إلى محتجز ثالث.
والحال أن حدوث الخلاف بشأن المحتجزة أربيل، بمثابة دليل آخر على دقة وصعوبة المرحلة الأولى لتبادل الأسرى، ما يجعل عنصر المفاجأة حاضراً في أية لحظة، وهو ما دفع البعض إلى التساؤل بشأن إمكانية الانتقال إلى المرحلة الثانية، خصوصاً أن ملفاتها التي ستنطلق المفاوضات بشأنها في اليوم السادس عشر للهدنة، تُعد أكثر تعقيدا من ملفات المرحلة الأولى.
عودة النازحين.. وأسئلة المستقبل
في غضون ذلك، تتواصل عودة نحو مليون نازح فلسطيني من جنوب قطاع غزة إلى شماله، وذلك بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجزء الغربي لمحور نتساريم والتمركز في عدد من النقاط شرقاً. وينظر الفلسطينيون إلى العودة كدليل ملموس على فشل مخطط الاحتلال بتهجيرهم وإفراغ شمال القطاع من سكانه.
وأكد نازحون عائدون إلى مناطقهم شمال القطاع، لـ"المدن"، أنهم وجدوا دمارا هائلاً في بلداتهم، موضحين أن لديهم شعوراً "مختلطاً"، يجمع بين سعادة لا توصف بالعودة أخيراً إلى الشمال، وبين إدراكهم أنهم انتقلوا إلى مرحلة تبدو أكثر تعقيداً وضبابية مما سبق، بل وتحمل أسئلة كبيرة بشأن فرص إعادة بناء منازلهم التي تحولت إلى أنقاض، وإمكانات تدبير حياتهم اليومية التي لن تكون سهلة.
في حين، قال مراسل إذاعة الجيش الإسرائيلي دورون كدوش، إن حركة حماس حققت اليوم ما تريد، واستعادت السيطرة الكاملة على شمال القطاع، على حد تعبيره.
وبمنظور كدوش، فإن شمال غزة سيعود مكتظاً بأكثر من مليون ونصف نسمة، وهو أمر سيصعّب على إسرائيل العودة للقتال، إذا أرادت ذلك بعد انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق. وأكد كدوش في إفادته الإذاعية، أن عودة الجيش الإسرائيلي للقتال داخل منطقة مكتظة ستكون
مهمة شبه مستحيلة
بيدَ أن تقارير عبرية تحدثت عن احتمالات تغيير شكل الحرب على القطاع، بغض النظر إن انتقلت الصفقة إلى المرحلة الثانية، أو توقفت عند مرحلتها الأولى، إذ سيبقى الاستهداف الإسرائيلي الجوي لأي نشاط عسكري لحركة حماس، وقد تلجأ إسرائيل إلى أسلوب تقسيم القطاع إلى مربعات، لتسهيل عمليات الاقتحام البري الخاطفة والسريعة، كلما توفر لها معلومة استخباراتية.
المجهول.. وحرب الصمود
بدوره، قال الصحافي من غزة حكمت يوسف، لـ"المدن"، إن عودة النازحين إلى شمال القطاع ستفتح ملفات كبيرة، أبرزها إعادة إعمار الشمال الذي تحول إلى رماد وركام، ومَن يوفر حاجاتهم اليومية؟ وهل يبقى المواطن الغزي أسيراً ل"الكابونة" ومساعدات المنظمات الدولية؟
وبحسب يوسف، فإنّ القطاع مقبل على شكل جديد للحرب، من نوع "حرب الصمود"، خصوصاً أنه لا يوجد أحد قادر على تلبية حاجات النازحين العائدين إلى مناطق أصبحت "ممسوحة عن الخريطة"، عدا عن مواصلة الاحتلال حصار غزة برا وبحرا وجوا، وهو ما يجعل المقبل "مجهولاً لدينا في غزة".
ويرى يوسف أن ما يعزز "الواقع السوداوي لدينا في القطاع"، هو أنه لا شراكة بين حركتي حماس وفتح، وما زالتا مختلفتين على "مَن يسيطر على غزة"، مضيفاً أن الخلاف بين الحركتين "يقتل صمود المواطن الفلسطيني"، وإذا لم تنهِ الحركتان الانقسام، "فإننا سنبقى في واقع سوداوي وقاتم".