هل يُعيد لبنان النظر بإتفاق وقف إطلاق النار؟
باتت الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار والتي وصلت حد استئناف الغارات الجوية على قرى الجنوب والبقاع، مؤشراً خطيراً على خطط كيان الاحتلال الإسرائيلي حيال لبنان، ولا سيما أن المهلة المعطاة له لتنفيذ الاتفاق والانسحاب من الأراضي اللبنانية التي دخلها بعد الاتفاق تمتد إلى نحو شهر من الوقت، ما يعطي الاحتلال مزيداً من حرية الحركة داخل لبنان وتثبيت خططه الاحتلالية، وزاد من خطورة الوضع وصول حركة الاحتلال الى تخوم حدود لبنان الشرقية من محور جبل الشيخ حتى الخيام والبقاع الشرقي الجنوبي لجهة عين عطا وراشيا الفخار.
وقد بات الاحتلال يُحكم قبضته على كامل السلسلة الممتدة من شبعا حتى نقطة المصنع الحدودية بين لبنان وسورية، ويشرف على كامل المنطقة الواسعة من دمشق الى معظم الجنوب اللبناني حتى البحر. وهو أمر يشي بنيّة العدو البقاء في هذه المناطق وبما يهدّد لبنان من خاصرتيه الجنوبية والشرقية أيضاً، ما يفترض قراءة لبنانية رسمية جديدة لنوايا العدو وتطلّعاته المستقبلية والتصرف بحزم حيالها، لا الاكتفاء بالاتصالات والشكاوى والاحتجاجات لدى مجلس الأمن الدولي ولدى اللجنة المشرفة على وقف إطلاق النار التي يرأسها الجانب الأميركي المنحاز للاحتلال، والتي لم تثمر أي نتيجة، وربما باتت مطلوبة الدعوة الى إعادة النظر بالاتفاق وتحديد بنوده بشكل دقيق أكثر لا عام يحتمل الاجتهاد والتفسير المتضارب بين جانبيه اللبناني والإسرائيلي - الأميركي، وكذلك طلب إلغاء الاتفاق الجانبي بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، ولا سيما ان هذه الاعتداءات السافرة على حدود لبنان وسيادته من شأنها أن تنسف اتفاق وقف إطلاق النار، بعدما باتت مصداقية الدول الراعية لا سيما الأميركية والفرنسية موضع تشكيك.
قد يكون من الصعب على لبنان إعادة النظر بالاتفاق نظراً لظروفه الصعبة والمعقّدة حاليا لا سيما بعدم وجود رئيس للجمهورية وبسبب الانقسامات السياسية والشعبية القائمة حول دور المقاومة في الدفاع عن لبنان، لكن هذه الصعوبة لا تمنع من بعض الخطوات الضاغطة من جانب لبنان، ولو التلويح بالخروج من الاتفاق وترك الوضع الميداني على غاربه حتى تتدخّل الدول المعنية وتوقف انتهاكات الاحتلال بشكل نهائي وتجبره على الانسحاب، مع انه لو أرادت هذه الدول فعلا التدخّل لفعلت من الأسبوع الأول أو الأسبوعين الأولين لبدء تنفيذ الاتفاق، والذي لم تحترمه إسرائيل منذ اليوم الأول، واعتمدت في تطبيقه على الاتفاق الجانبي بينها وبين الإدارة الأميركية!
صحيح أن إتفاق وقف إطلاق النار نصّ على حق الجانبين في الدفاع عن النفس في حال خرقه من أحد الجانبين، لكن الواقع الميداني يؤكد ان حق الكيان الإسرائيلي بالردّ مطلق بالتصرف، وحق لبنان بالردّ مكبّل بالضغوط الدولية، بخاصة ان الجيش اللبناني لا يملك مقومات الرد العسكري أولاً نظراً لضعف امكانياته وضعف تسليحه ورفض تزويده بإمكانيات الدفاع عن البلد، وثانياً لتقيّده بقرار السلطة السياسية التي ما تزال تراهن عبثاً على المساعي الدولية. وثالثاً تقيّد المقاومة بالقرار ومنحها الدولة الفرصة لمعالجة الانتهاكات والخروقات، وهو أمر قد لا يطول، برغم بعض المعطيات والحسابات السياسية الإقليمية والدولية التي تفترض التريّث، وبسبب وضع حزب لله المشغول حالياً بأمور أخرى منها ترقّب مسار الوضع الإقليمي بعد ما جرى في سوريا وتراجع إيران وروسيا خطوة الى الخلف، ومسح الأضرار ودفع التعويضات للمتضررين من العدوان، واستمرار الانشغال في إعادة بناء هيكلية حزب لله التي قطعت شوطاً طويلاً.
لا شك أن سقوط الحكم السوري الحليف للمقاومة قلب المعادلات والتوازنات الإقليمية لمصلحة كيان الاحتلال أولاً، وكان من أشدّ عوامل التأثير على قرار لبنان والمقاومة، إضافة إلى حجم الدمار الذي ألحقه العدو في عدوانه الجوي والبري الواسع على لبنان، لكن عدم استقرار الوضع في سوريا وترجيح أن تستمر الفوضى السورية فترة طويلة، لا سيما بعدما أعلن قائد «هيئة تحرير الشام» و«إدارة العمليات العسكرية» في سوريا أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) أن إعداد وكتابة دستور جديد في البلاد، قد يستغرق نحو 3 سنوات، وتنظيم انتخابات قد يتطلب أيضا 4 سنوات». واستمرار الفوضى السورية، قد يدفع الى متغيّرات ميدانية لاحقاً ما لم تتدارك الدول المهتمة بالوضعين اللبناني والسوري هذه المخاطر الكامنة والتي ما زالت تحمل بذور التوتر إن لم يكن التفجير وعدم الاستقرار الإقليمي، وتعمل على ضبط ممارسات وانتهاكات الاحتلال التي وصلت الى حد تطبيق مقولة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بتغيير خريطة الشرق الأوسط.