تخزين اللّيرات في البيوت... بدلاً من الدولارات
أساء البعض تفسير مضمون المقال الذي نشرتُه في 2 كانون الاول الجاري (2024) في شأن سعر صرف الليرة، والذي قلت فيه إن سعر صرف الليرة قد يتغيّر نحو الأفضل، ويمكن أن يصل إلى 50 ألف ليرة. ولا بد من التوضيح، أن هذا الرقم ورد في سياق شرح مستفيض، عن سيناريو أبيض، ضمن محاكاة (simulation) لما يمكن أن يحصل في السياسة النقدية، في حال سلكت التطوّرات منحى معيناً. هذا المنحى يُفترض أن يتضمّن المحطات التالية:
أولاً- انتهاء حالة الحرب نهائياً، والانتقال إلى سلمٍ دائم.
ثانياً- انتظام سياسي، يبدأ بطبيعة الحال بانتخاب رئيسٍ للجمهورية، وصولاً إلى استقرار سياسي على مستوى تشكيل الحكومات.
ثالثاً- تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، والتي تحوّلت إلى شروط عربية ودولية، ترتبط بها إمكانية دعم لبنان في إعادة الاعمار، وعودة البلد إلى الحاضنة العربية، وعلى رأسها الخليجية.
رابعاً- إقرار وتنفيذ خطة الانقاذ المنتظرة منذ أكثر من خمس سنوات، ومن ضمنها حل قضية المودعين، وعودة القطاع المالي إلى ممارسة دوره في تمويل الاقتصاد.
خامساً- إعادة إطلاق مشروع التنقيب عن النفط والغاز، في مناخ دولي مناسب أكثر، بما يؤدّي إلى نتائج أسرع وأضمن.
هذه المحطات في السيناريو الأبيض، إذا ما تحققت، ستؤدّي حتماً إلى تدفّق الاستثمارات الداخلية والخارجية، وإلى نمو اقتصادي استثنائي، يساهم في تكبير حجم الاقتصاد (GDP) وإلى نهضة اقتصادية سريعة.
من البديهي أن تواكب السياسة النقدية مسار هذا السيناريو، وأن يتمّ "تسعير" الليرة بما يتناسب مع التطورات في السوق، وبما يتناسب أيضاً مع الوظيفة الاقتصادية التي سيكون تمّ إقرارها من ضمن الخطة الشاملة. في هذه الحالة، وإذا كان رفع سعر الليرة يتناسب مع هذه الوظيفة الاقتصادية، ومع مناخ السوق، يمكن خفض الليرة تدريجياً إلى مستويات قد تصل إلى 50 ألف ليرة للدولار، بعد مرور ثلاث سنوات على الأقل من البدء في تنفيذ السيناريو الأبيض المُشار إليه آنفاً.
هذه هي حقيقة موضوع احتمال انخفاض سعر الدولار في المستقبل، والمرتبطة بتحقيق هذا السيناريو بكامل مندرجاته. لكن ما يجري اليوم، أن البعض يعمد إلى شراء وتخزين الليرات في المنازل، إما عن طريق سحب الودائع الدولارية بالليرة على سعر 15 ألف ليرة، وإما عن طريق بيع الدولارات النقدية المخزّنة أصلاً في البيوت واستبدالها بالليرة. هذا المنحى، إلى جانب خطورة طبيعة الرهان، يساهم في زيادة الضغط على سوق الصرف، بسبب محدودية حجم الكتلة النقدية بالليرة، ورفض مصرف لبنان تكبيرها، خوفاً من تطورات قد تؤدي إلى دفع مُخزّني الليرة إلى التخلي عنها دفعة واحدة، بما قد يؤدّي إلى خلل يوصل إلى انهيار سعر صرف الليرة مجدداً. هذا الوضع دفع المصارف إلى عرض فوائد مرتفعة على الليرة، أولاً بسبب الحاجة إليها، وثانياً لمساعدة المركزي على تخفيف مخاطر تخزين الليرة في البيوت، حيث يستحيل التحكّم بسلوك المُخزّنين.