حزب الله فقد ساحره… فماذا عن السحر؟
"أجيء من بيتٍ شيعيّ، وكلّ بيتٍ شيعيّ يرث الفاجعة لكنّه ينتظر فرحاً يجيء". العبارة للأديب أدونيس، من محاضرة ألقاها في 5 شباط 1968. بعد 17 عاماً، وتحديداً في 16 شباط 1985، سيخاطب حزب الله "المستضعفين في لبنان والعالم"، من خلال رسالةٍ مفتوحة حدّد فيها هويّته وأهدافه. في شباط أيضاً، بعد سبع سنوات، ستغتال إسرائيل الأمين العام للحزب السيّد عباس الموسوي ليخلفه السيّد حسن نصرالله.
ليس السيّد حسن نصرالله شخصيّة عابرة تمضي فيأتي من يشغل بعدها المنصب. هو يتجاوز، حتى، مظاهر الزعامة ليمكث في موقعٍ آخر، لا سابق له في الوجدان الشيعي اللبناني. ربما التوصيف الأكثر دقّةً لنصرالله كان "الساحر"، وهي مرتبة أدنى بقليل من الألوهيّة.
هكذا كان نصرالله. يقول فيكون. يأمر فيُطاع. يتوقّع فيصيب. يذهب يميناً فيذهب جمهوره معه، وإن تحوّل يساراً تحوّلوا معه. يعلن أمامهم الانتصار، فيحتفلون ويهتفون ويصدّقون، ولو كانوا وسط دمار بيوتهم وقراهم يرتدون الأسود حداداً. "فدا السيّد" قالوها له، ولن تُقال لغيره بعده.
مهما كانت نتيجة هذه الحرب، وهي لم تنتهِ بعد ولا نعرف ما تخبّئه من فصولٍ، لن يكون بمقدور مسؤولٍ في حزب الله أن يعلن الانتصار. لا انتصار والسيّد ليس بين المحتفلين. لا انتصار إن لم يقنع نصرالله جمهوره به، كما حصل في العام ٢٠٠٦ وفي محطّاتٍ أخرى أقنع فيها هذا الجمهور بأنّه هزم جيش العدوّ وبأنّهم يسيرون معاً على طريق القدس، وبأنّ الكيان الى زوال، وغيرها من سرديّات ستسقط تباعاً ما دام نصرالله لن يخرج بعد من على شاشاتٍ عملاقة في الساحات والقاعات، مع كاريزما قلّما توفّرت في زعيمٍ شيعيٍّ عبر التاريخ.\
خسر حزب الله ساحره، وسيخسر، حتماً، الكثير من سحره. لسنا نتوهّم هنا نهاية الحزب كمؤسّسة وكرمزيّة في الوجدان الشيعي. ولكنّنا سنكون أمام حزبٍ مختلفٍ تتولّى رأس الهرم فيه شخصيّةٌ تقليديّة تفتقد للكاريزما وينقصها السحر والقدرة على الإبهار والبراعة في الإقناع…
حين ستنتهي هذه الحرب، سيخرج الكثيرون من شيعة لبنان في وداعٍ مهيبٍ لنصرالله، وسيهتفون ويؤكّدون سيرهم على النهج نفسه، ولكنّه لن يدركوا حينها أنّهم ينتقلون، عبر هذا الوداع، الى ضفّةٍ أخرى. مرحلةٌ قد يشعرون فيها ببعض اليُتم، وهو ما عاشه لبنانيّون آخرون، من طوائف أخرى، في عقودٍ سابقة، إذ فقدوا "ساحرهم" ومعه سيفقدون كلّ أو بعض الغطاء الذي أمّنه مرجعهم السياسي والديني في إيران.
لعلّ أبسط وسيلة للخروج عندها من اليُتم هي العودة إلى أحضان الدولة، وإلا "سيبقى كلّ بيتٍ شيعيّ يرث الفاجعة".