لا سيناريو كارثي للانترنت والاتصالات: الأفضلية لِمَن يدفع
لا تزال المعطيات المتعلّقة بالحرب الإسرائيلية على لبنان مفتوحة على كل الاحتمالات، ومن ضمنها استمرار الحرب لفترة زمنية أطول. وهذا الأمر يوجِب على الدولة تطوير خطّة الاستجابة في مختلف القطاعات لضمان استمرار تقديم خدماتها. وفي السياق، يعيد وزير الاتصالات جوني القرم تعويم خطة الطوارىء التي كان قد اقترحها منذ نحو عام، لتأمين خدمة الانترنت والاتصالات من أقمار اصطناعية تابعة لشركات عالمية، على غرار شركة "ستار لينك" التي يملكها إيلون ماسك. على أن كثرة التحدّيات المرتبطة بهذا الطرح تجعله مادة مستمرة للنقاش داخل مجلس الوزراء والجهات الأمنية والمؤسسات الرسمية المعنية بالملف، على غرار هيئة أوجيرو. فهل ستنقطع هذه الخدمة؟ وما هو أفق تأمينها لكل اللبنانيين في الحالات الاستثنائية؟.
التحذير من خطر الانقطاع
حذّر القرم من "خطر على الانترنت في لبنان" بسبب استباحة العدوّ الإسرائيلي للأجواء اللبنانية، فضلاً عن تدميره للكثير من محطات الإرسال. وأوضح القرم في حديث تلفزيوني أن "لدى شركة تاتش 175 محطة خارج الخدمة من بينها 9 محطات مدمرة بشكل كامل و11 بشكل جزئي، وهناك 161 محطة خارج الخدمة، لدى شركة ألفا. وتتوزّع المحطات المدمّرة بين الضاحية والجنوب والبقاع". وبالتوازي، وصلت تقديرات وزارة الاتصالات لخسائر القطاع في الحرب، إلى "نحو 67 مليون دولار".
هذا التحذير "جدّي وتبرِّره الحالة الاستثنائية التي يعيشها لبنان"، وفق ما أكّدته مصادر في وزارة الاتصالات، والتي أشارت في حديث لـ"المدن"، إلى أن الحالة الاستثنائية "تفرض البحث عن بدائل. على أن البحث يجب أن يخلص إلى اعتماد الخيارات الأقل كلفة والأكثر قابلية للتطبيق، أي التي يمكن للخبراء في لبنان تنفيذها على الأرض".
انطلاقاً من جدية الأزمة، تصبح المخاوف المرافقة للاعتماد على الانترنت عبر الأقمار الاصطناعية، أكثر جدية، وعلى رأسها المخاوف الأمنية المتعلّقة بامكانية اختراق البيانات (الداتا) والوصول للمعلومات المتعلّقة بالأفراد والمؤسسات العامة والخاصة والمعلومات العسكرية. وحتى اللحظة، تعارض المؤسسة العسكرية هذا الطرح بسبب عدم وضوح آليات الأمان، وهو ما تجده المصادر "أمراً مبَرَّراً... علماً أن امكانية التحصين موجودة في الخيارات المطروحة، لكن هذا يتعلّق بمضمون الاتفاق الذي ستجريه الدولة مع الشركات التي ستتعامل معها".
استبعاد الانقطاع الشامل
في الوقت نفسه، يستبعد المدير العام لهيئة أوجيرو عماد كريدية "سيناريو الانقطاع الشامل للاتصالات والانترنت في كل لبنان". فبالنسبة له "هذا سيناريو غير واقعي". ويعوِّل كريدية على عدم واقعية هذا الاحتمال، بالركون إلى أن "المجتمع الدولي لن يسمح بذلك". كما أن السنترالات والمحطات في الكثير من المناطق لا تزال تعمل بشكل طبيعي.
على أن استبعاد الانقطاع الشامل، لا يعني وفق ما قاله كريدية لـ"المدن"، عدم وجود أزمة فعلية في هذا القطاع "فهناك مناطق انقطع فيها الاتصال والانترنت بشكل كامل ودمّرت فيها المحطات والسنترالات، ولم يعد هناك مواطنون ليستعملوا الاتصالات والانترنت، وهذا واقع يستدعي التفكير بما يمكن فعله بعد الحرب. لكن اليوم علينا إيجاد البدائل ضمن الواقع الذي نعيشه، وهذا يستدعي البحث عن بدائل ضمن القوانين التي تحفظ مالية الدولة وحق الشركات، ومنها شركتيّ ألفا وتاتش، لتستمرّ في العمل وتشغيل آلاف العمال لديها".
وخلص كريدية إلى أن "الخطر حيال الانترنت والاتصالات قائم، ولا يمكن توقُّع ما سيحصل، ويجب أن يكون هناك بدائل ولا يمكن التصرّف وكأن كل شيء يسير على ما يُرام، لكن يجب أخذ كل الاحتمالات بعين الاعتبار". وأكّد على أن أوجيرو "لن تسير بأي طرح قبل أن تقول الأجهزة الأمنية بأنه طرح يحفظ أمن البلد".
خيار الأقمار الاصطناعية
الحل الاستثنائي المعتمد على خدمات الأقمار الاصطناعية هو بديل عن الخيار الحالي القائم على شراء الخدمات عبر الكابل البحري وتوزيعها عبر سنترالات أوجيرو وأجهزة شركتي الخليوي. وهو يتيح للدولة وللشركات والأفراد، خيار الوصول للانترنت، ما يسهِّل عمل المؤسسات والأفراد. ويستند القرم في دفاعه عن خياراته، على حاجة المؤسسات للانترنت وكذلك الطلاّب في ظل الدراسة عن بُعد. فالوزير ناقشَ مع الهيئات الاقتصادية، مطلع الشهر الجاري، سبل توفير الانترنت عبر الاقمار الإصطناعية "تحوطاً لأي عملية يمكن أن تحصل لقطع الانترنت". واعتبر رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير، أن "القطاع الخاص اللبناني مهدد اليوم بمن فيه، بالسقوط والإرتطام الكبير في قعر الهاوية، في حال قَطع الانترنت عن لبنان بفعل الإعتداءات الإسرائيلية من دون وجود بدائل". وعلى مستوى الطلاّب في المدارس الرسمية، طمأن القرم إلى أنه "توصلنا مع Microsoft إلى Whitelisting لـTeams كي يتمكن الأساتذة والتلاميذ في القطاع الرسمي من الدخول إلى Teams من دون إنترنت، وذلك عبر التعريف عن أرقامهم، ونحن نعمل على هذه الآلية".
وتجد المصادر أن المبرّرات "طبيعية، لأن هناك مؤسسات تريد ضمان استمرارية عملها، وهذا ما يحتاجه البلد عموماً لتسيير اقتصاده. والشركات تتطلّع إلى تأمين خدمات أفضل لأن ذلك يسرِّع عملها، سيّما الشركات التي تعمل في مجال نقل المعلومات والأموال".
ومن ناحيته، أكّد كريدية أنه "في حال الوصول لسيناريو كارثي، فلا يمكن إعطاء الانترنت لكل اللبنانيين. ولذلك، الطرح اليوم يتمحور حول لمن نعطي الانترنت المتوفِّر؟ فأي شركة سواء ستارلينك أو غيرها، ليس لديها الامكانية التقنية حالياً فوق لبنان، لتزويد كل اللبنانيين. وإذا تمكّنت من توسيع قدراتها التقنية، فلمن نعطي الانترنت؟ وهل الجميع قادر على دفع الكلفة في ظل الوضع الحالي للناس وللنازحين؟. هل نعطي الانترنت للشركات لتسيير الاقتصاد، أو للمدارس مثلاً؟". وبذلك، يصبح واضحاً أن مَن يملك القدرة المالية لدفع ثمن الخدمة، سيحصل عليها، وهو أمر لا يتوفَّر لدى كل النازحين.
النقاش مفتوح في هذا الملف. فوزارة الاقتصاد تريد استباق أي سيناريو يؤدّي إلى انقطاع الانترنت، وفي الوقت نفسه، ليس من السهل حسم الموافقة على المصادر البديلة للانترنت في ظل التساؤلات الأمنية وصعوبة وصول الجميع للانترنت البديل، تقنياً ومالياً. أمّا الحسم، فأكّدت المصادر أنه "على أحدهم أخذ القرار وتحمُّل مسؤوليّته، سواء باعتماد الخيارات البديلة من الشركات مع اتخاذ كامل الاحتياطات الأمنية اللازمة، أو رفض تلك الخيارات مع ما يحمله ذلك من تبعات على البلد".