الصحافة شاهدة… ولو أرادوها شهيدة
بغارةٍ إسرائيلية، تحوّل 16 صحافيًّا ومصوّرًا من ناقلين للخبر والصورة إلى المشهد بحدّ ذاته. سقط مصوّران وتقني من قناتي "الميادين" و"المنار"، ليُضاف الاعتداء على مقّر إقامة الصحافيين في منطقة حاصبيا إلى ما اقترفت يَدا الإسرائيلي من قتل متعمّد في لبنان.
بعد فتح "جبهة المساندة"، سُجّل أوّل إعتداء على الصحافيين في 13 تشرين الثاني 2023، إذ استُشهد الصحافي في وكالة "رويترز" عصام عبد الله وجُرح ستة آخرون من وسائل إعلامية مختلفة في قصف إسرائيلي استهدف مجموعة صحافيين أثناء تغطية التطوّرات على الحدود الجنوبية.
كما استهدفت القذائف الصاروخية الإسرائيليّة في 15 تشرين الثاني من العام الماضي، فرقًا إعلامية في بلدة يارون الحدودية، ما أسفر عن إصابة مصوّر قناة "الجزيرة" عصام مواسي بجروح طفيفة.
بعدها، وفي 23 تشرين الثاني 2023، وجّه الجيش الإسرائيلي صواريخه باتجاه مراسلة قناة "الميادين" فرح عمر والمصور ربيع المعماري، فسقطا شهيدين بعد دقائق معدودة من الانتهاء من رسالة مباشرة على الهواء.
وقتها، برّر مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان الاعتداء على الصحافيين بالقول: "نحن في حالة حرب وقد تحدث أشياء نأسف لها". إلّا أنّ محاولة الإسرائيلي غسل يديه من دمّ الصحافيين في لبنان، لا تغسل آثامه في استهداف أفراد يحميهم القانون الدولي والاتفاقات من أي انتهاكات واعتداءات خلال النزاعات المسلحّة.
وفي هذا الإطار، أكّد المسؤول الاعلامي في "مؤسسة سمير قصير" جاد شحرور أنّ "ما تقوم به إسرائيل خطير جدًّا كونه يتكرّر وهذه المرّة باستهداف مكان إقامة الصحافيين أثناء نومهم قرابة الثالثة فجرًا". وأضاف، في حديث لموقع mtv: "الكيان الإسرائيلي قتل ما لا يقل عن 180 صحافيًّا ومصوّرًا في قطاع غزة وقتل صحافيين في لبنان، وعدم تحرّك المجتمع الدولي بشكل رسمي للجمه يشكّل حالة من التفلّت من المحاسبة تتنعّم بها إسرائيل".
وأردف: "اليوم من استُهدف هم الصحافيون في مقرّهم في حاصبيا، ولم يكن استهدافًا كما حصل سابقًا ضدّ قناة تلفزيونية محدّدة، وهذا مؤشّر خطير جدًّا".
الإدانات الدوليّة والمحليّة وتوصيف قصف الصحافيين في حاصبيا وغيرها من المناطق اللبنانية بجريمة حرب لم يمنع إسرائيل من الاستمرار في سياسة التعتيم الإعلامي على ممارساتها وانتهاكاتها. فلبنان وقّع على مواثيق دولية ومعاهدات واتفاقات تحمي الإعلاميين، إلّا أنّ "غياب آليات المحاسبة عن بنودها أتاح للكيان الإسرائيلي الاستمرار باعتداءاته". إلى ذلك، أشار شحرور إلى أنّ "التدخلات السياسيّة في لبنان وقفت عائقًا في ملف الشهيد عصام عبدالله، بعدما رفضت الحكومة اللبنانية المضي قدمًا في المحكمة الدولية خوفًا من أن تتمكّن المحكمة من الولوج إلى ملفات أخرى".
تراجع لبنان في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2024، حيث انخفض ترتيبه 21 مرتبة، ليحتل المرتبة 140 بعد أن كان في المرتبة 119 خلال عام 2023، و130 في عام 2022. ومع توسيع إسرائيل قصفها واستهدافاتها في لبنان، تحذيرًا أو من دونه، أمسى الصحافيون وحريّة تحركّهم وتغطيتهم الإعلاميّة في مرمى الخطر، حتى وان اتخذوا تدابير احترازية.
التضييق على الصحافيين، ترهيبًا وتنفيذًا، لن يمنعهم من القيام بواجبهم على الخطوط الأماميّة لنقل الصورة الدمويّة والتدميريّة للآلة الإسرائيليّة وتسليط الضوء على كلّ الانتهاكات بحقّ لبنان والإنسان فيه.