تفجير لاسلكيات الحزب "حرب جديدة".. ومجلس الأمن للانعقاد
لعلّ موجة التفجيرات لأجهزة الاتصال اللاسلكيّ التابعة لحزب الله في يومها الثاني، والّتي استهدفت هذه المرة أجهزة الـراديو IC-V82 الّتي كانت تُصنعها الشركة اليايانيّة "ICOM"، كانت بمثابة تأكيد لما كان أساسًا مؤكدًا منذ الثلاثاء، وهو أن فترة الانتظار والقبوع في ظلّ انتفاء اليقين من مصير الحرب الإسرائيليّة المتوقعة على لبنان، لن تنتهي قريبًا، ما دام الحسم مؤجلًا وحسابات طرفي الاقتتال باتت أكثر تعقيدًا.. بل وأنّ كل الحسابات والتقديرات السّابقة لطبيعة الصراع بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيليّ، قد سقطت بالتوازي مع ذلك.
هي عملية ليست بالهينة، وتحمل في طياتها تغييرًا جذريًّا لكل ما كان مُكرسًا في قواعد الاشتباك السّابقة. وهي الأكبر حتّى لو لم تكن أولى الخروقات الإسرائيليّة لهذه القواعد. في ظلّ إصرار الأخيرة على استعادة منظومة الردع لتوفير "أمن سكّان الشمال"، بالرغم من كل التحذيرات الدوليّة (تحديدًا الأميركيّة)، والصراعات الداخليّة في إسرائيل.
سلسلة ثانية من الانفجارات المتزامنة
وفي الحصيلة المحدّثة الّتي أعلنت عنها وزارة الصحّة العامّة، فإن أعداد جرحى الانفجارات المتزامنة لأجهزة الاتصالات اللاسلكيّة، الّتي وقعت عند السّاعة الخامسة من عصر اليوم، الأربعاء، في مختلف المناطق اللّبنانيّة، قد بلغ 450 شخص، بينما وصلت أعداد الضحايا إلى 20 شخصًا، نعاهم الحزب، وهم: علي سمحات من بلدة عيناثا، علي فواز الحاج حسن من بلدة شعت، حافظ علي ملحم من بلدة قبريخا، إبراهيم عبدالكريم زين الدين من بلدة زبقين، سليم عباس شحادة من بلدة معروب، عبد المِنعِم جَمال عبد المِنعِم من بلدة عيترون، محمد حسن كوراني من بلدة ياطر الجنوبية، علي ترحيني من بلدة عبا الجنوبية، علي محمد شلبي من بلدة كفرملكي إقليم التفاح، محمد العرب من بلدة شعت، علي رشيد زعيتر من بلدة الحدث بعلبك، حسن عادل جابر من بلدة بني حيان، علي حسين حمود من بلدة تولين.
وأشارت التقارير الأوليّة إلى أن حوادث عدّة مثل وقوع انفجار داخل سيارة في جديدة مرجعيون، بالقرب من المدافن، وعن إصابة شخصين بانفجار جهاز على طريق حوش الغنم في بلدة علي النهري في البقاع. وفي الضاحية الجنوبية، دوّت انفجارات عدة تزامنت مع تشييع عدد من قتلى حوادث أمس الثلاثاء. أما في الجنوب، فقد سُجّلت انفجارات في النبطية والصرفند، ولم تُحدد بعد حصيلة الإصابات. وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو تظهر الحرائق التي اندلعت من جراء الانفجارات، والتي طالت المنازل، والمحال التجاريّة، والسّيارات، والدراجات الناريّة، فيما هرعت فرق الإسعاف إلى المناطق المتضرّرة لنقل المصابين إلى المستشفيات. كما وأكدّت هيئة اسعاف تابعة لحزب الله انفجار أجهزة اتصال في سيارتين في الضاحية الجنوبيّة. وقال الدفاع المدني اللبنانيّ أنّه "أخمد النيران في 60 منزلًا ومتجرًا نتيجة انفجار أجهزة اللاسلكي في النبطية جنوبي البلاد". هذا وصرّح وزير الداخلية، بسام المولويّ، أن "المرحلة الراهنة تتطلب أقصى درجات اليقظة وسلامة المواطنين وأمنهم في مقدمة الأولويات".
هذا ويُذكر أن أعدادًا من السكّان قد سمعوا دويّ انفجارات في ساعاتٍ لاحقة من مساء اليوم، ليُعلن الجيش اللّبنانيّ أنّه في صدّد تفجير العديد من الأجهزة اللاسلكيّة. وقد جرى بالفعل تفجير العديد منها (4 حتّى اللحظة) في مناطقٍ عدّة في بيروت (وضمنًا محيط مشفى الجامعة الأميركيّة في بيروت) وقد سُمعت أصوات انفجارات في بعلبك تبين أنها ناجمة عن جهازين تم التخلص منهما.
وفي السّاعات القليلة الماضيّة صرّح وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض، إلى أنّ "طبيعة الأجهزة الّتي انفجرت اليوم كانت أكبر وحصيلة الضحايا مرشحة للارتفاع". ولفت، إلى أنّ "تفجيرات اليوم في لبنان تسببت في إصابات بليغة"، وقال: "نقلنا مرضى من الجنوب إلى مستشفيات في الشمال من أجل استيعاب عدد المصابين". وأوضح الأبيض أنّ "عدداً من دول الجوار تواصلت معنا لتقديم الدعم وبدأ وصول جسور جوية تحمل مساعدات".
جلسة لمجلس الأمن واجتماع خماسيّ
وفي تصريحٍ له عُقب سلسلة التفجيرات الثانيّة، أشار رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، بالقول: "نحن موجودون في الحرب بالنظر إلى ما يعيشه أهلنا في الجنوب منذ 11 شهرًا ووجّهنا إلى تقديم شكوى في مجلس الأمن ودعوته إلى الانعقاد لبحث العدوان، كما وأطمئن اللبنانيين أن توافد الجرحى إلى المستشفيات توقف الآن".. كما وقال ميقاتي في بيانٍ آخر أنّه "اجتمع مع ممثلي الدول الأعضاء بمجلس الأمن وأبلغهم بتقديم شكوى في المجلس ضدّ إسرائيل" وقال "أبلغت ممثلي الدول الأعضاء بمجلس الأمن أن كل شكاوانا السابقة ضد إسرائيل وضعت بالأدراج"..
وبعد ساعاتٍ قليلة، تمّ الإعلان عن جلسة طارئة سيعقدها مجلس الأمن الدوليّ لمناقشة سلسلة الانفجارات الدمويّة الّتي طالت أجهزة لعناصر الحزب، بحسب ما أعلنت الرئاسة السلوفينية للمجلس. ووفقًا للتقارير الدوليّة فإن الرئاسة قالت إن الاجتماع الذي يأتي بناء على طلب الجزائر سيُعقد نهار الجمعة المقبل، 20 من أيلول الجاري، في السّاعة الثالثة عصرًا (السابعة مساءً بتوقيت غرينتش).
وفي وقتٍ يتفق الجميع فيه على أن ما حدث يعتبر تطورًا خطرًا، وجعل جميع الاحتمالات واردة بين حزب الله وإسرائيل، منها الانزلاق نحو الحرب الواسعة، حيث إن هذا التطور الميداني اعتبر خرقًا أمنيًا مهمًا لحزب الله، إذ طال شبكة اتصالاته التي كان يعتبرها الأكثر أمنًا والأقل اختراقًا. تتهافت المواقف الدوليّة المندّدة بسلسلة التفجيرات هذه.
وأُعلن عن اجتماع "أميركيّ- فرنسيّ– ألمانيّ– إيطالي– بريطانيّ" الخميس المقبل، في باريس لمناقشة التطورات في الشرق الأوسط. وفي تصريحٍ له قال وزير الخارجيّة الإيرلنديّ أن الهجمات على لبنان تعد شكلًا جديدًا من الحروب ويتعين علينا جميعا الشعور بالقلق.
أما وتعليقًا على سلسلة الانفجارات اليوم، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي إن "الولايات المتحدة ليست ضالعة في تفجيرات بيروت ولن نقدم تفاصيل أكثر، ولا نرغب في رؤية أي تصعيد في المنطقة ونعتقد أن حل الأزمة بالدبلوماسية وليس عبر العمليات العسكرية". وأضاف كيربي: "أفضل السبل للإفراج عن الرهائن هو عبر التفاوض، ونحاول إعادة حماس وإسرائيل إلى طاولة المفاوضات ولا شيء تغير في مساعينا بهذا الخصوص، من المبكر معرفة تأثير التفجيرات التي حدثت في لبنان".
طبيعة الأجهزة المتفجرّة
وفقًا للتقارير، فإن أجهزة الراديو التّي انفجرت هي أجهزة IC-V82 الّتي تصنعها شركة "ICOM" وهو جهاز إرسال واستقبال يعمل على موجات VHF ويستخدم عادةً في الاتصالات للهواة، أي أنه يُستخدم من قبل أشخاص لهواية أو مصلحة شخصية، وليس للبث التجاري أو الطوارئ. ومع ذلك، فإن جهاز IC-V82 هو نموذج قديم توقفت الشركة عن تصنيعه، وقد أصدرت" تحذيرًا حول كيفية التعرف على النسخ المقلدة. وفي النشرة التحذيرية، أشارت الشركة إلى أن هذه المنتجات توقفت عن التصنيع منذ فترة طويلة وحذرت من أن النسخ المقلدة منها قد تحمل خطر انفجار البطارية".
وفي هذا السّياق، دانت وزارة الاتصالات في بيان "العمل الاجرامي الذي اقترفته اليوم اسرائيل بحق اللبنانيين بتفجيرها أجهزة Icom V82 الّتي كانت بحوزتهم". وأعلنت أنّ "أجهزة Icom V82 التي تم تفجيرها، لم يتم شراؤها عن طريق الوكيل، ولم يتم ترخيصها من قبل وزارة الاتصالات، علما بأن الترخيص يتمّ بعد أخذ موافقة الأجهزة الأمنيّة".
ويأتي هذا، في وقتٍ أفاد فيه موقع "أكسيوس"، بأنّ "تفجيرات اليوم في لبنان جاءت بعد تقييم أن تحقيق حزب الله بانفجارات أمس سيكشف عن خرق أمني بالأجهزة اللاسلكية". ونقل "أكسيوس" عن مصدرين قولهما إنّ "إسرائيل فجرت آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكية التي يستخدمها أعضاء حزب الله في لبنان"..