دعوات دولية للتحقيق: لبنان بحالة طوارئ أمنية وإغاثية
تتفاقم السّخونة في جبهة لبنان الجنوبيّة، بظلّ التطورات الأخيرة، وتحديدًا بُعيد عملية الخرق السّيبرانيّ (كما هو مُرجح حتّى حينه)، الّتي نفذّها الجيش الإسرائيليّ لأجهزة الـ"Pager" الّتي كان يستعملها كوادر وعناصر حزب الله للتواصل فيما بينهم. والعملية الّتي عُدّت الأكبر من نوعها منذ بدء التصعيد في الجبهة الجنوبيّة في الثامن تشرين الأوّل الفائت، فتحت الباب على مصراعيه أمام احتماليّة مواجهة قد تكون مفتوحة ومن دون أي سقفٍ زمنيّ في المرحلة المقبلة، ذلك على وقع احتدام المواجهات جنوبًا، والنيّة الإسرائيليّة الحاسمة في تكريس قواعد ردع جديدة لـ"توفير أمن سكّان الشمال"، وتعثّر مفاوضات وقف إطلاق النار في غزّة.
وحتّى اللحظة، تستمر الاتصالات واللقاءات السّياسيّة والرسميّة المكثّفة لفهم تداعيات الهجوم وأبعاده العسكريّة في الميدان، ومحاولة تدراكها. فضلًا عن تلك المرتبطة بحالة الطورائ الصحيّة والأمنيّة –غير المُعلنة رسميًّا حتّى اللحظة– فيما تموج الأوساط الدبلوماسيّة بحالةٍ من الاستنفار غير المسبوق. وفي آخر تصريحٍ صدر عنه، أكدّ مسؤول السّياسة الخارجيّة في الاتحاد الأوروبيّ جوزيف بوريل، أنّ "الوضع مقلقٌ للغاية ولا يسعني إلا أن أدين هذه الهجمات التي تعرض أمن واستقرار لبنان للخطر"، داعيًّا "جميع الأطراف المعنية إلى تجنب حرب شاملة من شأنها أن تخلف عواقب وخيمة على المنطقة وخارجها".
الحصيلة المُحدّثة لـ"مجزرة البايجرز"
في مؤتمر صحفيّ عقده، ظهر اليوم، الأربعاء 18 من أيلول الجاري، أعلن وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض، أنّ "عدد الشهداء حتّى الآن 12 شهيدًا بينهم طفلان والجرحى ما بين 2750 و2800، أمام عدد الإصابات الخطيرة بلغ نحو 300 إصابة". ولفت الأبيض إلى أنّ "الإصابات تركزت على منطقة الوجه واليدين ولا تزال هناك إصابات حرجة، فيما تمّ إجراء عملية للمصابين أغلبها في العيون". وشكر الأبيض القطاع الصحيّ في لبنان "الذي أدّى عملًا جبارًا بكامل قطاعاته".
ووصلت، صباح اليوم، الأربعاء 18 من أيلول الجاري، طائرة المساعدات العراقيّة إلى مطار بيروت، حيث استقبلها وزير الصحّة فراس الأبيض.
إلى ذلك، أعلن الأمين العامّ للصليب الأحمر اللّبنانيّ جورج كتانة أنّه "وعلى إثر حادثة انفجارات "أجهزة النداءات المحمولة" قام الصليب الأحمر اللّبنانيّ بالمساهمة في عمليات الاستجابة من خلال 134 سيارة إسعاف و450 مسعفًا، ووضع 150 سيارة إسعاف إضافية و450 مسعفًا في مناطقٍ أخرى في حالة من التأهب لتقديم الدعم وعمل على نقل 177 مصابًا إلى المستشفيات القريبة وكذلك من مستشفى الى مستشفى لاسيما تلك الواقعة خارج العاصمة". وأكدّ أن "الصليب الأحمر اللّبنانيّ يواصل من خلال طواقمه ومراكزه بتقديم المساعدة الإنسانيّة في جميع الأوقات والظروف".
ويذكر أن إدارة مستشفى الرسول الأعظم في بيروت أعلنت استشهاد أحد موظفيها "الذي قضى أثناء عمله في المستشفى في العدوان الإسرائيلي الغادر يوم أمس من خلال تفجير وسائل الاتصال (البايجر)"، مؤكدةً أنّها "ماضية على مسار المقاومة الإسلامية داعمة للمجاهدين نُصرة لأهلنا في لبنان وغزة". هذا وأشار المستشار الثقافي في سفارة الايرانية في لبنان كميل باقر، الى أنّه "قام بزيارة السفير الإيرانيّ لدى لبنان مجتبى أماني. وبحمد الله فإنّ وضعه العام جيّد جدًا ومعنوياته ممتازة. وفريق الأطباء الإيرانيّ المتخصص الذي وصل إلى لبنان لإغاثة الجرحى اللبنانيين، سوف يبقى إلى جانب الكوادر الطبيّة اللبنانية ما لزم الأمر".
اجتماعات حكوميّة
واجتمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع منسّق "لجنة تنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات الوطنيّة" الوزير ناصر ياسين والأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء الركن محمد المصطفى، واطلع منهما على نتائج اجتماع اللجنة الذي عقد في السرايا. وقال الوزير ياسين في تصريحٍ بعد الاجتماع: "عقدت اليوم لجنة إدارة الأزمات والكوارث اجتماعًا تمّ الاتفاق عليه بالأمس بعد جلسة مجلس الوزراء بتوجيهات من دولة الرئيس ميقاتي، وتمّ تقدير للموقف بعد الجريمة الكبيرة الّتي حصلت والاعتداء الإسرائيليّ الكبير الذي طال اللبنانيين، وتقدمنا بالتعازي لأهالي الشهداء الذين سقطوا في هذه الجريمة النكراء، ونتمنى الشفاء للجرحى".
وأضاف: "استمعنا خلال الاجتماع لعرض ممثلة وزارة الصحّة عن الواقع الحاليّ وأعداد الجرحى والمصابين، وكيفية قيام الجهاز الطبيّ والإسعافيّ والصحيّ بتأمين العلاج للجرحى. وأوّد هنا التنويه بما قام به الجهاز الطبيّ والصحيّ وغرفة الطوارىء الصحيّة الّتي نسقها وزير الصحة الدكتور فراس الابيض، والعمل الجبار الذي قاموا به في معالجة الجرحى. وعرضنا أيضًا ضمن تقدير الموقف للسيناريوهات المحتملة في حال توسعت الاعتداءات، وهذا العمل نقوم به منذ أشهر ونحدثه ونجدده بشكلٍ دائم، وتمّ عرض نقطتين أساسيتين الأولى تتعلق بالإيواء، وهناك لائحة أوليّة بنحو مئة مدرسة قدمتها وزارة التربية، ويتمّ العمل مع وزارتي الشؤون الإجتماعية والداخلية والبلديات ولجان إدارة الأزمات وغرف الطوارىء في المناطق تحت إشراف المحافظين لتجهيزها". واستطرد بالقول: "عرض الأمين العامّ للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير عمل الهيئة من ناحية تجهيز هذه المدارس بناء على قرار مجلس الوزراء في الأمور أساسية من فرش وغيرها لإيواء الآلاف من النازحين وهذه كلها سيناريوهات نضعها لتعزيز جهوزيتنا".
وأضاف: "ناقشنا أيضًا موضوع الغذاء وأعلن ممثل وزارة الاقتصاد بأنّ المخزون الغذائيّ مؤمن لأكثر من ثلاثة أشهر، وهناك باخرة محملة بنحو 40 ألف طن من الحبوب والطحين آتية. أما مع المؤسسات الغذائيّة وخصوصًا برنامج الغذاء العالميّ، هناك نحو 50 ألف حصّة غذائيةّ لأهلنا النازحين والمهجرين. كما عرضنا الأمور اللوجستيّة لتأمين عمل لجنة إدارة الأزمات والكوارث في ما يتعلق بالاتصالات، والطرق والمواصلات وغرف الطوارىء والأزمات الموجودة على مستوى المحافظين والمناطق. وإن اجتماعاتنا مفتوحة وسنبقى في مناقشة دائمة في ما يتعلق بالموضوع الصحيّ والطبيّ والإيواء وإغاثة النازحين، والشأن الغذائيّ والاتصالات والمواصلات".
وعن الثغرات وكيفية معالجتها، قال الوزير ياسين: "هناك دائمًا تحديات موجودة، وقدّم بالأمس القطاع الصحيّ وفرق الإسعاف والدفاع المدنيّ والصليب الأحمر والهيئات الاسعافية عملًا جبارًا، وأظهروا أهمية الجمهوزيّة وخطط الطوارىء الاستباقية، فما حصل بالأمس جريمة كبيرة، أي وقوع نحو ثلاثة آلاف مصاب في دقائق وتمّ تأمينهم جميعًا عبر المستشفيات وسيارات الإسعاف والجهاز الطبيّ، هذا عمل جبار وانجز بشكلٍ رائع، وهناك تحديات في ما يتعلق بنقل المصابين من مستشفى إلى آخر، وفرز المصابين، ونقلهم لمناطقٍ أخرى. كما وكان هناك نقص في أطباء العيون وجراحي العيون، وما حدث بالأمس حربٌ حقيقية، وهذا ما عشناه أيضًا في جريمة المرفأ، ورأيناه في الاعتداء الذي حصل بالأمس".
المواقف الدوليّة
من جهة أخرى، أفاد موقع "واللا" العبريّ، نقلاً عن ثلاثة مسؤولين أميركيين كبار لم يسمّهم، بأنّ إسرائيل قررت، يوم أمس الثلاثاء، تفعيل أجهزة البايجرز التي حملها عناصر من حزب الله في لبنان وسوريا خشية أن يتمكن الحزب، في الفترة القريبة المقبلة، من اكتشاف الثغرة الأمنية في أجهزة الاتصال المذكورة. وقال مسؤول أميركي رفيع، لم يسمه الموقع، واصفًا الأسباب التي قدمتها إسرائيل للولايات المتحدة في ما يتعلّق بتوقيت الهجوم: "وصلت إسرائيل إلى نقطة، إما أن تستخدم فيها أجهزة بايجرز المفخخة وإما أن تفقدها".
وعلقت الرئاسة الروسيّة قائلةً: "قد تصبح هذه الحادثة سببًا لتفاقم الوضع في المنطقة وخروجه عن السّيطرة"، وأشارت إلى وجوب إجراء تحقيقٍ شامل. من جهته، أكدّ وزير الخارجية الأيرلندي مايكل مارتن، أن "هجوم أجهزة البايجرز في لبنان ينتهك بشكلٍ واضح اتفاقية جنيف وهو استهتار متعمد بحياة الناس لأنها انفجرت في أماكنٍ عامة". هذا في وقتٍ حثّت فيه وزارة الخارجيّة الفرنسيّة مواطنيها على عدم السفر إلى لبنان ودعت الموجودين منهم داخل لبنان لتوخي الحذر.
وأكدّ وزير الخارجيّة المصريّ بدر عبد العاطي خلال لقائه نظيره الأميركيّ أنتوني بلينكن بالقول: "إنّنا نتضامن مع الشعب اللّبنانيّ وندين أي استهداف للسيادة اللبنانية"، معتبرًا أن "لبّ الصراع في المنطقة هو استمرار العدوان الإسرائيليّ على غزّة". ورأى أن "لابد أن نركز على وقف العدوان والتوصل إلى وقفٍ فوري لوقف إطلاق النار"، لافتًا إلى أنّه "بحث مع في أهمية إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط عبر إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل".
ويأتي هذا في وقتٍ أعلنت فيه الرئاسة المصريّة، في بيان أن "الرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجيّة الأميركي أنتوني بلينكن اتفقا على تكثيف الجهود المشتركة للتهدئة وخفض التصعيد". وأكدّ السّيسي "رفض مصر لمحاولات تصعيد الصراع وتوسعة نطاقه إقليميًا"، مشيرًا إلى "ضرورة تحلي جميع الأطراف بالمسؤوليّة"، ومجددًا "تأكيد دعم مصر للبنان في مواجهة الهجوم السّيبراني الذي تعرض له"، مشددًا على "حرص مصر على أمن لبنان واستقراره وسيادته".
من جهتها، دانت نائبة رئيس وزراء بلجيكا "بشدّة الهجوم الإرهابيّ الكبير في لبنان وسوريا"، مؤكدةً أنّه "يجب إجراء تحقيق دوليّ ووضع حدّ لإراقة الدماء". كما وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجيّة الإيرانيّ ناصر كنعاني في بيان إلى "إدانة العمل الإرهابيّ للكيان الصهيونيّ، بوصفه مثالًا على القتل الجماعي".