جبهة الجنوب "بين فكي كماشة"
تتوجّس أوساطٌ واسعة الاطلاع في بيروت من وقوعِ جبهة جنوب لبنان بين «فكّي كماشةِ» استنزافٍ يَطول تحت سقف ستاتيكو التصعيد «المتوسّع» ولكن المنضبط، وانفلاش الحرب في شكلٍ أشمل في الطريق إلى «هدوء ما بعد العاصفة الأقوى». ولم يكن عابراً أن ترتسم استعداداتٌ متوازية على هذين المساريْن اللذين يعكسان أن جبهة لبنان تتهيأ لـ«خريفٍ مخيفٍ» سواء كانت الغَلَبة لخيار تقطيع الوقت الفاصل عن «رئاسية أميركا» بنسَقٍ عسكري مدروسٍ أو استباقها بـ«إعصار نار».
فمن حركة «عودةٍ» لنازحين جنوبين لقرى حدودية لإفراغ منازل أو محال تجارية ونقْلها إلى أماكن النزوح، إلى المواجهات الميدانية الآخذة في التوغّل على المقلبين، أطلّت ملامح محاولةِ تَكَيُّفٍ «أهليّ» وعسكري مع «حربٍ مديدة» وإن بقيت محدودة. أما الاتجاه الآخَر الذي يشقّ مكاناً له بين السيناريوهات الأكثر خطورة فتعبّر عنه مشهدية «حصانين يجران العربة باتجاهين متعاكسين»، أميركي يريد بأي ثمن تَفادي فتْح جبهة واسعة مع «حزب الله»، وإسرائيلي يعدّ الأرضية لـ «تفجيرٍ» أكبر.
في هذا الإطار، توقفت الأوساط المطلعة عند تطوريْن:
- الأول، ما كشفته القناة 13 عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد أنه «بصدد عملية عسكرية واسعة وقوية على الجبهة الشمالية». وأضافت ان الجيش «يسعى لتصعيد متدرج على الجبهة الشمالية».
- الثاني، إيفاد واشنطن المبعوث الخاص آموس هوكستين إلى إسرائيل غداً لبحث التطورات على جبهة لبنان مع نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ومسؤولين أمنيين من ضمن جهود إدارة الرئيس جو بايدن لمنْع فتح جبهة جديدة مع حزب الله.
وفيما تولّى الناطق باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي كشْف خلفيات الزيارة، فإنّ رميَ واشنطن بثِقلها لعدم خروج جبهة لبنان عن السيطرة بدا في إطار السعي لتأمين «واقي صدمات» لها من تَداعي مفاوضات هدنة غزة.
هذا البُعد كان عبّر عنه أخيراً مسؤولٌ أميركي كبير حذّر من نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله، «فهذا قد يؤدي» لعواقب وخيمة ونتائج غير متوقَّعة، إذ لا يوجد شيء اسمه حرب متحكَّم بها. إنها ليست لعبة».
وإذ لم يكن ممكناً الجزم هل سيحطّ هوكستين في لبنان بعد إسرائيل لنقْل الرسالة نفسها وتالياً محاولة تطبيع الوضع العسكري ولجْم أي ارتقاءٍ يجرّ لصِدامٍ مريع، فإن إعدادَ نتنياهو لنقْل الثقل العسكري إلى الشمال راوح بين حدين:
- أوّلهما أنه في سياق رفْعِ منسوبِ «الحرب النفسية» بالتوازي مع تكثيف الهجمات على أهداف لـ«حزب الله» موحياً بأنها في إطارٍ «تحضيري» لحملة عسكرية واسعة جواً وبراً و«تحييد» قدراتٍ صاروخية للحزب تخفيفاً للعبء عن منظومات الدفاع الجوي.
- وثانيهما أنه يَعْكِس عَدّاً عَكْسياً لحربٍ آتيةٍ، استباقاً للشتاء كما للسِباق إلى البيت الأبيض، عبر محاولةِ حَشْر إدارة بايدن بين إما الوقوف مع نتنياهو لفرض شروطه لعودة آمنة للنازحين بالقوة وإما تعزيز حظوظ دونالد ترامب بـ«عيْب التخاذل».
وفي حين كانت عملياتُ المحاكاة لحرب واسعة تشتدّ وسط أكثر من «رسمٍ تشبيهي» لمَدخلها البري، أبرزها عبر الجولان، وهو ما قابلتْه تسريباتٌ عن جهوزية عالية مضادّة من «الممانعة» في سورية سُرِّب حتى أن الحوثيين باتوا جزءاً منها، فإنّ تقديراتٍ لم تَستبعد أن تحافظ جبهة الجنوب على تصعيدٍ، يتصاعد حيناً ويخفت حيناً، ريثما يتّضح الخيط الأبيض من الأسود في الانتخابات الأميركية ما دام نتنياهو يحقق نقاطاً بضرباته التوسعية، في مقابل خشيةٍ من أن تكون المواجهة الأشمل باتت خياراً لا مفرّ منه مدفوعاً بتأييد شعبي له داخل إسرائيل تعبّر عنه استطلاعات الرأي.