المودعون ينتظرون تدحرج الرؤوس الكبيرة: "الضابط" خسر الحرب؟
لم تتّضح حتى الآن الصورة الكاملة لقضية اعتقال حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة. فالحادث مفاجىء بكل تفاصيله، من عدم العثور عليه طيلة عام، إلى إبلاغه وجوب حضوره جلسات المحكمة، ثم ظهوره في قصر العدل يوم الثلاثاء 3 آب واقتياده مكبَّلَ اليدين إلى السجن. ومع ذلك، لم تمنع علامات الاستفهام المثارة حول ما حصل في قصر العدل، فرحة المودعين بمشهد اعتقال "الرجل الذي مَرَّت تحت يده عملية صرف أموال المودعين"، وفق ما تؤكّده مصادر في جمعية صرخة المودعين. فكيف رأى المودعون هذه الخطوة؟.
فرحة وآمال
كأيّ صاحب حقّ، عَبَّرَ المودعون عن فرحتهم في اعتقال سلامة، بعيداً من أي تفاصيل أخرى مرتبطة بالملف. فصورة الرجل مكبَّلَ اليدين كانت تعويضاً معنوياً للمودعين عمّا خسروه. ولذلك، تقول المصادر أن "توقيف سلامة لن يردّ الأموال للمودعين، لكن ذلك لم يمنع الشعور بفرحة توقيفه". ومع يقينهم بأن خطوة الاعتقال لا تزال منقوصة، لكنها "قد تساهم في كشف الحقائق على الأقل، حتّى يتحمَّل كلّ واحد مسؤوليّته في ملف المودعين. ونحن لدينا أمل في كشف كيف صُرِفَت أموالنا لأن صرفها كان تحت سلطة سلامة".
بالتوازي، كان الخبر "صاعقاً" بالنسبة لرئيس جمعية المودعين حسن مغنية، إذ أن "المودعين كانوا يتمنّون اعتقال سلامة، وقد فقدوا الأمل من ذلك، فأتى الاعتقال صاعقاً". ورغم الفرحة التي يمكن فصلها بسهولة عن مسار استكمال التحقيقات وتكشُّف المزيد من الحقائق، يرى مغنية في حديث لـ"المدن"، أن التوقيف جاء على خلفية "ملف شركة أوبتيموم... ولذلك، يجب التوسّع في التحقيق ليشمل أموال المودعين وتهريب الأموال إلى الخارج".
مطلب التوسّع في التحقيق يعني أن المودعين ينتظرون تسجيل نقاط كثيرة على سلامة، ولذلك، يقول مغنية أن المودعين "سينتظرون ولن يتحمّسوا كثيراً، فالعبرة في الخواتيم". وتلك الخواتيم لا تتعلّق بمصير سلامة وحده، وإنما بآخرين كانوا شركاء له طيلة عقود. وهذا ما يدعو مغنية للتساؤل عمّا إذا كان سلامة "سيقبل أن يكون كبش المحرقة الوحيد في جريمة العصر المالية".
سعر الدولار وحماية الودائع
وللحفاظ على صورته، رفضَ سلامة أكثر من دعوة للتنحّي، حتّى وإن كان التنحّي وسيلة لإخراجه من الواجهة، لكنه كان يراه اعترافاً بالمسؤولية عن الأزمة، فأراد إنهاء ولايته وتسليم الحاكمية بالإنابة إلى نائبه الأوّل وسيم منصوري، ولو كان الثمن ارتفاع سعر الصرف. وبالتوازي، رفضت السلطة السياسية إقالته، بحجّة الخوف من ارتفاع سعر الصرف. وحذّرَ رئيس مجلس النواب نبيه برّي، في العام 2020، من أن إقالة سلامة ستؤدّي إلى استيقاظ اللبنانيين "على سعر الدولار بـ15 ألف ليرة"، وكان حينها بنحو 3000 ليرة. وأكّد برّي أن رفضه إقالة سلامة ليس من باب الدفاع عنه "ولا عن أي شخص". بل اعتبر أنّ سلامة يمثّل مصرف لبنان "وإذا لم يبقَ مصرف لبنان، ليعلم الجميع أن أموال المودعين قد طارت إلى الأبد".
وبين بقاء سلامة في منصبه وخروجه إلى منزله، ارتفع الدولار وصولاً إلى 140 ألف ليرة. وبقيت المصارف خلفه حتّى طارت الودائع. وبعد توقيفه، لم يتحرّك سعر الدولار، وكأنّ الرجل فقدَ تأثيره على السوق وعلى مَن يُحرِّك السوق سياسياً. وإن كان هدوء سعر الصرف أمراً إيجابياً، يأمل المودعون انعكاس هذا الجوّ الإيجابي على أموالهم التي امتصَّت تعاميم سلامة القيمة الشرائية لجزء كبير منها، في حين تنتظر بقية الودائع مصيرها المجهول.
تدحرج الرؤوس الكبيرة
الحِمْل ثقيل اليوم والقضاء أمام المجهر، ولا يمكن اتخاذ قرار نهائي بعد حيال ما يحصل. ورغم الدلالة الإيجابية لتوقيف سلامة كونه متّهماً ومطلوباً للمحاكمة، إلاّ أن العادة درجت في لبنان على النظر خلف كواليس الأحداث وارتباطاتها بملفّات عدّة، ولذلك، يبقى الحذَر واجباً قبل تكوين قرار واضح تجاه قضية سلامة. فعنصر المفاجأة الذي يصاحب القضية، قد لا يكون بريئاً، سيّما وأن الرجل مطلوب للانتربول وتوقيفه في لبنان يمنع تسليمه للسلطات الدولية. ومع ذلك، فقد تكون للتوقيف آثار إيجابية فيما لو قرَّرَ القضاء قلب الطاولة وانتهاج مسار الإصلاح لتفادي إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي FATF. وإلى حين تبيان الأهداف الحقيقية لعملية التوقيف، يأمل المودعون، وفق مغنية، أن يكون توقيف سلامة مقدّمة لـ"انهيار أحجار الدومينو وتدحرج الرؤوس الكبيرة في البلد".
لكن حتى تلك اللحظة، الثابت أن النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، ادّعى على سلامة، بجرائم "الاختلاس وسرقة أموال عامة والتزوير والإثراء غير المشروع"، وأحال ملفّه إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت، بلال حلاوي، ولم يصدر عن أي طرف سياسي رفضه لهذا المسار القضائي بشكل صريح، بل على العكس، اعتبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في حديث تلفزيوني، أن "القضاء يقوم بواجبه وجميعنا تحت سقف القانون"، على أن هذا الموقف يتناقض مع موقف سابق لميقاتي رفض فيه المسّ بسلامة. اعتبر، حينها، أنه "خلال الحرب لا يمكن تغيير الضبّاط"، فكانت النتيجة بعد 5 سنوات، أن خسر لبنان هذه الحرب وانزلق إلى انهيار لم يخرج منه بعد، وتبيَّنَ أن الضابط المقصود حمايته، متورّط بجرائم مالية. ولذلك، إمّا أن يستسلم الجميع للمسار القضائي أو يُعاد إحياء فصل جديد من فصول حماية سلامة لضمان التغطية عن الارتكابات التي تطال "الرؤوس الكبيرة" في الدولة.