اقتصادياً.. هل يحتملُ لبنان حرباً مع إسرائيل؟
نشرت وكالة "أسوشيتد برس" تقريراً جديداً تحدثت عبره عما إذا كان بإمكان اقتصاد لبنان تحمّل حرب مع إسرائيل.
ويقول التقرير إن لبنان يشهدُ تبادلاً عنيفاً لإطلاق النار بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، ما أثار مخاوف من نشوب حرب إقليمية أوسع من الحدود المتوترة.
ووفقاً للتقرير، فإن المخاطر التي يواجهها لبنان أكبر بكثير مما كان عليه الوضع في 2006، عندما انتهت الحرب التي استمرت شهراً ضد إسرائيل من دون نتيجة حاسمة، وأضاف: "مع هذا، فإن لبنان يعاني منذ سنوات من أزمات سياسية واقتصادية خلفته مثقلا بالديون، مفتقراً إلى إمدادات كهرباء مستقرة أو نظام مصرفي ثابت، وسط فقر متفش".
وتابع: "مع تصاعد قوة حزب الله العسكرية بشكل كبير، تسود مخاوف من أن يكون سيناريو الحرب الجديدة أكثر تدميرا وأطول أمدا. فهل يستطيع لبنان أن يتحمله؟ منذ بدأ حزب الله وإسرائيل تبادل إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة بعد يوم من اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة يوم 7 تشرين أول، اقتصر القتال في الغالب على المدن الحدودية. لكن في ظل تهديد بحرب أوسع نطاقا، سارع لبنان إلى تجهيز المستشفيات بالإمدادات، وإعداد المدارس الحكومية لفتحها أمام الباحثين عن مأوى، في حال اندلعت الحرب بالفعل".
وفي حديث عبر الوكالة، قالت ليلى الأمين، مديرة مكتب بيروت لمنظمة الإغاثة الدولية ميرسي كور، إن غارة جوية إسرائيلية على جنوب بيروت الشهر الماضي قتل فيها قائد بارز في حزب الله وهو فؤاد شكر، دفعت إلى سلسلة من الاجتماعات بين المنظمات الإنسانية والحكومة اللبنانية.
وأعدت الحكومة ووكالات الأمم المتحدة خطة استجابة شاملة هذا الشهر تحدد سيناريوهين محتملين: أولا، تصعيد محدود يشبه حرب عام 2006، ينزح فيه من يقدر عددهم بنحو 250 ألفا من السكان، وثانيا: سيناريو أسوأ متمثل في "صراع خارج عن السيطرة" يؤدي إلى نزوح ما لا يقل عن مليون شخص.
وتتوقع الخطة التي وضعتها الأمم المتحدة، وحصلت الأسوشيتدبرس على نسخة منها، تكلفة شهرية قدرها 50 مليون دولار في حال حدوث تصعيد محدود، و100 مليون دولار في حال اندلاع حرب شاملة.
وقالت الحكومة اللبنانية إن تمويل الطوارئ سيأتي من الدائنين ومنظمات المساعدات الإنسانية، لكن السلطات تكافح من أجل توفير تمويل لرعاية 100 ألف نازح حاليا، وما يقدر بنحو 60 ألف شخص يعيشون في منطقة النزاع، بتكلفة حوالى 24 مليون دولار شهريا.
وقال وزير البيئة ناصر ياسين، الذي يقود عمليات الإغاثة، للصحفيين بعد اجتماع طارئ للجنة الطوارئ الوزارية يوم الأحد إن هجمات صباح الأحد لن تغير الخطة، وأضاف: "إن الهجمات تقدم بالفعل سيناريوهات لكل الاحتمالات الممكنة، من بينها توسع الأعمال العدائية".
وعانى لبنان لعقود من الشلل السياسي والفساد كما أن مصارفه مرت بأزمة حادة، في حين أصبحت إمدادات الكهرباء بالكامل تقريبا حكرا على موردي الوقود وأصحاب المولدات الخاصة التي تعمل بالديزل، وفق التقرير.
كذلك، ذكرت "أسوشيتد برس" إن المؤسسات الخدمية الحكومية تعتمد على مجموعات الإغاثة وجهات مانحة دولية لتتمكن من العمل بالحد الأدنى من القدرات، فيما بات كثير من اللبنانيين يعتمدون على مساعدات غذائية ومالية تعينهم على البقاء.
في عام 2020، أضرت جائحة كوفيد-19 بالاقتصاد بشكل كبير، فيما دمّر انفجار مرفأ بيروت عدة أحياء في قلب العاصمة. كذلك، قاومت المصارف اللبنانية والنخبة الحاكمة إجراء إصلاحات مؤلمة كانت من بين شروط الحصول على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، بينما استمرت البنية التحتية في التدهور، وكذلك ظروف المعيشة اليومية.
مع هذا، فقد تراجعت السياحة، التي كانت البلاد تعتمد عليها للمساهمة في إنعاش الاقتصاد، منذ اندلاع الصراع الحدودي مع إسرائيل.
وعلى عكس الوضع في 2006، يستضيف لبنان اليوم أكثر من مليون لاجئ سوري فروا من الصراع في بلادهم. وصرح وزير الصحة، فراس الأبيض، للأسوشيتدبرس في وقت سابق من الشهر بأن النظام الصحي اللبناني غير مؤهل لعلاج اي عدد إضافي من المصابين في حال نشوب حرب شاملة، مع استمرار انخفاض التمويل الدولي للاجئين السوريين.
وفي نيسان الماضي، صرح ياسين بأن البلاد لا تملك سوى نصف التمويل اللازم للاستجابة للصراع والاحتياجات الإنسانية المترتبة عليه
لبنان يواجه مشكلات لوجستية أكبر
في عام 2006، قصفت إسرائيل مدارج المطار الوحيد في لبنان، ما أدى إلى حد كبير إلى توقفه عن العمل، كما فرضت على البلاد حصاراً جوياً وبحرياً.
وأدى قصف إسرائيل إلى إصابة البنية التحتية الأساسية بالشلل، وسوى أحياء بالأرض، مع التسبب في أضرار وخسائر تقدر بـ 3.1 مليارات دولار، وفق البنك الدولي.
لكن جماعات الإغاثة تمكنت في نهاية المطاف من إرسال إمدادات عبر موانئ البلاد، وفي بعض الأحيان عبر المطار، باستخدام مساحة المدرج المحدودة المتبقية.
وفي تقييمها للحرب قالت الأمم المتحدة إن جهود الإغاثة التي بذلتها لم تأت استجابة لأزمة إنسانية. كذلك، ذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في تقرير بعد شهر من الحرب: "لم يمت الناس بسبب انهيار الصرف الصحي أو بسبب الجوع أو المرض.. بل ماتوا بسبب القنابل والقذائف".
وتمكن العديد من اللبنانيين من الفرار إلى سوريا المجاورة، حيث أدت انتفاضة عام 2011 إلى إدخال البلاد في أتون حرب أهلية.
ومن غير الواضح مدى سهولة عبور الحدود في حال نشبت حرب واسعة هذه المرة، سواء بالنسبة للمدنيين أو جماعات الإغاثة.
كذلك، فإنه من غير الواضح أيضا ما إذا كان مرفأ بيروت، الذي لم تتم إعادة بنائه بالكامل بعد منذ الانفجار المدمر في 2020، سيمتلك قدرة كافية في حال نشوب حرب أوسع. وللتذكير، فإنه عام 2022، انهارت صوامع الحبوب المتضررة جراء الانفجار، وتعتمد البلاد على تخزين الحد الأدنى من المواد الغذائية بسبب الأزمة المالية.
وفي سياق تصريحها، قالت ليلى الأمين: "يبدو أن لبنان يملك مخزونا من الغذاء والوقود يكفي شهرين أو ثلاثة أشهر، ولكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟ ليس لدينا سوى مطار واحد، ولا يمكننا نقل بضائع عبر حدودنا البرية. سيكون من الصعب جلب بضائع إلى البلاد"