"التربية" تصرف موظفين... وفساد اللجان والعقود الممولة دولياً يتواصل
أبلغت وزارة التربية العديد من الموظفين في بعض الأقسام أنها ستستغني عن خدماتهم في نهاية شهر أيلول، وخيّرت موظفين آخرين بالعمل بنصف الراتب حتى نهاية العام الحالي. وشرحت مصادر مطلعة لـ"المدن" أن الأمر يتعلق بالمشروع الممول من البنك الدولي S2R2 الذي كان يفترض أن ينتهي العمل به منذ ثلاث سنوات. ومدد لأكثر من مرة حتى نهاية العام الحالي في انتظار الانتهاء من وضع المناهج، التي بدأت الوزارة تجري دورات تدريبية على كتاباتها منذ نحو أسبوع. علماً أن كلفة المشروع تصل إلى نحو 204 مليون دولار، (نصفه ممول بقرض والنصف الآخر بهبة)، لكن أمواله أنفقت كرواتب وأجور وترميم بعض المدارس. وتم تغيير وجه إنفاق جزء منه لتخصيصه كحوافز لأساتذة التعليم الرسمي أو للامتحانات الرسمية.
"تشحيل" موظفين
حالياً سيتم "تشحيل" العديد من الموظفين من المركز التربوي الذين كانوا يعملون بعقود على حساب مشروع البنك الدولي السابق الذكر. إضافة إلى موظفين من وحدة المعلوماتية وفي بعض الإدارات الأخرى. والحديث يدور عن نحو ثلاثين موظفاً على حساب المشروع، لم يكن لهم أي حاجة فعلية، بل تم حشوهم ضمن سياسة المحسوبيات. بمعنى آخر، استفاقت وزارة التربية متأخرة بعد سنوات طويلة على تلك التوظيفات، التي تبين لها أنها تستطيع الاستغناء عنها.
بعض المحظيين بدأوا بالتوسط لنقل عقودهم على حساب منظمة اليونيسف. علماً أن التعاقد بمثابة فضيحة منفصلة عن كل مساوئ إدارة التربية. ولم يكلف التفتيش المالي في التفتيش المركزي خاطره للتدقيق بما هو حاصل في تلك الوزارة. فبعض العقود في الوزارة على حساب اليونيسف تتراوح قيمتها بين 6 و9 الاف دولار بالشهر، وفي المركز التربوي تفوق قيمة أحد العقود 6 الاف دولار بالشهر.
ورغم أن الدولة أوقفت التعاقد إلا أن الوزارة تبيح الأمر طالما أنه ممول من الدول المناحة، الأمر الذي تعتبره مصادر مطلعة غير قانوني. ففي حال كان العقد موقعاً مع اليونيسف فلا يفترض أن يكون الشخص الذي جرى التعاقد معه بمثابة موظف عمومي في الإدارة، بل يجب أن يعمل مع اليونيسف ولا يدخل إلى الإدارة ويفشي أسرارها. وفي حال كان العقد مع الوزارة وممول من اليونيسف فهو مخالف لقانون منع التعاقد. وهذا يفرض تحرك التفتيش المالي للتحقق من المخالفات، لكن الأخير لا يتحرك ولا يدقق وغائب، ليس عن وزارة التربية فقط، بل عن كل الإدارات.
تواطؤ المانحين والوزارة
"التشحيل" الحالي الذي تقوم به الوزارة ليس هدفه إجراء إصلاحات لتخفيف الهدر. فحشو الموظفين (المتعاقدون على حساب التمويل الدولي) في المركز التربوي لا يختلف كثيراً عما تقوم وزارة التربية من تكريس "اللجان" لحشوها بموظفين عموميين أو متعاقدين (لجان المناهج والطلاب السوريين والطلاب العراقيين ولجان الحوافز وتعيين المديرين والمدارس الخاصة المجانية وغيرها من اللجان) هدفها الأساسي تلقي بدلات أتعاب بالدولار. وهذه اللجان تمول من الدول المناحة ويستفيد منها موظفون عموميون خلافاً للأصول.
وتعتبر المصادر أن ما هو حاصل على الأرض تواطؤ متبادل بين المسؤولين في الوزارة وفي المنظمات الدولية على قاعدة "مرّقلي تا مرّقلك": الوزارة تمرر مشاريع اليونيسف والأخيرة تبرر إنفاق التمويل التي تحصل عليه أمام المانحين. في المقابل، تمرر اليونيسف تمويل عقود بعض المتعاقدين، وتمويل اللجان التي يستفيد منها العديد من الموظفين الكبار والصغار في الوزارة.
وتشرح المصادر طبيعة "التمريرات" بين الوزارة والمانحين، مشيرة إلى أن لدى المانحين مشاريع كثيرة في قطاع التربية داخل وزارة التربية، أو تنفذ عبرها، ولا فائدة تربوية منها حالياً. وتسأل المصادر: ما الفائدة من تمويل المدارس الصيفية أو مشاريع دمج الطلاب أو المطبخ المدرسي وغيرها، طالما أن المدرسة الرسمية ذاتها مهددة بالإقفال؟! ما غاية هذه المشاريع غير تبرير المنظمات الدولية إنفاق التمويل الدولي أمام المانحين؟ ولماذا تساهم وزارة التربية في تنفيذ تلك المشاريع، عوضاً عن ممارسة ضغوط لتمويل المدرسة الرسمية؟
فضيحة المناهج تتواصل
بموازاة تشحيل الوزارة موظفين على حساب مشروع S2R2، تسارع الوزارة العمل على المناهج. فقد كان يفترض أن أحد أهم انتاجات القرض الدولي هي المناهج التربوية. لكنها تكللت بفضائح عدة كم سبق وكشفت "المدن". ورغم أنه كان يفترض إيقاف العمل بالمناهج لإصلاح الخلل، واصل المركز التربوي تدريب لجان المناهج، والأسوأ أن المرشحين الذين تم اختيارهم في لجان كتابة المواد، لم توقع الوزارة معهم أي عقود بعد.
لكن ما يستشف حالياً بمواصلة المركز التربوي التدريبات، هو أن المراد الهروب إلى الأمام لإنهاء العمل بالمناهج لعدم خسارة التمويل الدولي (تم تمديد المهلة للانتهاء من المشروع حتى نهاية العام الحالي). غير ذلك، ما تقوم به وزارة التربية معاكس كلياً لمبدأ وضع المناهج. وتشرح مصادر تربوية أن المناهج تحدد هوية البلد، وعندما وضعت في العام 1997 سبقها عمل ومراسيم منذ العام 1993 بوضع خطة النهوض التربوي في لبنان، التي صدرت بمرسوم في العام 1994. ثم صدر مرسوم الهيكلية الجديدة للتعليم في لبنان (أو ما يسمى حاليا السلم التعليمي) في العام 1995، ثم بدأت مرحلة كتابة المناهج بعد نحو سنتين. بينما في الوقت الحالي بدأت الوزارة بكاتبة المناهج كنوع من تهريبة، لأنه لم يصدر أي مرسوم عن الحكومة يحدد السلم التعليمي!
وتتخوف المصادر من ذهاب الأموال التي أنفقت على المناهج طوال السنوات الثلاثة الأخيرة هباء. فربما ينتهي الأمر بإعادة تغيير المناهج من جديد ويكون لبنان قد اقترض ملايين الدولارات لصرفها على أجور اللجان والمتعاقدين.