بين حتمية الرد على التمادي الإسرائيلي وفرص التسوية الكبرى
حتى الساعة، لا تزال تتباين القراءات للأسباب الحقيقية التي دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، بعد عودته من زيارته إلى الولايات المتحدة، إلى التصعيد الكبير على مستوى المنطقة، خصوصاً مع علمه أن ما أقدم عليه لا يمكن أن يبقى دون رد من قبل المحور المقابل، حيث هناك من يعتبر أنه أراد أن يتجاوز كل الضغوط التي كان يتعرض لها، داخلياً وخارجياً، عبر جر المنطقة إلى حرب شاملة، ومن يرى أنه سعى إلى تحقيق "إنتصار"، يمكن له بعدها الذهاب إلى تسوية تقود إلى وقف إطلاق النار، على أساس أن هذا السيناريو قد يكون منسقاً مع الإدارة الأميركية الحالية برئاسة جو بايدن.
في مطلق الأحوال، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن مسار المرحلة المقبلة ليست بيد نتانياهو وحده، بل على العكس من ذلك الكرة باتت في ملعب الأفرقاء الآخرين، حيث تشدد على أن محور المقاومة مجبر على الذهاب إلى الرد على الإعتداءات التي تعرض لها، خصوصاً أنها كانت، على مستوى الحجم والمكان، من العيار الثقيل، وبالتالي تجاوزها يعني تضييع كل ما حققه على مدى الأشهر الماضية، بالإضافة إلى إعطاء رئيس الوزراء الإسرائيلي فرصة تكريس معادلات خطيرة.
إنطلاقاً من ذلك، تطرح هذه المصادر مجموعة من السيناريوهات حول ما يمكن أن يكون عليه الرد، تبدأ من إحتمال الذهاب إلى ردّ كبير يقود المنطقة إلى الحرب الكبرى، التي كان الجميع يسعى إلى عدم الوصول إليها، لكن تجاوز نتانياهو الخطوط الحمراء قد يكون هو الشرارة التي أطلقتها، على إعتبار أنه أيضاً لن يكون قادراً على تخطيها.
باالنسبة إلى المصادر نفسها، الإحتمال الثاني فهو الذهاب إلى ردّ كبير أيضاً، من قبل محور المقاومة، لكن تحت السقف الذي لا يدفع تل أبيب إلى إعلان الحرب، إلا أنّه في المقابل يدفعها إلى ردّ مقابل، وهو ما قد يدخل المنطقة في جولات من الردود المقابلة، التي تبقي التوتر عند مستوى مرتفع جداً، وتفتح الباب أمام الذهاب إلى الحرب الشاملة في أيّ لحظة.
أما الإحتمال الثالث، من وجهة المصادر نفسها، هو ألاّ يذهب المحور إلى رد كبير، بل يكتفي برد يحقق الهدف منه، على المستويين المعنوي والعسكري، الأمر الذي من المؤكد أنه سيعكس رغبة بعدم الذهاب إلى المواجهة المفتوحة، لكنها تشير إلى أن السؤال يبقى حول إمكانية أن يتجاوز رئيس الوزراء الإسرائيلي ذلك.
وتلفت إلى أن الرد، ضمن هذا المستوى، قد يكون بالحجم الذي يتم تجاوزه بسهولة، أو يكون بالحجم الذي يدفع تل أبيب إلى رد يكون أدنى مما كانت قد أقدمت عليه، بالنسبة إلى إغتيال رئيس المكتب السياسي في "حماس" إسماعيل هنية أو القيادي العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر.
بناء على هذه السيناريوهات، المتعلقة بالرد العسكري من قبل محور المقاومة، من الممكن الإنتقال إلى الحديث عن سيناريوهات أخرى تتعلق بمسار الحرب بشكل عام، على إعتبار أن الأمرين مترابطين إلى حدّ بعيد، على قاعدة أنّ التصعيد الإسرائيلي لا يمكن أن يكون من دون أهداف تريد تل أبيب تحقيقها على المستوى السياسي.
في هذا الإطار، تشير المصادر السّياسية المطّلعة إلى أنّه بعد الإنتهاء من الردّ العسكري المنتظر، من الممكن البحث في المسارات الدبلوماسيّة أو السّياسية المتعلّقة بالحرب، حيث تشير هنا أيضاً إلى مجموعة من السيناريوهات التي تطرح نفسها، تبدأ من إحتمال أن يكون التصعيد الحالي مقدمة لتسوية الكبرى، على قاعدة وصول مختلف الجهات إلى قناعة بأن الأمور وصلت إلى النقطة التي من الممكن أن تقود إلى الإنفجار الكبير.
بالإضافة إلى ذلك، تلفت هذه المصادر إلى أن السيناريو الثاني، الذي يخشى الجميع الوقوع فيه، هو أن يقود الرد إلى حرب واسعة، لأن التداعيات ستشمل المنطقة برمتها، وفي ظلّ الظروف الحالية من الممكن أن تمتد أشهراً، نظراً إلى أن المرجح هو دخول جهات إقليمية ودولية جديدة، أبرزها الولايات المتحدة، على خطّها، لكنها رغم التوتر الحالي تستبعد هذا السيناريو إلى حدود بعيدة، بسبب قناعة الجانبين أن الكلفة ستكون كبيرة جداً عليهما.
من وجهة نظر المصادر نفسها هناك سيناريو آخر، لا ينفصل عن مسار الأحداث القائم منذ السابع من تشرين الأول الماضي، يتعلّق بأن تبقى هذه الحرب من دون أفق للحل، أي أن تكون الجبهات المتعددة مقبلة على موجة من التصعيد لفترة محدودة، قبل أن تعود الأمور لتنضبط تحت سقف معين، لكن من دون الوصول إلى تسوية شاملة، وهو ما تكرر أكثر من مرة في الأشهر الماضية، بانتظار توفر الظروف التي تقود إلى ذلك.
في المحصّلة، يبقى الأساس أن نقطة التحول ستكون الرد أو الردود التي سيذهب إليها محور المقاومة، خلال الساعات أو الأيام المقبلة، على أن يبنى على ذلك مسار الحرب، مع التشديد على أن نتانياهو كرس من جانبه، عبر الخطوات التي قام بها، معادلة وحدة الساحات، التي كان يرفعها المحور المقابل، وبالتالي الحلّ لا يمكن في أيّ جبهة أن يكون منفصلاً عن الأخرى.