إسرائيل تفشل في تأليب الدروز: الخوف من الغدر الإسرائيلي
لم يكن ينقص شلّال الدم الهادر في فلسطين ولبنان منذ 10 أشهر على يد آلة القتل الإسرائيلية/ الغربية، سوى دماء أبناء بلدة مجدل شمس في هضبة الجولان السورية المحتلة. مجزرة بالسوريين، تضاف إلى سلسلة المجازر الصهيونية، تحاول إسرائيل بكلّ أجهزتها وإعلامها وعملائها تحويرها واستغلالها سياسياً وعسكرياً، والتعمية على الاحتمالية العالية بكونها من توقيع الصواريخ الاعتراضية.وسواء تطوّر العدوان الذي تنوي إسرائيل شنّه على لبنان بحجة «الانتقام» للشهداء، إلى حربٍ شاملة تغيّر وجه المنطقة، أو جاء العدوان كاستمرار للمواجهة اليومية بين جيش العدوّ والمقاومة في الجنوب اللبناني منذ 8 تشرين الأول الماضي، فإن المفاعيل السياسية والتاريخية للحدث الكبير في مجدل شمس، ستساهم من الآن وصاعداً في رسم مستقبل الأحداث حول طائفة الموحّدين الدروز في فلسطين ولبنان وسوريا، وفي مصير هضبة الجولان المحتلّة.
منذ 7 أكتوبر، سارع العدوّ الإسرائيلي إلى زيادة نشاطه في الساحة الدرزية داخل فلسطين المحتلة وفي الجولان المحتلّ، وعلى نطاق أوسع نحو جبل الشيخ والسويداء ولبنان، لعدّة أسباب جيوسياسية، منها محاولة اختطاف طائفة الموحّدين الدروز نحو مشروعه القديم/ الجديد بتفكيك نسيج شعوب المنطقة. ولا ينفصل هذا السعي الإسرائيلي، عمّا فعله العدو مع بدء الحرب على سوريا في عام 2011 حين انقضّ على القرى السورية الأربع، مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة وعين قنيا، لتسريع مشروع الأسرلة الذي يحاول تنفيذه منذ السيطرة على الجولان عام 1967، عبر محاولته دفع الجولانيين (42 ألف نسمة تقريباً)، للتخلي عن الهوية السورية والالتحاق بـ«دولة إسرائيل».
إلى جانب سياسات التنكيل التقليدية في الجولان، اعتمد العدّو خلال السنوات الماضية سياسة جديدة عبر عناوين «الإنماء» و«المجالس المحليّة»، برعاية واضحة من شيخ عقل الدروز في فلسطين المحتلة موفق طريف لتنفيذ المشروع. ثم جاء قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب باعترافه بـ«السيادة الإسرائيلية» على الجولان المحتل، ليشكّل مستنداً سياسياً لقادة العدوّ لضم الهضبة السورية بشكل نهائي، رغم كل القرارات الدولية ومواقف الدول الرسمية.
ومع كل هذه الظروف القاسية، لا تزال الغالبية من أهالي الجولان ترفض الهويّة الإسرائيلية والالتحاق بجيش الاحتلال الذي خلق العام الماضي بدعة جديدة بتشكيل «قوات محلية» تحت قيادته لحثّ أبناء البلدات على «مواجهة خطر الإرهاب على قراهم»، في محاولة لاستخدام الجولانيين ضد أبناء شعبهم من السوريين واللبنانيين والفلسطينيين.
ورغم الصورة التي حاول الاحتلال إظهارها عشية المجزرة أول من أمس، من زيارة قادة جيش الاحتلال لمجدل شمس وتسريب الصور مع بعض المشايخ ورئيس المجلس المحلي دولان أبو صالح المعروف بمواقفه المتصهينة، وتصريحات طريف التحريضية على شنّ عدوان على لبنان وسرقة اللحظة لرفع علم إسرائيلي في ساحة المجدل، فإن رد فعل أهالي المجدل أمس أربك الحسابات الإسرائيلية، وقلّص من فرص استثمار دم أطفال مجدل شمس للانغماس في دم أطفال لبنان، ومنع إسرائيل من التستر خلف «مشروعية» من أهالي الجولان، للعدوان على لبنان.
كما أن المواقف التي سارعت القيادات السياسية والروحية الدرزية، ولا سيّما موقف النائبين السابقين وليد جنبلاط وطلال أرسلان والشيخ أمين الصايغ في لبنان والشيخ يوسف جربوع في سوريا، أربكت أيضاً حسابات طريف ومن خلفه المؤسسة الصهيونية تجاه الدروز.
وممّا لا شك فيه، أن «الرفض الدرزي» للاستغلال الإسرائيلي، سيرتّب انعكاسات في المرحلة القصيرة المقبلة على الساحة الدرزية، ليس فقط بسبب سياسة «تحريك الجماعات الأقليّة» التي يتقنها العدوّ منذ بداية القرن الماضي وحاجته إلى الظهور بمظهر حامي الأقليات الدينية في المنطقة، بل أيضاً بسبب الانتشار الجغرافي للدروز، في القلب الجيوسياسي للمنطقة، وتواجدهم فوق جبل لبنان وجبل الشيخ وجبل حوران.
وعليه، لا بدّ من التحسّب خلال المرحلة المقبلة للمخاطر التالية: أوّلاً، سيحاول العدو الاقتصاص من الوطنيين في المجدل وفي باقي قرى الجولان، عبر الاضطهاد وتلفيق الاتهامات والتشهير، وتقديم دعم أكبر للمرتبطين به، كما فعل أمس بحصاره البلدة وتهديد كلّ من يصرّح عكس ما تريده المؤسسات الأمنية.