قضية المرفأ: مفاوضات سرية فاشلة بين القاضيين الحجار والبيطار
انتهت المرحلة الأولى من المفاوضات حول قضية تفجير المرفأ بين النائب العام التمييزي، القاضي جمال الحجار، والمحقق العدلي في قضية المرفأ، طارق البيطار، من دون التوصل إلى أي حلولٍ ايجابيّة لإحياء هذا الملف.
واللقاء الأخير الذي جمعهما برئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبود، منذ حوالى الأسبوع، انتهى بصورة سلبية، بعد رفض البيطار جميع الحلول التي اقترحها الحجار لتحريك هذه القضية.
فشل المفاوضات
وحسب المعلومات التي حصلت عليها "المدن"، فإن التسوية التي عُرضت على البيطار مقابل إعادة التعاون بين المحقق العدلي والنيابة العامة التمييزية، وعودة البيطار إلى استئناف تحقيقاته وتحويل قراره إلى النيابة العامة التمييزية لإبداء المطالعة، ومن ثم صدور القرار الاتهامي وتحويله إلى المجلس العدلي، جاء عنوانها العريض "تجزئة ملف المرفأ".
للتوضيح أكثر؛ يعني تقسيم هذا الملف حسب اختصاص وصلاحية مجموعة من المراجع، حيث يتولى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء محاكمة المدعى عليهم من السياسيين. وتتابع النيابة العامة التمييزية محاكمة القضاة. ففي حال وجد النائب العام التمييزي أن أحد القضاة قد ارتكب أي جرم في قضية المرفأ، يحاكم القاضي (أي المدعى عليه) أمام هيئة قضائية مؤلفة من 5 قضاة، وهذه الهيئة تعين بمرسوم من مجلس الوزراء بناءً على اقتراح من وزير العدل، أما القسم الأخير من الملف وهو المتعلق بمحاكمة الموظفين فيتولى المجلس العدلي هذا الجزء فقط.
يعني، عوضًا عن محاكمة جميع المدعى عليهم بعد صدور القرار الاتهامي، أمام المجلس العدلي، اقترح الحجار تقسيم هذا الملف وتوزيعه على مراجع عدة.
والذي لم نتمكن من تجاهله، هو أن أركان المنظومة السياسية لطالما تمنّت تفكيك ملف المرفأ بهذا الشكل. لذلك فإن رفض البيطار هذه التسوية كان متوقعًا، لأنها وبصورة غير مباشرة، ستتماشى مع أهواء المنظومة السياسية الحالمة بطمس حقيقة قضية المرفأ وتضييع العدالة. فما هي الضمانة التي تؤكد أن هذه المراجع ستتمكن من ملاحقة جميع المتهمين بعيدًا عن المحسوبية ومن دون الرضوخ لأي تدخل سياسي؟
حسب المعلومات التي حصلت عليها "المدن"، فإن البيطار رفض تقسيم الملف، ورفض تصنيف المدعى عليهم بهذا الشكل، انطلاقًا من رؤية ثابتة لديه أن صلاحية محاكمتهم في حال صدور القرار الاتهامي تعود للمجلس العدلي وليس أمام مرجعيات أخرى، وأن الدراسة القانونية التي استند إليها لحظة عودته إلى متابعة ملفه، تتيح له ملاحقة جميع المدعى عليهم في هذه القضية من دون أي استثناء.
عودة قريبة؟
وعليه، خلال الأيام المقبلة، وبعد فشل المرحلة الأولى من المفاوضات، يتجه البيطار نحو المرحلة الثانية التي تقضي بمتابعة تحقيقاته، لكون النيابة العامة التمييزية لم تنجح بالتجاوب معه، ولم تتمكن من إيجاد حلول قانونيّة مناسبة لهذه القضية.
بما معناه، أن البيطار سيستأنف تحقيقاته، حتى إصدار القرار الاتهامي قبل نهاية شهر كانون الأول المقبل، وسيتابع جلسات الاستجواب التي جمّدها منذ أشهر نتيجة خلافه مع النائب العام التمييزي المتقاعد غسان عويدات، الذي أدى إلى انقطاع التعاون مع النيابة العامة التمييزية بشكل كامل.
لذلك، هذه المعطيات هي مؤشرات واضحة على انطلاق البيطار مرة جديدة من النقطة التي توقف عندها، تلك التي تعود إلى تاريخ الثالث والعشرين من كانون الثاني العام 2023، حين عيّن جلسات استجواب لكل من النائب غازي زعيتر والنائب نهاد المشنوق، ورئيس الحكومة السابق حسان دياب وقرر إبلاغهم لصقًا آنذاك. فالقرار الاتهامي لن يصدر قبل استكمال التحقيقات التي توقف عندها البيطار، والتي تستوجب متابعة جلسات استجواب المدعى عليهم الذين لم يتم التحقيق معهم بعد.
التنحي عن الملف؟
وتباعد وجهات النظر بين البيطار والحجار، دفع برئيس مجلس القضاء الأعلى إلى التدخل لفضّ هذا الخلاف، خصوصًا أن الحجار وبعد تكليفه بمنصب المدعي العام التمييزي، أخذ على عاتقه مسؤولية معالجة هذه القضية، وكان يأمل تتويج مسيرته القضائية من خلال تحقيق العدالة لأهالي ضحايا المرفأ. فتكون بذلك رحلته القضائية مميزة ومختلفة عن مسيرة عويدات في تعاطيه مع ملف المرفأ، الذي أخلى سبيل جميع الموقوفين واتهم البيطار باغتصاب السلطة، ما دفع بأهالي ضحايا المرفأ إلى رفع صوره أمام قصر عدل بيروت واتهامه بطمس الحقيقة وعرقلة مسار التحقيقات.
عمليًا، ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وحتى الساعة، لم تنجح محاولات الحجار بتفكيك العراقيل المسيطرة على الملف من خلال النصوص القانونيّة، والتي ساهمت بتجميد الملف لأكثر من عامين. وحسب معلومات "المدن"، فإن الحجار قد يتجه خلال الأيام المقبلة إلى التنحي عن ملف المرفأ، ومن المتوقع أن يسلم هذا الملف إلى القاضية ندى دكروب (محام عام تمييزي، إبنة أخت رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وزوجة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي)، وذلك بعدما تمنع عدد من القضاة عن الغوص في هذا الملف.
مع اقتراب الذكرى الرابعة لتفجير المرفأ، ثمة تساؤلات كثيرة حول مصير هذه القضية السياسيّة بامتياز، وحول مصير الرجل الذي واجه منظومة كاملة وكان صامدًا في مكتبه وبين ملفاته متمسكًا بأوراقه، وخاض معارك عديدة مع سلطة سياسية كاملة ولكنه قرر التمسك بأوراقه، على الرغم من محاولاتهم المستمرة في "قبعه" ونزع ملف تفجير المرفأ منه. فالسلطة السياسية اللبنانية فشلت مرارًا بإقصائه، لأنها ببساطة لم ترغب يومًا بقاضٍ متمرد. ولأننا ندرك جيدًا أن تركيبة هذا النظام نجحت بتحويل السلطة القضائية إلى مسرح للتدخلات السياسية، فلا حاجة لنقاش مستفيض في هذه العبارة. لذلك، يبقى كل الأمل في تحقيق العدالة لضحايا المرفأ.