الاتفاق الداخلي والحدودي.. بعد غزّة
كل شيء مؤجل الى ما بعد إنتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. هذه هي الخلاصة التي يصل اليها اي مبعوث عربي او غربي يصل الى لبنان، اذ ان وجود "حزب الله" بوصفه ممرا إلزامي لأي تسوية مرتبطة بالاشتباكات جنوباً او بالأزمة السياسية في الداخل، يجعل من اي تسوية مرتبطة بموافقة الحزب الذي لا يبدو جاهزاً للنقاش قبل وقف اطلاق النار في غزة. وعليه فإن تأجيل الإستحقاقات سيستمر إلى المرحلة المقبلة التي قد تطول وفق المؤشرات الدولية والرغبة الإسرائيلية.
تحاول الدول العربية والغربية الفصل بين الأزمة الداخلية في لبنان والحرب بين "حزب الله" وإسرائيل، اذ ان هذه الحرب لن تذهب بإتجاهات تصعيدية كبيرة ما يعني أن نهايتها ستصب بشكل او بآخر في مصلحة الحزب مما يجعله قادراً على اللعب ضمن التوازنات الجديدة التي ستجعله صاحب المكاسب الأكبر في أي حلّ داخلي، وهذا ما يحاول خصومه الاقليميون والداخليون الهروب منه او تجنبه. من هنا يمكن فهم اصرار بعض القوى على عقد تسوية رئاسية وداخلية خلال المرحلة الحالية.
نظرياً، قد يكون انشغال "حزب الله" بالحرب فرصة لخصومه للوصول معه الى تسوية مناسبة لهم، لانه سيكون جاهزاً لتقديم التنازلات كي يخفف الضغوط الداخلية عليه، لكن هذا لم يحصل حتى اللحظة، اذ ان الحرب الحاصلة جعلت "حزب الله" متشدداً أكثر في مطالبه واهدافه الداخلية، مما يؤشر الى تأجيل اي نقاش داخلي،حتى ان بعض المبادرات المتحركة بين فترة وأخرى والتي تقوم بها احزاب وقوى سياسية محلية، لا توصل الى اي نتيجة في ظل التعاطي شبه الصريح من قبل الحزب، بأنه غير جاهز للتسوية.
تنازل "حزب الله" في الداخل، او الاصح قبوله بالتسوية سيكون مرتبطاً بشكل واقعي بحصوله على ما طالب به، اي وصول حليفه رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية الى قصر بعبدا، لكن حتى حصول هذا الامر ربما لن يحمسّ الحزب للمضي في التسوية، لانه عملياً يريد تسوية مع القوى الفاعلة اقليمياً كي لا يكرر تجربة الرئيس السابق ميشال عون في الحكم، من هنا يصبح الحديث عن الاتفاق مع المملكة العربية السعودية او الحصول على موافقتها رئاسياً امر مُلزم لاسباب كثيرة، فالحزب ليس مستعجلاً على ايصال رئيس ضمن الظروف الحالية بل يفضل تسوية شاملة تؤمن نجاح العهد لا فشله.
حتى على الصعيد السلطة، يبدو "حزب الله" مرتاحاً للواقع الحالي حيث التفاهم قائما مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، مما يجعله مصرا على عدم خوض اي نقاش داخلي في الوقت الراهن ولا يوجد أي ضغط فعلي على كاهله، لكن الاهم هو ان الحزب يفصل في نقاشه الحدودي مع المبعوثين بين واقع الجبهة الراهن وهو أمر لا نقاش فيه مع أحد، اذ ان الدعم مستمر ما دامت الحرب قائمة في غزة، واطلاق النار سيتوقف فور وقف اطلاق النار في القطاع، وبين مرحلة ما بعد وقف اطلاق النار التي فيها ترتيبات فعلية يجب نقاشها.
يصر الحزب على عدم خوض نقاش حول هذه الترتيبات في هذه المرحلة وقد كان الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله قد اكد ان كل ما يحكى عن تسوية ناجزة وتنتظر وقف اطلاق النار غير صحيح، وعليه فإن التفاوض سيحصل بعد انتهاء الحرب ووفق التوازنات التي سيفرزها الميدان، وهذا سيشمل طريقة تطبيق القرار 1701 والنقاش حول النقاط المتنازع عليها وحتى بشأن مزارع شبعا وقرية الغجر.