عيْن لبنان على البيت الأبيض... وقلبه على السيناريو الأسوأ
إلى بيروت وصلتْ ارتداداتُ «الزلزال» الذي كانت كل «أجهزة الاستشعار» السياسي في الولايات المتحدة تتحسّب له بإعلان الرئيس جو بايدن الانسحاب من السَباق إلى البيت الأبيض قبل أقلّ من 4 أشهر على انتخاباتٍ باتت تاريخية بكل المعايير وتكاد أن تكون من الأكثر رصْداً في المنطقة والعالم نظراً إلى حجم البؤر المشتعلة في أكثر من مكان، وأبرزها في غزة وأخواتها من جبهات محور الممانعة، ولاسيما في جنوب لبنان.
ومنذ أن صدر بيانُ «اعتزال الترشيح» باسم بايدن، حتى باتت الانتخابات الأميركية على الرادار اللبناني من زاويتين:
- الأولى، قديمة – جديدة وهي لمَن ستؤول الرئاسة في 4 نوفمبر الأميركي، هل إلى دونالد ترامب أو خصمه الديموقراطي الذي يُرجَّح أن يكون نائبة الرئيس كامالا هاريس التي تكرّ سبحةُ تأييدها والتي تَعَمَّدَ الرئيس المُنْسَحِب في رسالةِ «عزْل نفسه» عن الترشح إعلان دَعْمها لتكون «الحصان البديل»، وذلك نظراً لِما يترتّب على النتيجة لجهة مآلات حرب غزة والضوابط (الأميركية) التي فَرْملتْ حتى الساعة تَمَدُّد الجنون الإسرائيلي نحو لبنان، وسط تحرياتٍ عما إذا كانت هاريس تتمتع بما يكفي من أدواتٍ لاستعادة «الحمار» تَوازنه أمام الفيل الجمهوري الذي تَقَدَّم على وهج نجاة ترامب من محاولة الاغتيال، وإن بقوةِ تَراجُع بايدن في استطلاعات الرأي.
- والثانية وليدة الحدَث التاريخي بترْك رئيسٍ المعركةَ وفي أشواطها الأخيرة، وهو ما يجعله بمثابة «بطة عرجاء» قبل نحو 6 أشهر من اكتمال نصاب إجراء الانتخابات وتسلُّم الفائز مهماته. وهذه النقطة بالتحديد تَطرح علامات استفهام كبيرة حيال تداعياتِ فقدان الإدارة الأميركية الحالية التأثير الوازن في مجريات أحداث كبرى في المنطقة والعالم، خصوصاً حرب غزة، بعدما باتت صورةُ بايدن كـ «رئيسٍ سابق» لجأ الى «انسحابٍ اضطراري» تحت وطأة ضغوطٍ من «أهل البيت» رُبطت بوضعه الصحي و«أهليته» تطغى على النظرة إليه.
وفي هذا الإطار تحديداً تَبْرُزُ زيارةُ بنيامين نتنياهو لواشنطن حيث يُفترض أن يلتقي الرئيسَ الأميركي اليوم عشية خطابٍ مُنْتَظَرٍ أمام الكونغرس غداً، وسط توقف أوساط سياسية في بيروت عند أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي بدا كمَن شكّل انكفاء بايدن «هدية» له، أعطى إشاراتٍ لافتة قبيل توجّهه الى الولايات المتحدة بمْنحه لمحطّته عنوانَ «شُكْر» سيد البيت الأبيض، ما أوحى بأن لقاءه معه سيكون ذات «مفعول رجعي» أكثر منه ذات تأثيراتٍ مستقبلية على مسار حرب غزة وفق الرؤية الأميركية، وسط اعتقادٍ بأن «أَحَدَ الانسحاب الكبير» سيوسّع من هامش المناورة أمام نتنياهو للتملّص أكثر من مقترح بايدن حول غزة والذي «مات» اسمُ حامِله سلفاً، ما يجعل تل أبيب أكثر أريحية في الالتفاف على هذا الطرح الذي لم تكن أصلاً تواجه حَرَجاً في تظهير محاولات الارتداد عليه وشراء الوقت «ريثما» يفوز ترامب.
وفي موازاة هذا الرصد «من فوق» لِما يجري في البيت الأبيض وحوْله، فإن تَتَبُّعاً «من تحت» لوقائع الميدان ولا سيما جبهة الجنوب يُظْهِرُ منحى لدى محور «الممانعة» يعكس «استضعافاً» لإسرائيل، عبّرتْ عنه تقديراتٌ أُشيعتْ بأنها «لا تجرؤ» على حرب واسعة مع «حزب الله»، ثم مناخاتٌ عن أن مَخاطر «الحرب الوشيكة» ارتفعتْ، سواء بادرتْ إليها تل أبيب أو «استُدرجت» إليها.
وترى أوساط متابعة أن خروج بايدن عملياً «من الصورة» باكراً في ضوء سحْب ترشيحه، يعزّز الخشيةَ من تسخينٍ على جبهة الجنوب في ظل اقتناعٍ بأن نتنياهو وفي تهرُّبه من هدنةٍ في غزة تمهّد لحلّ مستدام ووقف الحرب نهائياً، سيضيف حجةً لمحور «الممانعة»، الذي يرفع شعار «محو حماس ممنوع»، لزيادة منسوب الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي للسير بمقترح بايدن بمعزل عن تطورات السباق الرئاسي الأميركي واستباقاً له، خصوصاً أن ما يشبه «الوضع المعلّق» للإدارة الحالية سينسحب بدوره على التعاطي مع «وزن» موفد بايدن إلى لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين الذي يسود قلق أيضاً لارتدادات «دفْن» مهمته بحال فوز دونالد ترامب.
وفي هذا الإطار وُضعت ملامح عمليةِ «لي أذرع» بين إسرائيل و«الممانعة» بدا أنها ستكون «متعددة الذراع» وعلى أكثر من جبهة. وهو ما عبّرت عنه العملية النوعية للحوثيين في تل أبيب وردّ إسرائيل بغاراتٍ على الحديدة في موازاة ضربة بدت «تحت الحزام» استهدفت مستودع أسلحة لحزب الله في عدلون، وذلك على وقع تحرٌّك «صفائح» معادلات الردع المتبادلة، إما في محاولة لترسيم قواعد اشتباك جديدة وإما في سياق «تمرين نار» قبل الحرب الأوسع.
وإذ برز أمس تَراجُع نسبيّ في حدة المواجهات على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية نهاراً، وسط إعلان عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق أن «جبهات المساندة في لبنان والعراق واليمن أيضاً أصبحت في مسار جديد، وأدخلت معادلات ميدانية جديدة نأمل من خلالها زيادة الضغط على العدو الإسرائيلي لوقف العدوان»، شخصتْ الأنظار إلى تطورين موازيَيْن:
- أولهما جلسة الإحاطة في مجلس الأمن يوم غد حول تنفيذ القرار 1701 الذي يشكّل نقطة تقاطُع بين مختلف المبادرات الدولية على أنه أداة «الهبوط الآمن» لجبهة الجنوب وعودتها من على حافةِ ما قد يكون «الصدام المروّع».
وبرز في هذا الإطار ما نقلتْه صحيفة «النهار» عن أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يدرس تعزيز القوة الفرنسية العاملة في «اليونيفيل» بزيادة عديدها الى نحو 1000 جندي أو أكثر من أصل 750 كما هي الآن، وأن في رأي سيد الاليزيه أن هذا التعزيز يقوي صدقية اليونيفيل «خصوصاً في ظل احتمال أن تشن إسرائيل هجوماً على لبنان إذ يصبح أصعب على الإسرائيليين أن يتحركوا إذا كانت القوة معزَّزة مع إمكان معرفة نقاط انطلاق القصف وسيكون في إمكان اليونيفيل أن تنشئ معادلة قوة مختلفة مع حزب الله في تحديد المسؤوليات».
وإذ قال مصدر فرنسي إن ماكرون يعتقد أنه «مازال هناك إمكان لتجنب الأسوأ في لبنان وأن باريس لا تنوي تغيير مهمة قوة اليونيفيل» التي يستحق موعد التجديد السنوي نهاية آب، أكد وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب بعد لقائه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «اطلعتُ دولة الرئيس على نتائج لقاءاتي في الولايات المتحدة، وأبلغته أن هناك شبه اتفاق على تجديد عمل قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان لمدة سنة بالشروط ذاتها ومن دون أي تعديل، ووضعته في لأجواء الاجتماعات التي عقدتها مع عدد من المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والذين شددوا على أهمية عدم توسيع الحرب في الجنوب، والعمل على عدم تصعيد الأعمال العسكرية في الجنوب. لذلك، هناك نوع من التفاؤل أو أقل تشاؤم في موضوع نشوب حرب واسعة على لبنان».
- والثاني تقدّم نواب المعارضة (من أحزاب القوات اللبنانية والكتائب ومستقلين وتغييريين) بعريضة طالبوا فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعقد جلسة مناقشة للحكومة حول مسألة الحرب القائمة وتداعياتها وتقاعسها عن قيامها بواجباتها الدستورية، ومطالبتها باتخاذ سلسلة اجراءاتٍ هي:
1 - وضع حد للأعمال العسكرية كافة خارج إطار الدولة اللبنانية وأجهزتها التي تنطلق من الأراضي اللبنانية ومن أي جهة كانت.
2-إعلان حال الطوارئ في الجنوب وتسليم الجيش اللبناني زمام الأمور فيه.
3- تكليف الجيش اللبناني بالتصدي لأي اعتداء على الأراضي اللبنانية.
4 - التحرك على الصعيد الدبلوماسي من أجل العودة إلى اتفاقية الهدنة الموقعة عام 1949 وتطبيق القرار 1701 كاملاً.
وجاءت هذه العريضة على وقع «التهاب» الجبهة السياسية الداخلية بين المعارضة والثنائي الشيعي، بري و«حزب الله»، بعد امتناع كتلتيهما عن لقاء وفد الأولى في سياق جولته على القوى السياسية عارضاً مبادرته لحل الأزمة الرئاسية (المتمادية منذ نحو 20 شهراً) بالطرق الدستورية وبعيداً من أعراف يَعتبرها المعارضون تقويضاً للطائف، وأبرزها الحوار أو التشاور الذي يصرّ بري على عقده وبرئاسته كممرّ إلزامي لفتْح البرلمان وعودة جلسات الانتخاب الرئاسية المعلّقة منذ أكثر من 13 شهراً.