العطل التقني الأكبر في التاريخ… أسبابه وتأثيراته
استفاق العالم صباح الجمعة في 19 تموز 2024 على خلل تقني أدى إلى توقف الخدمات الإلكترونية في العديد من المطارات ومترو الأنفاق والموانئ والمصارف والبورصات والشركات حول العالم، كما توقف البث في عدد من الفضائيات العالمية. وقد قدّر خبراء تقنيون دوليون أن هذا هو العطل التقني الأكبر بالتاريخ وستترتب عليه خسائر قياسية.
لبنان لم يكن بمنأى عن هذه الاضطرابات التقنية فقد تعطّلت الأنظمة الإلكترونيّة في عددٍ من الشركات والمستشفيات والمصارف اللبنانية.
"النشرة" تحدثت عن هذا الموضوع مع خبير التحول الرقمي رامز القرا الذي أوضح أن مايكروسوفت تقدم ما يسمى بالخدمات السحابية، والهدف الأساسي من هذه الخدمات أن الشركات المتوسطة والصغيرة وحتى الكبيرة تستطيع توفير الكثير من المصاريف، حيث تنقل الكثير من عملها إلى شركات ضخمة مثل مايكروسوفت، وتوفر بذلك على نفسها شراء الخوادم ومراكز المعلومات وإدارتها، مع المشكلات التي يمكن أن تسببها.
منذ ما يقرب من ١٥ سنة بدأت مايكروسوفت وشركات أخرى بتقديم خدمات سحابية حيث تنقل الشركات أعمالها إلى خوادم مايكروسوفت التي تهتم بها وتقدم الأمن والإدارة والصيانة.
هذه الخدمات السحابية بدأت تنتشر مؤخرًا في العالم. وأشهر هذه الخدمات خدمتان تقدمهما مايكروسوفت هما Microsoft Office 365 وهي خدمة SAS، وخدمة أخرى هي Microsoft Azure. هاتان الخدمتان تستخدمهما الشركات والمصارف الصغيرة والمتوسطة حول العالم لأنها أوفر من ناحية، ولأنها تمكنها من إنشاء خدمات أخرى إلكترونية مثل خدمات الـ check in في المطارات والتداول والحجوزات طن ناحية أخرى.
ما حدث هو أن مايكروسوفت أبلغت عن مشكلة تقنية حدثت عندها في منصة هاتين الخدمتين، وبما أن كثيرًا من الخدمات تعتمد عليها، فإن هذه الخدمات توقفت أيضًا.
لتقريب الفكرة عمّا حدث، نحن نستخدم تطبيقات مثل فيسبوك وواتس آب وغيرهما، ولو ضربنا مثلًا أن شخصًا ما يستخدم رقم واتس اب لمتجر أونلاين، فلو توقف الواتس اب فسيتوقف العمل على المتجر أيضًا، والأمر نفسه بالنسبة لمنصات أخرى مثل إنستغرام… وهذا يسمى انقطاع الطرف الثالث…
في حالة مايكروسوفت، هي تملك الخدمة السحابية التي تساعد الأفراد والشركات على بناء منصاتها ومواقعها الإلكترونية وتطبيقاتها… لذا فإن أي عطل في الخدمة السحابية يؤثر في هذه الشركات على مستوى العالم، مثل ما حدث مع إحدى الشركات المشغلة للمطارات والتي تعتمد على خدمات مايكروسوفت السحابية. وهذا الأمر إن تكرر سيكون خطيرًا جدًّا على مستويين، المستوى الأول هو ثقة الناس التي ستقل بالخدمات السحابية، والمستوى الثاني هو في شركة مايكروسوفت ذاتها التي تعتبر أن الخدمات السحابية تشكل المستقبل لها.
والخطورة تكمن في أن فكرة المستخدمين عن الخدمات السحابية أنها خدمات لا تنقطع ولا تنطوي على أية مشكلات. وبالتالي فإن المستخدمين لو فقدوا الثقة بها على مستوى العالم فإن الدول قد تعتبر الأمر تهديدًا لها وللأعمال فيها.
أما بالنسبة لما حدث مع شركة كراود سترايك وهي شركة أميركية لخدمات الأمن السيبراني، وتقدم خدماتها لأهم الشركات في العالم، فأشار القرا إلى أن إحدى خدماتها التي تقدمها بصفتها طرفًا ثالثًا هي برنامج لمراقبة الملفات والتأكد من خلوّها من الفيروسات، وهو يحتاج إلى تحديث بشكل دوريّ ودائم. إلا أن التحديث الأخير احتوى على مشكلة أدّت إلى الإضرار بخوادم الشركات التي تستخدم الخدمات السحابية من مايكروسوفت وخاصة خدمة Microsoft 365 وخدمة Microsoft Azure، وهما خدمتان تستفيد منهما شركات كثيرة جدًّا حول العالم، وهذا أدّى إلى توقّف هذه الشركات من مطارات وقطارات وغيرها.
وهنا يُطرح السؤال: هل هذا هجوم سيبراني؟
من المبكر تأكيد هذا الأمر فالشركة نفت أي هجوم سيبراني، لكن في المقابل تبرز أسئلة عن كيفية تأثر خوادم خدمات سحابية مثل التي تملكها مايكروسوفت، بتحديثات لم تجرّب على خوادم تجريبية، خاصة أن هذه المشكلة لم تكن مشكلة عادية، فقد أوقفت شركات حول العالم، وهو ما كان بالإمكان تجنبه وتفاديه بالتجربة.
تأثيرات ما حدث ستكون على شركات كبيرة مقدمة للخدمات السحابية مثل مايكروسوفت التي كانت تدعو لاعتماد الخدمات السحابية، وفي حال تكرار هذه المشكلات أو زيادتها ستعود الشركات إلى استخدام الخوادم داخل شركاتها دون الاعتماد على الخدمات السحابية رغم الاستثمارات الكبيرة التي وضعتها شركات كبيرة مثل مايكروسوفت في هذه الخدمات. وهذا انعكس على أسهمها التي بدأت بالهبوط.