رسائل "سلبية" من جنبلاط للمعارضة... "لا تقاطع ولا من يحزنون"؟!
عندما أطلقت المعارضة ما سُمّيت بـ"خارطة الطريق" لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وما يحلو لأوساطها وصفه بـ"المبادرة الرئاسية"، لم تكن تتوقّع أن تأتيها "الضربة الأولى" من "الحزب التقدمي الاشتراكي" الذي لا تزال تصرّ على احتسابه ضمن حصّتها، إذ تولّى يومها عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" النائب وائل أبو فاعور مهمّة "نعي المبادرة" بصورة أو بأخرى، عندما جزم بأنّ الأفكار التي تنطوي عليها غير مُجدية، ولن تُحدِث "الخرق" المُنتظَر.
صحيح أنّ أبو فاعور "لطّف" كلامه حينها، عندما أثنى على خطوة المعارضة، من زاوية أنّ "الحركة بركة" في كلّ الأحوال، بما أنّ المبادرة نجحت في إعادة استحقاق الرئاسة إلى صدارة الاهتمام والنقاش، لكنّ الثابت أنّ رسائله عُدّت "سلبيّة" في أوساط المعارضة، التي كانت تحاول بكلّ ما أوتيت من قوة إضفاء "الجدية" على مبادرتها، وبالحدّ الأدنى، كانت تسعى إلى رمي "كرة التعطيل" في ملعب "الثنائي" حصرًا، إن لم يتجاوب معها.
إلا أنّ رسالة "الاشتراكي" للمعارضة لم تكن يتيمة ولا معزولة، إذ تتوالى المؤشّرات منذ أشهر إلى "تباعد" بين الجانبين، بدأ منذ "تلميح" النائب السابق وليد جنبلاط لاحتمال تبنّي ترشيح سليمان فرنجية، إذا كان ذلك يؤدي لانتخاب رئيس، قبل أن يصل إلى ذروته مع إعلان جنبلاط صراحةً تأييده لقرار "حزب الله" فتح جبهة الجنوب اللبناني إسنادًا للشعب الفلسطيني في غزة، فيما كانت المعارضة تتهم الحزب بـ"توريط" لبنان في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل.
ولعلّ اللقاء الأخير الذي عقد في بيصور، برعاية وحضور كل من جنبلاط ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان، ووُصِف بـ"المصالحة الدرزية" قرع جرس الإنذار لدى المعارضة، خصوصًا أنّ البعض ذهب لحد التكهّن بأنّه يمهّد لـ"تحالف انتخابي" بين الجانبين، ما يفتح الباب أمام جملة من علامات الاستفهام، فهل انتهى التحالف، أو بالحدّ الأدنى "التقاطع" بين جنبلاط والمعارضة؟ ومَن انقلب على مَن في هذا السياق؟.
صحيح أنّ جنبلاط معروف تاريخيًا بانعطافاته وانقلاباته السياسية، ما جعله محطّ تندّر في الكثير من المحطّات، من أنّ الرجل يمكن أن يكون مع طرف اليوم ويصبح ضده غدًا، إذا ما استشرف متغيّرات تدفع بهذا الاتجاه أو ذاك، إلا أنّ أوساط "الاشتراكي" تؤكد أنّ مواقف "الاشتراكي" الأخيرة لا تعكس سوى الانسجام الكامل مع الثوابت التاريخية للحزب، سواء في ما يتعلق بمساندة القضية الفلسطينية، أو مقاربة استحقاق الرئاسة من باب الحوار والتفاهم.
فبالنسبة إلى الموقف من حرب غزة، وجبهة الجنوب، تعتبر هذه الأوساط أنّ الموقف الذي يعبّر عنه "الحزب التقدمي الاشتراكي"، بقيادة رئيسه السابق وليد جنبلاط، هو الموقف "البديهي والطبيعي" لحزب لطالما اعتبر القضية الفلسطينية قضيته المركزية، بل إنّ أيّ موقف مغاير كان يمكن أن يتّخذه الحزب من هذه القضية بالتحديد، في ظلّ الحرب الإسرائيلية الهمجية، بما في ذلك الوقوف على "الحياد"، هو الذي يشكّل "انقلابًا" على تاريخ الحزب.
لا تنفي الأوساط أنّ الخلاف مع "حزب الله" خلال العديد من المحطات السابقة، وخصوصًا في مرحلة ما بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وصولاً إلى أحداث السابع من أيار، انطلق من بعض التحفّظات على أداء الحزب في الداخل، لكنّها تشير إلى أنّ "الاشتراكيين" لا يمكن أن يقفوا في صفّ خصوم "حزب الله" في عزّ الاعتداءات الإسرائيلية، وهم يرفضون بهذا المعنى أداء بعض المعارضة، الذي "لا يخدم سوى العدو"، وفق تعبيرها.
ويبدو أنّ الاختلاف بين "الاشتراكي" والمعارضة على مقاربة الوضع في الجنوب، يسري أيضًا على الملف الرئاسي، رغم "التقاطع" الذي كان مفترضًا بينهما، والذي تجلّى في مختلف جلسات الانتخاب السابقة التي عُقِدت، حيث تقول أوساطه إنّ المشكلة مع المعارضة تكمن في "التصلّب الذي لا يجدي"، ولا سيما بعدما ثبُت أنّ انتخاب الرئيس متعذّر من دون حدّ أدنى من التفاهم، وهو ما لم تُراعِه مبادرة المعارضة الأخيرة، ما حكم عليها بالسقوط سلفًا.
بالنسبة إلى المعارضة في المقابل، فإنّ العلاقة مع جنبلاط لطالما كانت محكومة بسقف "الخصوصية" التي يتّسم بها "الاشتراكي"، وبالتالي الحساسيّة التي ينطلق منها في مواقفه، ولذلك فهو لا يُعَدّ "حليفًا" بالمعنى التقليدي، لكنّ ذلك لا يعني وجود "هواجس" لدى المعارضة من "انقلاب جنبلاطي" عليها، ولا سيما أنّ في كتلة "اللقاء الديمقراطي" شخصيات ترفض السير في فلك "حزب الله" تحت أيّ ظرف من الظروف، وهو ما يشكّل "ضمانة"، إن جاز التعبير.
في هذا السياق، ينفي المحسوبون على المعارضة أن تكون مواقف جنبلاط من الحرب الإسرائيلية على غزة سببًا للتباعد أو الشرخ، حيث يؤكدون أنّهم يتفهّمون الاعتبارات التي تملي على الحزب أخذ بعض المواقف، حتى إنّ لقاء بيصور الذي جمع جنبلاط وأرسلان وأعطي أبعادًا أكبر من حجمه، برأي هؤلاء، لم يستفزّ المعارضة، التي وضعته في خانة حرص جنبلاط على الوحدة الدرزية، خصوصًا في ظلّ الظروف الدقيقة التي تشهدها المنطقة في هذه المرحلة.
لكن، أبعد من هذه الخصوصية وما يترتّب عليها من اعتبارات، تشدّد أوساط المعارضة على أنّها "مطمئنة" إلى أنّ "الاشتراكي" يبقى في الجوهر في صفها رئاسيًا، فهو بعكس بعض الكتل "الوسطية"، لم يتردّد في اتخاذ موقف واضح وصريح في كل الجلسات الانتخابية، علمًا أنّ انتقال القيادة "الاشتراكية" إلى تيمور جنبلاط شكّل مؤشّرًا إيجابيًا بهذا الاتجاه، في ضوء "النَّفَس الشبابي" لجنبلاط الابن، الذي يصنّف نفسه من الأساس "معارضًا" بصورة أو بأخرى.
من هنا، لا تعتقد أوساط المعارضة أنّ شيئًا سيتغيّر في تموضع "الاشتراكي" في حال عُقِدت جلسة انتخابية جديدة اليوم أو غدًا، ولا سيما أنّ المبادرة التي أطلقها الحزب أساسًا قامت على فكرة الحوار، انسجامًا مع سعي "اللقاء الديمقراطي" الدائم إلى التوافق بوصفه أفضل الحلول، حتى إنّ تلميحه في وقت من الأوقات للتصويت لفرنجية، كان على قاعدة التوافق عليه، وليس أبدًا من منطلق "غلبة" فريق على آخر.
في النتيجة، ثمّة شرخ واضح بين "الاشتراكي" والمعارضة لا يمكن نكرانه، حتى إنّ بعض المحسوبين على كتلة "اللقاء الديمقراطي" عندما يُسأَلون عن مواقف بعض أطراف المعارضة من حرب غزة والجنوب، يرفضون القول إنّ "تحالفًا" جمعهم في يوم من الأيام. يقول البعض إنّ المعارضة تتحمّل مسؤولية تفاقم هذا الشرخ، فيما يُرجِعه آخرون إلى استعداد "الاشتراكي" لتسوية ما بعد الحرب، لكن الثابت في الحالتين أن التقاطع بين الجانبين لم يعد ثابتًا!.