كيف تتحكم إسرائيل بالإقتصاد الفلسطينيّ؟
ذكر موقع "الجزيرة"، أنّ إسرائيل تُسيطر بشكل شبه مطلق على كل مفاصل ومكونات اقتصاد الضفة الغربية وتمتلك أدوات تحكم سريعة وفعالة تمكنها من تغيير الواقع المعيشي لآلاف الفلسطينيين خلال أيام معدودة، مما وضع الفلسطينيين في حالة من الترقب المستمر والخوف من المستقبل وانعدام الأمان المالي مع شعور عميق بارتباط مستويات معيشتهم ومداخيلهم بالوضع السياسي.
وتُسيطر إسرائيل أمنيا ومدنيا على مناطق (ج) التي تمثل حوالي ثلثي مساحة الضفة الغربية، وتمنع بشكل ممنهج التطور العمراني والتنمية فيها عبر رفض تصاريح البناء أو توسعة المخططات الهيكلية، بالإضافة إلى الهدم المستمر للمنازل والمنشآت، وهذه المناطق تحتوي على حوالي ثلثي المياه الجوفية والسلة الزراعية الرئيسية، ناهيك عن أن استمرار السيطرة الإسرائيلية عليها يجعل من مناطق (أ) و(ب) أشبه بجزر معزولة تسبح في محيط (ج).
كذلك، فإنّ 100% من النفط وحوالي 87% من الكهرباء في الضفة الغربية مصدرهما إسرائيل.
وتُسيطر إسرائيل على حوالي 80% من احتياطات المياه في الضفة الغربية وتمنع الفلسطينيين من حفر الآبار أو تعميقها أو نقل المياه بين التجمعات والمحافظات، مما خلق واقعا من انعدام العدالة المائية، إذ إن متوسط استهلاك الفرد الفلسطيني يبلغ ثلث متوسط استهلاك الفرد في إسرائيل والمستوطنات، وينخفض المعدل ليصل إلى العُشر في التجمعات غير الموصولة بشبكات مياه بحوالي 26 لترا للفرد يوميا، ما يعادل متوسط الاستهلاك في المناطق المصنفة "منكوبة" عالميا.
ويحرم ثلثا الفلسطينيين من الحصول على مياه جارية يوميا، ونصفهم يحصل على مياه جارية أقل من 10 أيام في الشهر، ويضطر 92% منهم إلى تخزين المياه في خزانات على أسطح المنازل، وفي العام 2022 أُجبر الفلسطينيون نتيجة لهذا الواقع على شراء ثلث استهلاكهم من المياه من شركة "مكروت" الإسرائيلية بأسعار مرتفعة.
وتُسيطر إسرائيل بالكامل على منافذ الاتصالات الدولية والمجال الكهرومغناطيسي وخطة ترقيم الهواتف وخطوط النفاذ في مناطق (ج) واستيراد المعدات ذات العلاقة، وتمنع الفلسطينيين من الحصول على خدمات الجيل الرابع في الضفة والجيل الثالث في غزة، كما أن البنية التحتية لهذه القطاعات ملحقة بالكامل بالبنية التحتية الإسرائيلية.
وتُسيطر إسرائيل على البحر الميت الغني بالموارد الطبيعية وتمنع الفلسطينيين من الاستفادة منه، كما تنذر سياساتها بخطر جفافه، وتستخرج منه مادة البوتاسيوم ومادة البروم الإستراتيجية المستخدمة في الصناعات الاستخراجية والكيميائية والإنشائية والاتصالات والمنسوجات وأعمال حفر آبار النفط وتعقيم المياه والأدوية.
وبمزيج من التدمير العنيف والحصار والعزل وسياسات السوق الحرة، نجحت إسرائيل في تقويض مقومات الاقتصاد الإنتاجي الصناعي والزراعي الفلسطيني وتمزيق سلاسل الإمداد الداخلية وتفتيت الارتباط الداخلي بين القطاعات والمنشآت المحلية المختلفة وربطها بشكل منفصل مع سلاسل الإمداد الإسرائيلية، بحيث لا تعتمد الصناعة على الزراعة ولا تعتمد مدخلات الإنتاج والأدوات والمعدات الزراعية على الصناعة المحلية كما يتآكل اعتماد المستهلك الفلسطيني على المنتج المحلي.
وفي المجمل تستهدف السياسات والإجراءات منع قطاعات الاقتصاد الفلسطيني من تشكيل وحدة اقتصادية متكاملة وأن تظهر كأنشطة اقتصادية مبعثرة وهشة، وشهد الاقتصاد تراجعا مستمرا من جهة مساهمة القطاعين الصناعي والزراعي في الناتج المحلي الإجمالي وضعف توليد القيمة المضافة عن الصناعة.
وتحولت الضفة الغربية إلى سوق خلفية للمنتجات الاسرائيلية ومعتمدة عليها، فقد بلغت الواردات من إسرائيل حوالي 62.4% من إجمالي الواردات بقيمة 4.4 مليارات دولار خلال عام 2023.
كما تحوّلت الضفة إلى ورشة إنتاج موجهة لتوفير السلع الوسيطة والنهائية والاستهلاكية للسوق الإسرائيلية، وتبلغ قيمة الصادرات الفلسطينية لإسرائيل حوالي 1.3 مليار دولار في العام 2023، ما يعادل 86% من إجمالي الصادرات.
كما أصبحت خزانا بشريا احتياطيا يوفر لإسرائيل قوة العمل الرخيصة بحسب الطلب.
وبموجب اتفاق باريس الاقتصادي الذي وقع في أيار 1994، فإن الإطار الناظم للعلاقة الجمركية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية هو نموذج "الاتحاد الجمركي" مع إذابة كافة المعيقات والحدود الاقتصادية بين الطرفين، الأمر الذي عمق واقع عدم التكافؤ والتبعية وملك إسرائيل أدوات السيطرة الكاملة على الحدود والمعابر والتجارة الخارجية، وبموجب الاتفاق تقوم إسرائيل بجباية ضرائب الاستيراد والقيمة المضافة نيابة عن الفلسطينيين وتعيد تحويلها بعد أن تخصم 3% كعمولة إدارية لها.
ويخول الاتفاق إسرائيل وبشكل أحادي الجانب تغيير أنظمة الضرائب المفروضة على البضائع المستوردة، وبالتالي تسيطر على السياسات الحمائية لمنتجاتها في سوقها وفي السوق الفلسطينية.
في ما يخص ضريبة القيمة المضافة تعمل إسرائيل على تحويل الأموال التي جبتها لقاء البضائع أو الخدمات التي بيعت في إسرائيل والمعدة للاستهلاك في المناطق المحتلة وفق نظام محاسبة شهري.
وفي كثير من الأحيان تلجأ إسرائيل إلى احتجاز أموال الضرائب المستحقة للفلسطينيين والتي تشكل ثلثي إجمالي إيراد السلطة الفلسطينية لأغراض الابتزاز أو العقاب السياسي.
وتتحكم إسرائيل بمنح تصاريح التجارة للفلسطينيين ومدد بقاء البضائع المستوردة في الموانئ ووقت وآلية تسليمها.
وترافق تراجع القطاعات الإنتاجية مع نمو القطاعات الخدماتية والتجارية، الأمر الذي سهل هجرة الفلسطينيين داخليا من أطراف الضفة الغربية وريفها إلى مراكز المدن بحثا عن الوظائف وساهم في تشكيل فقاعة مالية يملك الاحتلال أدوات سهلة وفعالة لتفجيرها في أي وقت.