«شدّ حبال» في إسرائيل: «العسكر» يدفع بالصفقة... ونتنياهو يناور
يبدو أن مناورات رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، السياسية والتفاوضية، لن تنتهي في وقت قريب. ففي كل مرة تقترب فيها المفاوضات غير المباشرة مع المقاومة الفلسطينية من محطّة حاسمة، يخرج نتنياهو بمواقف ذات سقف مرتفع، أو شروط جديدة لم تكن في أي مسوّدات أو محادثات، أو حتى في الحسبان. لكن، رغم ذلك، ليس ثمة إجماع في الكيان على أن سلوك نتنياهو، هذه الأيام، يهدف حقاً إلى تعطيل المفاوضات بشكل كامل - على الرغم من أن هذا الرأي غالب -؛ إذ إن بعض الأطراف الإسرائيلية ترى في ذلك السلوك «مناورات» تفاوضية، لا تعبّر عن حقيقة موقف الرجل. وبحسب مراسل «واللا»، باراك رافيد، فإن «بعض أعضاء الفريق المفاوض يرون أن مطلب نتنياهو تكتيكي لأغراض التفاوض فقط، ضمن محاولة الحصول على تنازلات إضافية من حماس على خلفية رغبة الحركة في وقف إطلاق النار». لكن في الوقت عينه، فإن مسؤولاً إسرائيلياً كبيراً مشاركاً في المفاوضات بشأن صفقة التبادل، يرى أن «الطلب الجديد لنتنياهو بخصوص منع عودة المسلحين إلى شمال قطاع غزة، يمكن أن يعرقل المحادثات». وكان نتنياهو طرح هذا الشرط خلال المشاورات التي أجراها حول الصفقة أول من أمس، عقب عودة الوفد التفاوضي من قطر، فيما أبدى بعض أعضاء الوفد تحفّظاً على هذا المطلب، وقالوا إنه «غير قابل للتنفيذ»، بحسب رافيد، الذي أضاف أن «نتنياهو أبلغ المفاوضين بأنه متمسّك بمطلبه». وبحسب التقارير العبرية، فإن رئيس الحكومة يقود المفاوضات بنفسه هذه الأيام، ويتدخّل في أدق التفاصيل؛ إذ وفقاً لما نقلته قناة «كان» العبرية عن مسؤول سياسي كبير، فإن «نتنياهو يعقّد المفاوضات ويريد إدارتها بنفسه، ويتابع كل صغيرة وكبيرة، ويمضي ساعات أكثر من ذي قبل فيها، وقد اتّخذ قراراً بالتصدّي للجميع، والخروج علناً لتأكيد مواقفه المتصلّبة».
وبعدما كانت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلت، أمس، عن مصادرها أن رئيس «الموساد»، ديفيد برنياع، أيّد شروط نتنياهو الذي أعاد طرحها أول من أمس، عادت وسائل إعلام أخرى لتنقض هذه الأخبار، وتقدّم تفاصيل مغايرة؛ إذ أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، نقلاً عن مصادر حضرت اجتماع «الكابنيت»، مساء أول من أمس، بأن «رئيس الموساد عبّر فقط عن تأييده للبند الأول من البنود الأربعة التي وضعها نتنياهو، والمتمثّل في حفاظ إسرائيل على إمكانية استئناف الحرب إذا خرقت حماس بنود الصفقة أو تباطأت في الانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية»، بينما «لم يؤيّد البنود الثلاثة الأخرى، والتي يعتبر أنها قد تؤدّي إلى عرقلة المفاوضات». وأشارت الصحيفة إلى أن «الأخبار التي نشرتها حاشية نتنياهو حول تصريحات رئيس الموساد، كاذبة»، مضيفة أن «هناك توتّراً واضحاً بين نتنياهو ورئيسي جهازي الموساد والشاباك»، وأن «تصريحات رئيس الحكومة وما يخرج عن مكتبه آخر 24 ساعة تثير حقيقة واحدة، وهي أنه يريد عرقلة الصفقة بأي ثمن».
من جهتها، تقول مصادر مصرية، في حديث إلى «الأخبار»، إن «نتنياهو يتمسّك بفرض شروط لم تكن موجودة، مدّعياً أن الظروف التي دفعت حماس إلى التراجع عن مواقفها السابقة، يجب استغلالها لإجبارها على مزيد من التنازلات». وبحسب هذه المصادر، فإن «ما يجري الحديث بشأنه في مرحلة اليوم التالي، يتضمّن إدارة غزة بشكل محايد لا يسمح سواء لحماس أو إسرائيل بفرض السيطرة على القطاع، على أن يكون تشغيل معبر رفح من خلال فلسطينيين من غزة، يُختارون من لوائح أسماء جرى النقاش بشأنها في الأيام الماضية، مع الإسرائيليين، على أن يكون أصحابها بمثابة رجال شرطة بأسلحة ومعدات خفيفة». وعلى الرغم من النفي المصري لوجود «ترتيبات أمنية» مع إسرائيل على الشريط الحدودي مع قطاع غزة، إلا أن مصادر مصرية أشارت الى أن «النفي هذا يأتي في ظل عدم التوصل إلى اتفاق واضح بعد»، و«تغيّر آراء المسؤولين الإسرائيليين من اجتماع إلى آخر رغم طرح النقاط نفسها».
ويمكن إجمال العقد التفاوضية الحالية (والتي قد تتطور وتتبدّل)، باثنتين أساسيتين، هما: الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، سواء من «نتساريم» أو من «فيلادلفيا»؛ وعودة النازحين إلى شمال غزة، ومطالبة نتنياهو بمنع عودة من يسمّيهم «المسلحين». وفي ما يتعلق بالعقدة الأولى، فخلافاً لتصريحات نتنياهو، فإن «إسرائيل وافقت سابقاً على إخلاء جميع قواتها من كل مناطق القطاع، بما في ذلك محورا نتساريم وفيلادلفيا ضمن المرحلة الثانية من الصفقة»، بحسب قناة «كان»، التي عرضت «وثيقة» تُظهر موافقة إسرائيل في السابق على انسحاب الجيش من «نتساريم» من دون شروط، فيما لم يكن «فيلادلفيا» قد احتُلَّ أصلاً حينها. أما العقدة الثانية، فهي متعلّقة بالأولى، إذ كيف سيضمن نتنياهو - في حال انسحبت قواته من «نتساريم» - أن لا يعود مقاتلو «حماس» إلى الشمال؟ الجواب عن هذا السؤال يقع بين اثنين لا ثالث لهما: إما أنه سيرفض الانسحاب وسيُبقي على قوات في «نتساريم» لضمان شرطه، أو سيبحث آلية تضمن ذلك من خلال قوات أخرى، غير الجيش الإسرائيلي، ربما تكون فلسطينية محلّية، من غير «حماس»، موثوقة لديه، أو «قوّات دولية»، من نوعٍ ما، وبإشراف معلوماتي واستخباري إسرائيلي.