كلام رئاسي مستجدّ... ولكن الخبر اليقين لن يأتي إلا من الجنوب
كثيرة هي الأخبار التي تتصدّر عناوين الصحف والمواقع الإخبارية عن الانتخابات الرئاسية وما يسبقها وما سيليها، بالتوازي مع ما لأخبار الحرب في الجنوب من أهمية مرافقة للحديث عن قرب إتمام تسوية عسكرية – سياسية في قطاع غزة. ومن بين هذه العناوين ما هو لافت أكثر من غيره، خصوصًا لجهة تأكيد مصادر في "عين التينة" أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يدعو إلى أي جلسة حوارية بمن حضر، مع ما لهذا الموقف من إشارات ودلائل عن أن خيار التفرّد بقرار الحرب والسلم لن تسري مفاعيله في الانتخابات الرئاسية، من دون أن يعني ذلك بالتأكيد "تسليف" أي طرف سياسي معارض من "كيس الثنائي الشيعي"، إذ أن لكل خطوة سياسية حساباتها الدقيقة، التي لا يمكن أن تُقاس بما هو مجاني أو كرمى لعيون فلان وعلتان.
ويُضاف إلى هذا العنوان البارز عناوين أخرى تبقى من حيث الأهمية في الأولويات ما قد قد يتحقق منها على أرض الواقع الرئاسي، ومن بينها عودة الحياة إلى حركة "اللجنة الخماسية" بنسختها اللبنانية، أي بما لها طابع محلي باعتبار أن أعضاءها هم سفراء لدولهم معتمدون من قِبل الدولة اللبنانية، وإن كان كل من سفيري الولايات المتحدة الأميركية ليزا جونسون وفرنسا وهيرفيه غارو لم يتم اعتمادهما رسميًا، وهما يقومان بمهامهما كقائمقامين بأعمال سفارة بلديهما. وتتحدّث هذه الأخبار وفق ما يتمّ تسريبه من معلومات أن أمام اللجنة جدول أعمال حافل، خصوصًا أن قوى "المعارضة" تقدّمت بتصور متكامل عن خارطة طريق رئاسية انطلاقًا مما سبق أن أشار إليه رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع في آخر اطلالة تلفزيونية له عن خيار المرشح المستقل.
وبالتوازي كثر الحديث، وإن كان في غير محّله الصحيح، عن انتخابات نيابية مبكرة، باعتبار أن البعض يرى أن مجلس النواب بتركيبته الحالية غير قادر على انتاج رئيس للجمهورية، مع ترجيح عدم موافقة جميع الأطراف على إجرائها في ظل التقهقر السياسي الناتج عن ممارسات خاطئة اعتمدها البعض مما أثرّ سلبًا على قواعدهم الشعبية، التي تراجعت نسبتها لمصلحة "لا أحد" تمامًا كما حصل في الانتخابات الإيرانية، حيث قررت الأكثرية الساحقة من الشعب الإيراني عدم المشاركة في التصويت لأي من المرشحين كتعبير عن رفض سياسي جاء أكثر دلالة من تعابير أخرى.
فجميع القوى السياسية تقريبًا، باستثناء "الثنائي الشيعي"، لا تضمن أن تأتي نتيجة الانتخابات المبكرة، في حال حصلت، كما هي اليوم بالنسبة إلى نسبة التمثيل الشعبي، وذلك استنادًا إلى احصائيات أجراها بعض الأحزاب والتيارات جاءت نتائجها مخيبة للآمال، ولذلك فهي تفضّل أن تبقى الأمور على حالها، وأن تعمل على إعادة تموضعها في المحور الذي يمكنه أن يؤمّن لها العدد الكافي من التمثيل النيابي، وبالأخص في المناطق التي بدأت تفقد فيها شعبيتها نتيجة عدم وضوح رؤيتها السياسية وتأرجح خياراتها غير المبنية على ثوابت لا تقبل أنصاف الحلول أو المساومات الظرفية والمصلحية.
لا شيء جديدًا يلوح في أفق الأزمة الرئاسية، والذي على أساسه يمكن أن تؤول الأمور، خصوصًا أن الوضع على الجبهة الجنوبية لا يزال على حاله التصعيدية على رغم تراجع الحديث عن إمكانية شنّ إسرائيل حرب واسعة النطاق لتشمل كل لبنان وبناه التحتية ومصالحه الحيوية. ولكن هذا التراجع لا يعني بالضرورة أن كلًا من "تل أبيب" و"حارة حريك" قد وصلتا إلى مرحلة الذهاب بعيدًا في التسويات السياسية الشاملة، والتي لا يخرج الجنوب اللبناني عن سياقها الطبيعي، بل ما يمكن قوله في هذا الصدد، ووفقًا لبعض المعلومات المتداولة، أن "حزب الله" قد وصل في مفاوضاته غير المباشرة مع الأميركيين عبر الموفد الرئاسي آموس هوكشتاين إلى مرحلة متقدمة يمكن البناء عليها لما يلي وقف الحرب على غزة.