مستوطنات جديدة و«عقوبات» على السلطة: إسرائيل تواصل ضمّ الضفة
تواصل إسرائيل تنفيذ مشروعها الاستيطاني الاستراتيجي في الضفة الغربية المحتلة، تحت ظلال العدوان على قطاع غزة وعلى مرأى من العالم، آملة في الوصول إلى المرحلة التي يكون فيها ضم الضفة قد أُنجز عملياً، وبحاجة إلى الإعلان عنه فقط. وفي هذا السياق، تندرج مصادقة «المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية» (الكابينت)، مساء الخميس، على مجموعة من القرارات، من بينها شرعنة 5 بؤر استيطانية عشوائية، وبناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة، بما يتّسق مع رؤية وزير المالية في حكومة الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش، الذي بات بمثابة عرّاب المشروع الاستيطاني. وتشمل تلك القرارات ضخ ميزانيات ضخمة لتأسيس بؤر يُنتظر أن تتحول بعد عدة شهور إلى مستوطنات كبيرة يتاح لها التمدد العمراني والأمني، وهو ما ينطبق على بقية المستوطنات التي ستتلقّى جرعة توسع إضافية، يأمل الاحتلال أن يستحيل مع وجودها إقامة دولة فلسطينية.وإلى جانب ما تقدّم، اتخذت الحكومة الإسرائيلية سلسلة من الإجراءات «العقابية» ضد السلطة الفلسطينية، بذريعة الرد على الحراك الدبلوماسي الذي تقوده الأخيرة ضد إسرائيل في المؤسسات الدولية. وفي المقابل، تقرر الإفراج عن أموال المقاصّة الخاصة بالسلطة، علماً أن دولة الاحتلال لم تتوانَ في مرات سابقة عن إعادة احتجازها، مكرّسةً إياها كسيف مسلّط على عنق السلطة. وتعقيباً على ذلك، قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن الإفراج عن أموال المقاصّة التي احتجزها سموتريتش في الأشهر الأخيرة «لن يشمل الأموال المتعلقة بقطاع غزة»، مضيفة أنه «سيتم اقتطاع الأموال التي تدفعها السلطة للمخرّبين، وفي المجمل سيفرج عن مئات ملايين الشواكل». وفيما تُعد موافقة سموتريتش على هذا القرار خطوة تكتيكية بالنسبة إليه، من شأنها تخفيف الضغوط الدولية، وتحديداً الأميركية على الحكومة الإسرائيلية لمنع انهيار السلطة، فلن يكون ثمة عائق أمامه من العودة إلى قراراته السابقة.
غير أن سموتريتش استعاض عن ذلك بفرض عقوبات أخرى على السلطة، لعلّ أخطرها سحب صلاحيات تنفيذية منها في مناطق شرق بيت لحم وجنوب شرق القدس المحتلة، أي إلغاء صلاحياتها من المنطقة المصنّفة «ب»، وإخضاعها للإدارة المدنية الإسرائيلية، بالإضافة إلى إلغاء تصاريح وامتيازات لمسؤولين فيها وتقييد حركتهم. ويعني هذا القرار تحويل 20% من الضفة إلى سيطرة إسرائيل إدارياً وأمنياً بشكل كامل، لتضاف إلى 60% تمثل المنطقة «ج»، التي تخضع للتصنيف نفسه. وفي المحصّلة، فإن الإدارة المدنية الإسرائيلية ستفرض سيطرتها الإدارية والأمنية على 80% من الضفة.
وفي أعقاب اجتماع «الكابينت»، خرج سموتريتش منتشياً، وهو محاط بقادة الاستيطان في الضفة، ليجدّد تهديده بأن الرد على من يعترف بفلسطين «سيكون إنشاء مستوطنة جديدة»، وأن الهدف هو استقدام مليون مستوطن إلى الضفة ومنع إقامة دولة فلسطينية. ويتضح ممّا تقدّم أن سموتريتش يمسك جيداً بالقرار في حكومة الاحتلال، وهو ينفذ ما أعلن عنه سابقاً، متحدياً الموقف الدولي المستهلك برفض الاستيطان، إذ جرى تشريع 5 مستوطنات هي «أفيتار» و«أدوريم» و«ساديه إفرايم» و«غفعات أساف»، و«حالتس»، في مقابل اعتراف خمس دول بالدولة الفلسطينية، هي: سلوفينيا وإسبانيا والنرويج وإيرلندا وأرمينيا.
أيضاً، لا يبدو أن سموتريتش يكترث للضغوط الدولية أو التقييمات الأمنية؛ فحسب «القناة الـ12» العبرية، فإن أجهزة الاحتلال الأمنية، من مثل الجيش و«الشاباك»، أوصت بـ«عدم المصادقة» على الخطوات التي بادر إليها سموتريتش، على اعتبار أنها قد تؤدي إلى «تصعيد أمني في الضفة»، وقد تكون سبباً آخر لـ«الصدام مع الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي»، وهو ما تسبب بجدل في جلسة «الكابينت» دفع نتنياهو إلى طلب فترة استراحة للوزراء، والانفراد بوزير ماليته بحضور وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، في محاولة لتوضيح الضرر الذي قد يحدثه هذا الإجراء في العلاقات مع واشنطن، التي من المتوقّع أن «تعارض ذلك بشدة». إلا أن سموتريتش لا يخفي نواياه ورؤيته في ما يتعلق بالضفة، فهو أمر، على فترات متلاحق، بخصم عشرات الملايين من أموال المقاصّة، وقبل أيام جدّد تأكيده وجود خطة لديه للسيطرة على الضفة وضمّها، ومعارضته إقامة دولة فلسطينية، ونيته توفير كل الدعم لاستمرار الاستيطان. كما دعا إلى قطع العلاقات مع السلطة الفلسطينية، مؤكداً أنه «مقتنع بأن الأخيرة تشكّل خطراً مباشراً على دولة إسرائيل، ويجب علينا أن نعمل على إسقاطها».
من جهتهم، سارع قادة الاستيطان إلى الترحيب بقرار شرعنة البؤر الاستيطانية. وجاء في بيان صدر عن «رئيس المجلس الاستيطاني شومرون»، يوسي داغان، أن القرار «صهيوني بامتياز ورسالة انتصار قوية»، فيما قال رئيس «المجلس الاستيطاني الإقليمي غوش عتصيون»، يارون روزنتال، إن «المستوطنة الجديدة (التي تمّت المصادقة على شرعنتها في المنطقة) ستكمل التسلسل (الجغرافي) الاستيطاني في المنطقة». وبدوره، رحّب «رئيس المجلس الإقليمي بنيامين»، ورئيس «مجلس يشع» (هيئة عليا تمثّل سلطات الحكم المحلي الاستيطانية)، يسرائيل غانتس، بالقرار، قائلاً إن «هذه خطوة من شأنها تعزيز دولة إسرائيل، شاكراً نتنياهو وسموتريتش على قيادته لهذه الإجراءات.