البزري: إذا كان الحوار ممراً إلزامياً للاستحقاق الرئاسي فلمَ لا؟
قال النائب الدكتور في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت عبدالرحمن البزري في حديث إلى «الأنباء»، إنه «رغم الجهود التي بذلت داخليا وإقليميا وخارجيا، إلا أن الانسداد في الأفق السياسي الذي يؤدي إلى عدم انتخاب رئيس للجمهورية لا يزال قائما، وأن أزمة انتخاب الرئيس هي انعكاس للأزمة السياسية العميقة التي يعيشها لبنان نتيجة لخلل في إدارة شؤونه على مدى عقود من الزمن، وتترجم دائما عند كل إستحقاق رئاسي وهي الآن تترجم نفسها».
وأكد البزري أن المبادرات الداخلية التي قامت بها كتل نيابية عدة «بدءا من تكتل الاعتدال مرورا باللقاء الديموقراطي، وصولا إلى تكتل لبنان القوي، والجهود التي بذلتها لم تثمر حتى الآن أي ترجمة إيجابية حقيقية. وإذا وقفنا عندها نستطيع أن نفسر عدة أمور، منها مدى صعوبة وعمق الأزمة السياسية الداخلية اللبنانية، وأيضا انعكاس هذه الأزمة سلبا على حياة ومصالح المواطنين، وبالتالي الضغط على القوى السياسية التي تجد نفسها مسؤولة عن إدارة شؤون البلاد، وتجد نفسها غير قادرة على تلبية متطلبات المواطنين نتيجة انهيار مؤسسات الدولة وتداعياتها بشكل مضطرد وتدريجي نتيجة للأزمة السياسية».
وعما إذا كان الحوار الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري هو مفتاح حل الأزمة الرئاسية، أشار البزري «إلى ان المبادرات التي قادتها الكتل النيابية تمكنت من تحقيق أمرين: الأول أنها حولت الانظار من أولوية انتخاب الرئيس إلى أولوية الحوار حول انتخاب الرئيس، إنما من الصعب تفسير هذه النتيجة. لكن الملاحظ أن معظم القوى أصبح لديها رغبة في الحوار أو المشاورات التي دونها بعض التفاصيل المتعلقة بكيفية الدعوة وطبيعة الحوار أو المشاورات وحجم التمثيل وغيرها من الأمور. لكن ما هو أهم من ذلك هو ضمان دعوة مجلس النواب إلى الانعقاد في جلسات متتالية بغض النظر عن نتيجة الإقتراع الأولي أو غيره، وبالتالي كل من يشارك في الحوار أو المشاورات وينضم إلى الجلسات هو متعهد بعدم مقاطعة الجلسة وعدم تطيير النصاب. هذه كلها تفاصيل جيدة لكن الشيطان يكمن في داخلها».
وعن القوى الرافضة للحوار في الموضوع الرئاسي والتي تعتبره تكريسا لعرف جديد يخالف الدستور، اعتبر البزري «أن هناك كتلة وازنة أصبحت مقتنعة أو قبلت فكرة الحوار، سواء عن قناعة أو عن نظرة عملية. ونحن من الكتل التي تريد الذهاب إلى انتخاب الرئيس الان، أما إذا كان الحوار مدخلا إلزاميا لانتخاب الرئيس أو يسهل عملية الانتخاب فلم لا؟ شرط ألا يتحول ذلك إلى عرف دستوري».
ولفت «إلى أن في لبنان الكثير من الأمور التي تجاوزنا فيها الدستور وهي غير موجودة فيه. وقد أصبحت بعض الأعراف أكثر تمسكا بها من الدستور. ويتم تعديل الأخير بشكل دائم تحت شعار ولو لمرة واحدة وإستثنائيا فقط، وهذا مؤسف للغاية واعتدنا عليه لسنوات طويلة من خلال طبقة سياسية أدارت البلاد، وكانت تفصل الدستور حسب مصالحها وبناء على قراءاتها. لذا نشدد ومع تأييدنا فكرة الحوار أو التشاور اذا كان ذلك يشكل مدخلا ضروريا لانتخاب الرئيس، على ألا تصبح هذه العادة عرفا أو سابقة».
وعن ترجيح الخيار الرئاسي الثالث رأى د. البزري «أن الخيار الثالث موجود دائما، لكن لا يعني بالضرورة إسقاط الخيارين الأول والثاني.
والخيار الثالث هو طرح احتمالات عدة وهو فكرة جاءت مع الموفد الفرنسي جان ايف لودريان عندما قال إن كلا الطرفين فشل في الحصول على الإجماع الضروري أو على الأكثرية الضرورية لانتخاب مرشحه، وبالتالي آن الأوان للتفكير بخيارات أخرى، وهذا الأمر هو في وارد كل النواب أساسا. إنما لا يعني ذلك أن الخيارين الأول أو الثاني أسقطا، فعندما نذهب إلى الحوار يحق لكل فريق أن يتمسك بمرشحه.
ومع تطور الحوار يمكن للأفرقاء أن يصلوا إلى قواسم مشتركة سواء بتغيير المرشح أو تعديل اسم المرشح أو ربط القبول به ببعض النقاط الضرورية، دون أن يعني أن الحوار، أو المشاورات، أن يتخلى من سيشارك فيه عن وجهة نظره الذي عليه أن يقنع الآخرين بها».
وعن مصير الاستحقاق الرئاسي وارتباطه واقعيا بالحرب على غزة وعلى الجبهة الجنوبية، أكد البزري «أن أزمة الرئاسة اللبنانية معقدة، وقد فشل البرلمان بعد 12جلسة من انتخاب الرئيس وذلك قبل العدوان الإسرائيلي على غزة وعلى جنوب لبنان. لكن لا أحد يستطيع أن ينفي مقدار تأثير الحرب على غزة أو الجنوب اللبناني على مسار الأحداث على دول عدة ومن بينها لبنان، ومن يتجاهل هذه الحسابات يكون غير منطقي، وهي زادت الاستحقاق الرئاسي تعقيدا أو ربما سرعت بالحل، ولا أحد يعلم».
وعن احتمال توسع دائرة الحرب على الجبهة الجنوبية مع التهديدات الإسرائيلية، وما حملته زيارة الموفد الأميركي اموس هوكشتاين الأخيرة إلى لبنان، رأى البزري أن «كل الاحتمالات واردة، لكن هناك قراءات أساسية تشجعنا على عدم المزيد من توسع الحرب بالشكل الذي شهدناه مؤخرا، أولا وربما هذا الأهم، قدرة لبنان ومقاومته على الرد المؤذي للعدو الإسرائيلي، وثانيا الأزمة التي يعيشها الإسرائيلي وهو يتخبط نتيجة طول عملية الحرب، وثالثا الضغط الدولي والعربي الصديق، على كل المكونات الدولية لمنع المزيد من التدهور، وأن يتحول العدوان الإسرائيلي إلى عدوان واسع».
وقال البزري إن مهمة هوكشتاين الذي سبق وقال انه لن يأتي إلى لبنان «إلا اذا وجد إيجابية من جانب المحتل الإسرائيلي، دون أن ننسى أن هوكشتاين هو مندوب الرئيس الأميركي جو بايدن ولا يحمل صفة ثانية، وجميعنا يعلم أن بايدن خلال أسابيع سوف يكون عنده الدور الأكبر له كونه مرشحا للانتخابات الرئاسية، وبالتالي اذا لم يستطع أن ينجز شيئا ايجابيا في هذه المرحلة فقد يكون أحد الرؤساء الأميركيين الذين قد يدفعون ثمن وجود حرب لم تستطع الولايات المتحدة الأميركية إيجاد صيغة لإيقافها أو هدنة لها. لذا التوقيت الأميركي محشور والإسرائيلي لديه أزمة داخلية، ولبنان أساسا ليس في وارد التصعيد، كل هذه النقاط اذا ما التقت مع بعضها ربما تنتج إيجابية».