حمية يبحث في موسكو عن تمويل وخبرات: سكّة حديد تربط لبنان بأربع دول
في زيارته لموسكو، عقد وزير الأشغال العامة علي حمية، اجتماعاً على هامش مشاركته في منتدى سانت بيترسبورغ الاقتصادي SPIEF 2024 مع المدير العام لشركة «سكك الحديد الروسية» أوليغ بيلوزيوروف. وبحسب بيان المكتب الإعلامي للوزير فإن الهدف كان «الإفادة من الخبرات الروسية المتطورة في قطاع سكك الحديد والنقل». لكنّ المعطيات الواردة من موسكو، تشير إلى أن الهدف هو البحث في وصل لبنان بمشروع سكك الحديد الذي يربط إيران بالعراق وصولاً إلى سوريا، «إذ لا معنى له إذا لم يصل إلى البحر المتوسط» كما نُقل عن الوزير علي حمية. وسبق للوزير حمية أن ناقش هذا الأمر مع وزير النقل العراقي الذي زار بيروت قبل أسبوعين. حمية ينطلق من أن هذا المشروع يمثّل جدوى استراتيجية كبيرة للبنان الذي سيستفيد من ربطه بأسواق كبيرة لنقل الأفراد والبضائع، لذا يبحث عن تمويل للوصلة التي يجب تنفيذها لربط لبنان بخطّ سكك الحديد هذا، ويبحث عن خبرات لتنفيذها وتفنيد جدواها.في الواقع، يحاول حمية، منذ عام 2022، البحث عن آليات تمويلية وتنفيذية لربط لبنان بهذا الخطّ. وفي أكثر من سياق، كان حديثه مركّزاً على خطوط سكك الحديد الداخلية التي يجب ربطها بشبكة سكك حديد تربط لبنان بسوريا والعراق وإيران. هذا المشروع يمكن أن يربط كل الدول المذكورة بالبحر الأبيض المتوسط، وهو ما يتيح لها الاستفادة من نقل البضائع من وإلى أوروبا بكلفة أقل. كما يمكن لمشروع كهذا أن يعزّز فكرة التكامل الاقتصادي بين هذه البلدان، لأن وجود شبكة نقل سهلة وغير مكلفة نسبياً يسهم في زيادة برامج التعاون الاقتصادية بين البلدان.
بالفعل، بدأ تنفيذ أول خطوة فعلية من هذا المشروع في أيلول الماضي عندما وضع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ونائب الرئيس الأول في إيران (في حينه) محمد مخبر، الحجر الأساس لمشروع الربط السككي بين منطقة شلمجة الإيرانية على الحدود الإيرانية العراقية ومدينة البصرة. الهدف هو ربط نقطة البصرة بالعاصمة بغداد ثم منها إلى الحدود السورية، حيث يمكن سلوك عدّة مسارات؛ بحسب تقرير أصدره مركز القوة العسكرية والسياسية، بعنوان «الجسر المحترق: الممر البري الإيراني إلى البحر الأبيض المتوسط»، هناك ثلاثة مسارات لهذا الطريق: الأوّل، يصل إلى شمال سوريا عبر مدينة اليعربية، إلا أنه مسار مغلق بسبب وقوعه تحت سيطرة القوات الكردية السورية. والثاني، يمرّ عبر معبر البوكمال في شرق سوريا، وهو طريق مفتوح أمام الدولة السورية، وهو المسار الأكثر ترجيحاً. أما الثالث، فهو يمرّ عبر التنف، لكن هذا المسار غير قابل للتطبيق حالياً لأن منطقة التنف تقع تحت السيطرة الأميركية.
عموماً، يمكن إدخال لبنان في هذا المشروع بسهولة، ومن المنطقي أصلاً أن يُستكمل خط سكك الحديد هذا عبر الأراضي اللبنانية وربطه بمرفأي بيروت وطرابلس، بحيث يُصبح لبنان هو الرابط الأساسي للدول المساهمة في خط سكك الحديد هذا. من ناحية، يمكن استغلال الامتداد السياسي الطبيعي مع إيران والعراق وسوريا للدخول في مشروع مثل هذا. ومن ناحية أخرى، يمكن استغلال موقع مرفأ بيروت ودوره الأساسي في المنطقة، خصوصاً قبل حرب سوريا، عندما كان يربط المنطقة العربية بالبحر المتوسط.
يربط هذا الخط المحتمل، ناتجٌ محلّي مجموعه نحو 704 مليارات دولار. وله أهميات عدّة من ناحية نقل الأشخاص والبضائع بين الدول، وهو ما من شأنه أن يوسّع الحركة الاقتصادية للدول المذكورة، ويربط بعضها ببعض ويربطها بباقي الدول المجاورة، إذ إن هذا الخط يمكن أن يربط لبنان بالشرق، وصولاً إلى الصين التي بدأت منذ سنوات بمشروع فتح الخطوط الاقتصادية مع إيران. علماً أن هذا المشروع يسير ببطء حالياً، إلا أنه مشروع «تعمَّدَ» بتوقيع اتفاقيات تفوق قيمتها 200 مليار دولار منذ سنتين. وبحسب تقرير مركز القوّة العسكرية والسياسية، فإن الصين لم تعلن أي خطط لتطوير شبكة السكك الحديدية عبر العراق وسوريا، إلا أنها عملت مع إيران في سياق مبادرة «الحزام والطريق» واستثمرت بكثافة في شبكة السكك الحديدية الإيرانية من أجل ربط إيران بآسيا الوسطى. وقامت شركة صينية، ببناء شبكة قطارات عالية السرعة المستخدمة في خط سكك الحديد الحالي بين بغداد والبصرة. لذا، تزداد احتمالات أن يكون مشروع الخط الممتد من إيران إلى لبنان بادرة لربط لبنان فعلياً بالشرق. كما أن هذا الخط يربط كلّاً من العراق وإيران بالبحر المتوسط، مع ما يعنيه ذلك من فتح هذه الأسواق على الأسواق المُطلّة على المتوسط، مثل أوروبا. فقد يجد النفط العراقي مدخلاً إلى السوق الأوروبية بكلفة نقل أقل، تمرّ عبر سوريا ولبنان براً ومن ثم المرور عبر البحر المتوسط إلى أوروبا.
من ناحية أخرى، فإن خطّ سكة الحديد هذا، يربط الدول التي تشترك فيه بعضها ببعض، ما يجعل أي محاولات للتكامل الاقتصادي ذات معنى أعمق، ويفتح المجال لتوسيع الكثير من القطاعات، ولا سيما القطاع السياحي الذي يستفيد من نقل الأشخاص بكلفة منخفضة ووقت قصير نسبياً. ومنها القطاعات الإنتاجية التي يمكن أن تستغلّ ميزات كل بلد لبناء قطاعات إنتاجية متكاملة بين البلدان تستطيع أن تنافس في الأسواق الخارجية.
إن دور خط سكة الحديد في هذا المسار يأتي من الدور الأساسي الذي يلعبه قطاع النقل في التنمية الاقتصادية. فلا يمكن قيام نشاط اقتصادي بدون أهم عناصر البنية التحتية، أي النقل ولا سيما إذا كان الهدف ربط نشاطات تبتعد عن بعضها آلاف الكيلومترات. هذه هي الفرص التي يمكن أن يخلقها خط سكة الحديد الممتد من إيران إلى لبنان.
هذا الخط يعني فتح مجالات أكبر للشركات اللبنانية، كما يفتح المجال أمام أي شركات جديدة للدخول إلى السوق. وهذا الأمر يشمل المصانع التي قد تستفيد من وجود خط نقل غير مكلف وسهل من بلدان أخرى. هذا الأمر يعني نموّ الحركة الاقتصادية في لبنان. ومن المنطقي أن تقوم هذه المصانع بالتمركز في أماكن قريبة من مراكز توقف القطارات، تسهيلاً لحركة النقل من وإلى القطارات، ما يخلق فرص عمل في أماكن بعيدة عن المركز الاقتصادي، المُتمثّل بالعاصمة بيروت، وهو أحد أهم أسباب مشكلة النقل في العاصمة. كما أن وجود خط سكة حديد في لبنان سيدفع إلى المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع. وبالتالي يمكن أن يكون بادرة لإنشاء سكة حديد تربط الجغرافيا اللبنانية ببعضها، مع ما يعنيه ذلك من فائدة على الاقتصاد وخدمة النقل في البلد.
الصعوبات التي تعيق مشروعاً كهذا تتخطى السياسة. فبالإضافة إلى الممانعة السياسية لفكرة فك الارتباط، ولو جزئياً، مع الغرب، والذي من المُتوقّع أن يمارس الضغط بشتّى الطرق لوقف مشروع كهذا. هناك صعوبات أخرى، تتعلّق بنقل شكل الاقتصاد السياسي في البلد إلى مكان آخر، وإعادة هيكلة القوى الاقتصادية وبالتالي تضرر القوى الاقتصادية الحاكمة للاقتصاد اليوم، المتمثلة بطبقة المصرفيين والتجّار الكبار. بمعنى أدق، سيشهد مشروع كهذا معارضة سياسية واقتصادية كبرى، وهو ما يحتاج إلى قوة ضاغطة مقابلة.