«التعاونية» تُعيد التغطية الصحية إلى 90%
هربت الحكومة من تصحيح رواتب موظفي القطاع العام، نحو زيادة تمويل «الصناديق الصحية». ففي موازنة 2024 لحظت زيادة لتمويل 8 صناديق صحية بقيمة تبلغ 17.4 ألف مليار ليرة. شملت هذه الزيادة: تعاونية موظفي الدولة، صندوق تعاضد القضاة، صندوق تعاضد النواب، صندوق تعاضد قضاة المحاكم الشرعية المذهبية، صندوق تعاضد موظفي مجلس النواب، صندوق تعاضد أساتذة الجامعة اللبنانية، صندوق المعلم، صندوق تعاضد المساعدين القضائيين.
في السنوات الماضية، كان مصطلح الصناديق الضامنة هو الطاغي على كل النقاشات بشأن التغطية الصحية. ودائماً ما كان محور النقاش يدور حول توحيد الصناديق الضامنة، ومعايير التقديمات بهدف تخفيف الكلفة الإجمالية التي تدفعها الخزينة عبر إلغاء تشتّت الإنفاق. لكن السياسات الزبائنية التي اتبعتها الدولة سابقاً، استمرّت بعد الأزمة، فأبقت تعددية الصناديق الصحية في مقابل تجميد أي نقاش في تصحيح سلسلة الرتب والرواتب بهدف «الإسكات»، والمواصلة في استعمال الأدوات التي خلقتها بعيداً من أساس الراتب، مثل البدلات والتعويضات التي لا تدخل في احتساب أساس الراتب ولا في تعويضات العاملين في القطاع العام.
صندوق «التعاونية» هو واحد من أكبر الصناديق الضامنة المموّل بنسبة 80% من مساهمات الدولة السنوية ويستفيد منه نحو 37 ألف موظف إداري وأستاذ ومستخدم في المؤسسات العامة والبلديات، بحسب أرقام مجلس الخدمة المدنية. وفي عامَي 2020 و2021 تهاوت تقديمات التعاونية بسبب تدهور سعر صرف الليرة وصارت قيمة ما تسهم فيه التعاونية تساوي 10% من فاتورة الاستشفاء. وبين عامَي 2022 و2023 ارتفعت المساهمة 3 أضعاف من 1.5 ألف مليار ليرة إلى 4.7 آلاف مليار من دون أن يؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في نسبة تغطية فاتورة الاستشفاء. لكن في عام 2024 زيدت مساهمة الخزينة في التعاونية 3 أضعاف إلى 14 ألف مليار ليرة، أو 156 مليون دولار، ما رفع قدرتها على التغطية التي استعادت 70% مما كانت عليه في عام 2018 حين كانت 215 مليون دولار، إلا أنه بسبب انخفاض عدد المنتسبين إلى التعاونية، أصبحت الاعتمادات المرصودة في 2024 تغطي 90% من فاتورة الاستشفاء و75% من الأدوية والطبابة خارج المستشفيات.
ويروي المدير العام لتعاونية موظفي الدولة يحيى خميس الخط التصاعدي لإعادة تقديمات التعاونية إلى ما كانت عليه قبل الأزمة: «في حزيران 2022 حصّلنا وفراً من إمكاناتنا الخاصة، فرفعنا التقديمات 4 مرات. وفي نهاية العام نفسه تمكنّا مرة أخرى من الوصول إلى دولار صحي قيمته 15 ألف ليرة بعد رفع التقديمات 10 مرات، ما أوصل تغطية التعاونية إلى 15% من قيمة الفاتورة. واليوم، عادت التغطية الصحية لما كانت عليه قبل الأزمة».
لكن التعديل لإعادة التغطية إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، أتى متأخّراً، إذ يشير أحد المديرين العامين في المالية إلى أن «التعاونية آخر صندوق ضامن تحسّن وضعه. فصندوق تعاضد القضاة يعطي تقديمات أكبر بكثير من تلك التي تقدمها التعاونية مثل متمّمات على الرواتب، والقضاة قبل الأزمة كانوا يأخذون نصف راتب إضافي على رواتبهم، والرسوم التي يحصلونها تذهب لدعم رواتبهم لا إلى الخزينة».
وأشار خميس إلى أنه في حال بقيت الليرة مستقرة «لن نطلب المزيد من الأموال في الموزانة القادمة»، لافتاً إلى المعاناة الكبيرة لموظفي القطاع العام في السنوات الماضية، إذ لجأ بعضهم إلى بيع أثاث منزله للدخول إلى المستشفى، فيما أهمل الجزء الآخر منهم وضعهم الصحي ولم يقصدوا المستشفيات إلا عند تردّي حالتهم. وأمام هذا الواقع أعدّت التعاونية دراسة حول أوضاع الموظفين ورفعتها إلى الحكومة وأقنعت بها رئيس الحكومة ووزير المالية».
تتميّز تعاونية موظفي الدولة بسمعة حسنة بين الصناديق الضامنة في لبنان، ومنها الضمان الاجتماعي. استقلاليتها الإدارية والمالية أتاحت لها اتخاذ قرارات أسهمت في زيادة شفافيتها مثل رفع مساهمة الموظفين من 1% إلى 3% من قيمة رواتبهم، وفرض التفرغ على الأطباء العاملين لديها كمراقبين، إذ «لا يصح أن يعمل الطبيب في المستشفى نفسها التي يراقبها لمصلحة التعاونية»، يقول المدير العام السابق للتعاونية أنور ضو الذي يذكر أيضاً «قيام الإدارة المالية في التعاونية بالتدقيق المكرر في فواتير المستشفيات، وهذا ما أدى قبل الأزمة إلى عدم وقوع التعاونية في عجز قبل الأزمة».