الجنوب يتعرّض للفوسفور الأبيض... "هيومن رايتس" تحسم
على وقع التصعيد العسكري في الجنوب بين إسرائيل و»حزب الله»، منذ الثامن من تشرين الأول 2023، حسمت «منظمة هيومن رايتس ووتش» في تقرير أنّ القوات الإسرائيلية استخدمت قذائف الفوسفور الأبيض في قصف ما لا يقل عن 17 بلدة في جنوب لبنان، ممّا عرّض حياة المدنيين للخطر وساهم في تهجيرهم.
ووفق مصادر جنوبية لـ «نداء الوطن»، فإنّ الفوسفور الأبيض الذي يحتوي على مادة حارقة استخدم في قصف مناطق الضهيرة، كفركلا، ميس الجبل، البستان، مركبا، عيتا الشعب وعيترون، وهي البلدات السكنية التي تعدّ من بين الأكثر تضرراً خلال ثمانية أشهر من المعارك العسكرية.
ويروي مسؤول ملف النازحين في بلدة الضهيرة خلدون فنش لـ»نداء الوطن» أنّ إسرائيل» استخدمت الفوسفور الأبيض بعد أيام قليلة على اندلاع المواجهات في الجنوب، وتحديداً في 17 تشرين الأول، حيث قصفت البلدة وأطرافها بنحو 224 قذيفة، ما دفع بسكانها في اليوم الثاني إلى النزوح عنها قسراً. وفي تلك الفترة أصيب الأهالي بالخوف وبحالات من الاختناق وضيق التنفس، بسبب العدد الكبير من القذائف التي استهدفت أطراف البلدة واستمرت من الساعة الثامنة مساء حتى الخامسة والنصف فجراً، وقد غطى الدخان الأبيض سماء المنطقة فشهدت البلدة أكبر عملية نزوح. وبعد عشرين يوماً عاد عدد كبير من الأهالي مجدّداً، وكان منزل رئيس البلدية عبد الله الغريب قد أصيب بإحدى القذائف وعندما تمّ تحريك الردم اشتعلت النيران فيه مجدّداً، من المادة الحارقة الموجودة في القذائف، بينما خسرت 50 قفيراً من النحل، بقيمة نحو 10 آلاف دولار أميركي، كما حال بستان القشدة والافوكا».
وأوضح فنش «أن البلدة اليوم خالية من العائلات باستثناء عشرة أشخاص يقومون برعاية الأبقار والأغنام لديهم، وهم يعيشون في حالة من القلق والخوف الدائمين، نتيجة القصف الإسرائيلي العشوائي والذي لم يرحم البشر ولا الحجر ولا المزروعات».
وتضمّن تقرير «هيومن رايتس ووتش» مقابلات مع ثمانية اشخاص من سكان البلدات، واوضحت المنظمة أنها تحققت من الصور وحدّدت الموقع الجغرافي من خلال 47 صورة ومقطع مسجّل مصوّر، تظهر قذائف الفوسفور الأبيض تسقط على مبان سكنية في خمس بلدات حدودية، بينما أكدت وزارة الصحة اللبنانية أن 173 شخصاً على الأقل احتاجوا إلى رعاية طبية بعد تعرضهم للفوسفور الأبيض.
وأكد رئيس بلدية عيتا الشعب محمد سرور لـ»نداء الوطن» استخدام إسرائيل للأسلحة المحرّمة دولياً، وقال: «منذ اليوم الأول للمعارك العسكرية قصفت إسرائيل البلدة بالقذائف الفوسفورية من أطرافها إلى قلبها، كنت أتواجد عند أولادي في الأطراف وكانت الرسالة واضحة وحاسمة «فلوا». وأوضح أن الأهالي سارعوا إلى النزوح بعدما أصيب عدد منهم بحالات اختناق وقد تلقوا العلاج في مستشفيات المنطقة، واليوم لم يعد يوجد أي شخص في البلدة البالغ تعداد سكانها نحو 14 ألف نسمة، وإذ أراد أحد تفقّد منزله يتم استهدافه، منذ أيام قليلة قضى اثنان من أبنائها المدنيين».
ولفت سرور الى «أنّ البلدة مقابلة لثلاثة مواقع عسكرية إسرائيلية، وكلما نفّذت المقاومة عملية ضدّهم، انتقمت إسرائيل باستهداف البلدة، لم يسقط فيها حتى اليوم أي مقاوم لأن العمليات تجري من خارجها ورغم ذلك فقد دمّرت بهدف التخريب ودفع الناس إلى النزوح».
وشدد على ضرورة «محاسبة إسرائيل على جرائمها وعلى استخدامها القذائف الفوسفورية المحرّمة دولياً، ولكن المشكلة تكمن في الدول الداعمة لها، بحيث إذا أدينت يتم استخدام حق النقض «الفيتو»، إنه قانون دولي أعوج بحاجة إلى إعادة تعديل لمحاسبة إسرائيل».
والفوسفور الأبيض، وفق المنظمة الحقوقية الدولية، مادة كيميائية تستخدم في قذائف المدفعية والقنابل والصواريخ، وتشتعل عند تعرّضها للأوكسجين، وتتسبّب آثارها الحارقة بالوفاة أو بإصابات قاسية تؤدي إلى معاناة مدى الحياة. ويمكن أن يشعل الفوسفور الأبيض المتفجر النار في المنازل والمناطق الزراعية وغيرها واستخدام هذه المادة المحرّمة دولياً في المناطق المأهولة بالسكان هو عمل عشوائي غير قانوني.