أزمة الكهرباء إلى مزيدٍ من الاستفحال
على أبواب موسم الصيف وما تُشكّله الطاقة من حاجة مُلحة للبنانيين عموماً وللقطاع السياحي خصوصاً، يبدو المشهد وكأنّه يُرواح مكانه في إيجاد الحلول القادرة على معالجة ولو جزئيّة لأزمة الكهرباء «المُستفحلة» منذ سنوات في لبنان. والأمر لا يتعلّق بمُجرّد تأمين الفيول أو فتح الإعتمادات لها بل يتخطّى ذلك إلى موضوع صيانة المعامل وتأمين المعدّات اللازمة. إضافةً إلى علامات استفهام كبيرة حول دور الشركة المُشغلة لمعمليْ الجية والزوق وما يفوح منها من رائحة في هذا الملفّ، وأخيراً وليس آخراً الإشتباك الوزاري حول موضوع الطاقة المُتجدّدة بشأن العرض القطري الذي يُمكن أن يُساهم بتحسّن ملحوظ في التغذيّة الكهربائيّة.
هذه التراكمات في ملفّ «حياتي هامّ» تتناولها خلال حديث مع صحيفة «نداء الوطن» الخبيرة القانونيّة في شؤون الطاقة المحامية كريستينا أبي حيدر.
المشاكل الحقيقيّة
بدايةً، تُوضح أبي حيدر أنّه «في ظلّ كل ما يَحدث، يصوّر السياسيون للرأي العام اللبناني مشكلة الكهرباء وكأنّها مختصرة باستيراد الفيول والغاز وأن عدم توافرهما بالكميّات المطلوبة هو سبب إنقطاع الكهرباء، وأن زيادة الإنتاج تستوجب شراء كميّات إضافيّة من هاتيْن المادتيْن»، لافتةً إلى أنّ «من دون شكّ هذه مشكلة حقيقيّة وأساسية، والبلد وصل إلى العتمة نتيجة نقص الدولارات وعدم القدرة على شراء الفيول والغاز للتوليد. إلّا أنّه بالنظر إلى أزمة الكهرباء، يتبيّن وجود مشاكل أخرى حقيقيّة لا يتمّ تسليط الضوء عليها».
وتُعدّد هذه المشاكل، موضحةً أن أولاها «عدم وجود كميّات كافية من الفيول والغاز والتعويل فقط على مصدر واحد للفيول هو العراق، بالتالي السؤال الذي يطرح هو هل بدأ العقد الجديد مع العراق؟ ما الكميات التي يتمّ استيرادها؟ ما المقابل الذي تأخذه العراق؟ هل من خطة لتنويع مصادر الطاقة؟ كلها أسئلة تطرح لتوضيح مدى استدامة العقد والفترة المُمكن أن تغطيها الكميّات المستوردة».
وتُتابع أبي حيدر «المشكلة ليست محصورة فقط بما تقدّم، بل لدينا مشكلة أخرى هي الصيانة والتشغيل. فالمعامل الموجودة مشغّلة إما مباشرةً من قبل مؤسسة كهرباء لبنان أو عبر مشغلين من القطاع الخاص. اليوم بعض هذه المعامل متوّقف عن الإنتاج بسبب المشاكل القانونية مع عدد من الشركات التي تتولى الصيانة والتشغيل. بالتالي ما مصير هذه المعامل غير المشغّلة؟ وما مصير الدعاوى (التحكيم)؟».
نقطة أساسيّة
وتتطرّق إلى نقطة ثالثة أساسية هي الشبكة. وفق أبي حيدر «الشبكة ثلاثة أنواع، وهناك هدر فني كبير حاصل نتيجة إنعدام التأهيل. لم تُخصّص أي ميزانية لتطوير أو توسيع أو حتى تأهيل الشبكة منذ سنوات. فما مصيرها؟ وهذا الملف يأخذنا إلى آخر مرتبط به وهو الشبكة المنخفضة في الأحياء والتي يسيطر عليها مقدمو الخدمات. العقد مع مقدمي الخدمات ينتهي في نهاية أيلول المقبل من دون القدرة على إعادة تجديده دون إجراء مناقصة شفافة وفق قانون الشراء العام، مع ما يستتبع ذلك من تنظيم دفتر شروط واضح ومُفصل يفتح الباب أمام المنافسة. علماً أنه مع وجود مقدمي الخدمات المشاكل قائمة، فكيف بغيابهم؟ ما مصير هذا الملف؟ هل من إمكانية للتجديد؟ هل من غطاء قانوني لذلك؟ هل ستطلق مناقصة جديدة؟ مَن سيحل مكان مقدمي الخدمات؟ هل لدى كهرباء لبنان قدرة على تولي هذه المهام في ظل العجز التي تواجهه على مختلف المستويات؟ خصوصاً وأن أيلول على الأبواب ولم يبدأ التحضير للمناقصة أو يتخذ أي قرار في هذا السياق».
عرض «توتال إنرجي» و«قطر إنرجي»
هذا وتذكّر بـ «العرض الذي يتم طرحه من قبل «توتال إنرجي» و»قطر إنرجي» لتأمين 100 ميغاواط من الطاقة الشمسية. هذه مبادرة مرحب بها، لا سيّما وأن لبنان بحاجة إلى تنويع مصادر طاقته، كما أنها خطوة تُحفز على استخدام الطاقة المُتجدّدة وتُساعد البلد على الإقتراب من تحقيق التزاماته الدولية والوطنية، إلّا أنّها بحاجة إلى الكثير من التوضيحات والأجوبة على سلسلة من الأسئلة:
«منها معرفة المنطقة الممكن تنفيذ المشروع فيها إذ إنه بحاجة إلى مساحات كبيرة. ما هو الغطاء القانوني لتطبيق هكذا مشروع، خصوصاً وأن القانونين 462/2002 وقانون الطاقة المُتجدّدة الموزعة لا يمكن الإتكال عليهما مع عدم تعيين الهيئة الناظمة، وكون قانون الطاقة المتجددة الموزعة ينطبق فقط على مشاريع إنتاج الطاقة المتجددة التي لا تتخطى الـ 10 ميغاوات. فهل سنُعيد تجربة البواخر ويعطي مجلس الوزراء إذن التنفيذ وكأننا نستأجر هذه المحطات؟ كيف ستكون أسعار التكلفة؟». بالإضافة الى مدى ارتباط هذا العرض بما طرحه وزير الإقتصاد عن إستعداد قطر لبناء ثلاثة معامل لإنتاج الطاقة الشمسية، وإذا كان هذا الطرح هو هبة ما يقتضي إصدار مرسوم قبول هبة من مجلس الوزراء لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، أم أنه عرض بناء ثلاثة معامل على أنْ يدفع لبنان ثمنها ما يُعيد طرح الأسئلة أعلاه المُتعلّقة بالإطار القانوني لعرض توتال وقطر إنرجي».
الموضوع الأخطر
أما الموضوع الأخطر الذي طرح بالنسبة إلى أبي حيدر فهو «إعادة إحياء فكرة تنفيذ محطات «التغويز FSRU. إذْ في العام 2017 أطلقت مناقصة لثلاث محطات تغويز وربحتها قطر مع الإيطاليين. فما مصير هذه المناقصة؟ هل سيتمّ إحياؤها؟ هل لبنان بحاجة إلى هذه المحطات في ظل وضعه المالي الحالي؟ ألا يجب إجراء دراسة لمعرفة ما إذا كان البلد لا يزال بحاجة إلى محطات التغويز؟ هل نحن بحاجة إلى 3 محطات اي محطة لكل طائفة؟ كيف ستدفع التكاليف؟ إنْ تمّ الإتفاق على محطة واحدة أين ستوضع؟ كيف ستتأثّر أسعار الغاز المخصّصة لتوليد الطاقة مع تنفيذ المحطات؟».
لا إرادة جديّة... حلول ترقيعيّة
وتختم أبي حيدر حديثها، مؤكّدةً أنّ «كل الأسئلة المطروحة بحاجة إلى طرح جدي وأجوبة. لكن، لا يجب أن ننسى أنّ أحد أبرز مشاكل الكهرباء وسبب الأزمة الجوهري يبقى عدم توفّر الإرادة السياسيّة لحلّها وإنعدام والرغبة بتأمين الكهرباء. لم نرَ أيّ من الإصلاحات العامّة التي يطلبها صندوق النقد والبنك الدولي وحتى المجتمع الدولي تُنفذ، في حين أنه لا يُمكن حلّ أزمة الكهرباء من دونها. نسمع فقط بحلول ترقيعيّة وبفقاعات إعلاميّة وبوعود وهميّة، مقابل إستمرار كارتيل المولدات بالسيطرة الحقيقيّة على هذا القطاع مع زيادة مُعدّلات التلوّث وتسجيل لبنان أعلى أسعار التعرفة الكهربائيّة حول العالم».