مبادرات تمرير الوقت.. لا حلّ خلال الحرب
كل المؤشرات السياسية الداخلية توحي بأن الإيجابية التي أعطاها "حزب الله" للمبعوث الفرنسي جان ايف لودريان كانت كبيرة ولافتة، خصوصاً في ما يتعلق بالإستحقاق الرئاسي وضرورة إنتخاب رئيس وإستعداد الحزب للذهاب بعيداً في إتجاه المساهمة في عقد جلسة إنتخاب، كما ان تحرك الحزب "التقدمي الإشتراكي" بإتجاه الأفرقاء وربطاً بالقراءة العميقة الدائمة للنائب السابق وليد جنبلاط، يوحي بأن الحلّ الداخلي بات قريباً، لكن كل ذلك لا يخرج من إطار تمرير الوقت ومساعي الأطراف لحجز موقع سياسي داخلي قبل أن يحين موعد التسوية الشاملة في المنطقة.
لقد كان العنوان الأساسي لتصريحات "حزب الله" في المرحلة الماضية هو عدم ربط الأزمة السياسية الداخلية بالحرب الحاصلة في الجنوب والمرتبطة بدورها بالحرب في غزة، لكن هذه التصريحات، حتى لو كان الحزب صادقاً فيها، ليست واقعية، فكيف يمكن فصل لبنان والتسوية الداخلية فيه التي ستؤثر على التوازنات، بالحدث الضخم الذي يفرض نفسه في المنطقة ككل، خصوصاً أن الحزب منخرط حتى العظم في هذا الحدث، لا بل أصبح المؤثر الأول فيه، وعليه فإن التأثيرات على لبنان ستكون تلقائية.
بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز العام 2006، رفض "حزب الله" بشكل علني أن يستفيد من إنتصاره على الجيش الإسرائيلي في الجنوب في الداخل اللبناني وأهدى أمينه العام الإنتصار الى جميع اللبنانيين، لكن في الواقع قام وزراء الحزب بالإنسحاب من الحكومة ودخل البلد في أزمة سياسية كبيرة أدت في نهاية المطاف إلى إتفاق الدوحة وتكريس فكرة "الثلث المعطل" الامر الذي قد يكون انعكاساً واضحاً على تقدم الحزب ميدانياً خلال الحرب وتأثراً داخلياً بالتوازنات الجديدة.
هذه المعادلة لا تنطبق فقط على "حزب الله" بل على مختلف القوى الداخلية والإقليمية، وعليه فإن الحديث عن تسوية وإيصال رئيس جديد اليوم، بغض النظر عن نتائج الحرب العسكرية الحاصلة، يعدّ ضرباً من الخيال، فمن سيقبل أن يوافق على مرشح "قوى الثامن من اذار" رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية قبل وقف إطلاق النار، على اعتبار أن نتائج الحرب قد لن تكون لمصلحة الحزب الذي سيكون مضطراً إلى الإنكفاء سياسياً وتقديم التنازلات، وكذلك لا يمكن للحزب التخلي عن فرنجية اليوم، على اعتبار أن لديه قناعة بأن إنتصاره حتمي وأن إيصال فرنجية سيكون أسهل لاحقاً.
لكن،في مقابل هذا الأمر لا يمكن للاطراف المعنية ترك الساحة الداخلية من دون أي مبادرة، لأن هذه المبادرات تخدم أكثر من هدف وغاية، الأولى جسّ النبض المستمر للاطراف الداخلية ومعرفة سقوفها التفاوضية وحجم التنازلات التي تكون مستعدة لتقديمها خلال اي مرحلة، والثانية هي حفاظ الأطراف المبادرة على دورها وحضورها، وعلى سبيل المثال فرنسا التي تريد أن تبقى مبادرة وصاحبة كلمة في الداخل اللبناني ولا ترغب بترك الساحة للقطريين، وهذا ينطبق أيضاً على الحزب "التقدمي الإشتراكي" المصر على ان يكون له دور وسطي في الحياة السياسية الداخلية.
ما يحصل اليوم يحرك المياه الراكدة لكنه لن يوصل إلى نتيجة، إذ ان الاهتمام الفعلي للدول المؤثر في المنطقة والعالم ينصب اليوم على فلسطين وقطاع غزة والتطورات العسكرية التي قد تبدل التوازنات لسنوات طويلة مقبلة، لذا فإن الواقع اللبناني سيبقى على "الرفّ" في المرحلة الحالية مع إستمرار "إبر البنج" من خلال مبادرات وإقتراحات ومفاوضات يقودها ديبلوماسيون وسياسيون..