"الحزب" يجمع التبرعات: مشروع "الرصاصة" صار صاروخاً
يحاول "حزب الله" إشراك بيئته في الحرب، عبر حملة تبرعات أطلقها في منصات التواصل الاجتماعي، لشراء صواريخ ومسيرات، بموازاة الحرب الدائرة على الحدود الجنوبية التي أطلق فيها الحزب آلاف الصواريخ وعشرات المسيرات، منذ 8 تشرين الثاني/اكتوبر الماضي.
وتقول الحملة الأولى "إرفع راسك لفوق، للسما، وشوف دعمك وين صار، مسيّرة ميسّرة، وعين الله ترعاكِ... ساهم بمشروع ثمن مسيّرة"، فيما تطلب الحملة الثانية الدعم لشراء صاروخ وتقول: "دعمكم بيوصل متل هالصاروخ، ساهم بمشروع ثمن صاروخ"، وترافقها مشاهد من عمليات حزب الله ضد المواقع الإسرائيلية.
والحملة ترعاها "هيئة دعم المقاومة الاسلامية" التي يصطلح الحزب على تسميتها "قجة المقاومة"، وهي هيئة جمع تبرعات تأسست العام 1990، وعملت على جذب التبرعات المالية لتمويل العمل العسكري في الجنوب اللبناني. وكان استحداث القجّة من المشاريع الأولى للهيئة، حيث اختير مجسّم قبة الصخرة للتأكيد على أن "البوصلة الأساسية هي تحرير فلسطين".
وحظي المشروع منذ بدايته، بدعم قيادة الحزب، ويشدّد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في مناسبات عديدة، على ضرورة وجود هذه القجّة في كل منزل، لما تحمله من معان تربوية قبل أن تكون مادية بحسب إعتقاده.
وعلى مدار السنوات المُمتدة بين العامين 1990 و2000، نشطت الهيئة وسط حملات مستمرة وأخذت المشاريع تتوالى من الاشتراك الشهري، الى مناسبات دينية لجمع التبرعات، وكانت أشهر الحملات آنذاك حملة "شارك بثمن رصاصة".. وبعد مشاركة "حزب الله" في الحرب السورية، جاءت حملة "ساهم بتجهيز مجاهد"، وبعدها حملة "الجهاد بالمال" خلال العام 2018، قبل أن تتطور الى الحملة الاخيرة لشراء مسيرة أو صاروخ، في ظل أزمة مالية يعاني منها اللبنانيون.
ويسعى حزب الله لإعادة مشروع التسعينات وإعطائه الزخم نفسه، إذ كان الجنوب اللبناني يعاني إعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن أزمة النازحين أيضاً في ذلك الوقت.
وأثارت الحملة الأخيرة، تباينات بين اللبنانيين الذين انقسموا حول خلفياتها السياسية والتعبوية. ويرى البعض أن حزب الله "يسعى من خلال هذه الحملات الى تأمين مورد مالي لأزمة النازحين خصوصاً أن الأوضاع الاقتصادية في لبنان تختلف كلياً عن المراحل السابقة سواء على المستوى الداخلي"، علماً أن وضع الدولة المالي "لا يشبه أبداً سنوات التسعينيات" أو حتّى الفترة الممتدة بين 2006 و2008 (تداعيات حرب تموز 2006) وعلى المستوى الخارجي لناحية تدفّق المساعدات المالية من بعض الدول الخليجية.
ويذهب مؤيدو هذه الحملة أيضاً إلى اعتبارها "هادفة إلى إشراك الناس وتحقيق عمل جماعي لدعم الصمود وتثبيت ثقافة المقاومة مجتمعياً"، وعليه، يقول هؤلاء إن الحزب "يعمل من خلال هذا الأمر على تحصين بيئته، وخلق حالة من التضامن بين من يتعرَض للقصف والتهجير وبين من يسكن خارج المناطق المشتعلة، بحيث من يبذل من ماله سوف يشعر ببعض من هذا الهم".
أما منتقدو هذه الحملة، فيذهبون الى تفسيرات أخرى. يقول بعض هؤلاء إن الحزب "يسعى الى عسكرة المجتمع" من خلال دفعهم الى الانخراط في العمل العسكري، حتى لو كان عبر التبرع، وبأنّ الحزب "يعاني شحاً مالياً ويستقطب الأموال بشعارات المرحلة الراهنة" حيث تشتعل الحرب في الجنوب.
وتنطوي بعض التفسيرات السياسية على ربط الحملة، بالتكاليف التي فرضتها الحرب، وبتراجع التمويل الإيراني في ظروف اقتصادية ومالية صعبة وعقوبات مفروضة على طهران. فالحزب الذي جاهر بأن تمويله من إيران، وقال إنه يضم مئة ألف مقاتل مدرّبين، وبأن أسلحته من إيران، يعاني شحاً مالياً، ما اضطره إلى اللجوء الى جيوب اللبنانيين الذين يعانون أصلاً تداعيات الأزمة الاقتصادية. وإلا، كيف لحزب يُموّل من إيران، أن يطالب بتبرعات لأغراض عسكرية؟ وإذا كان الأمر على هذا النحو، هل ستكفيه التبرعات البسيطة في الداخل للاستمرار في المعركة، أو دفع ثمن أسلحة جديدة؟
ورغم اختلاف التفسيرات، تبدو هناك رسالة أخرى يحاول الحزب الدفع بها، وهي موجهة الى خصومه في الداخل، ومفادها أن القتال الدائر الآن، ليس قراراً لـ"حزب الله" وحده، بل هو قرار شعبي، بدليل أن الناس شاركت في تمويله، وتالياً، تحظى الحرب بشرعية شعبية.. وهنا تكمن إحدى تفسيرات الحملة إذا رُبطت بإعلانات الحزب السابقة بأن تمويله من إيران. تبدو الحملة بأغراض داخلية أيضاً، وليست تمويلية فحسب، ذلك أن شح التمويل، ستكون له تداعيات كبيرة على البيئة التي خسرت قسماً من منازلها وسبل عيشها، إثر الحرب المتواصلة.