مهزلة وفضيحة: التربية تطلب مرسوماً حكومياً لمنفعة تلميذيّ "فرشمن"
في قضية تشكل فضيحة تربوية مدوية ومن العيار الثقيل، طلبت وزارة التربية من مجلس الوزراء منح طالبين الإذن لمتابعة دراسة منهج أجنبي، من دون الحصول على موافقة لجنة المعادلات. فعلى جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء المقبلة مدرج البند رقم 23 ونصه هو: "طلب وزارة التربية والتعليم العالي الموافقة على متابعة تلميذين دراسة منهج أجنبي في لبنان، من دون الحصول على إذن بهذا الخصوص من لجنة المعادلات في المديرية العامة للتربية". بمعنى آخر، تطلب وزارة التربية من الحكومة إصدار مرسوم مخالف للقانون لمصلحة طالبين بالاسم.
مرسوم مخالف للقانون
يوم الجمعة الفائت أعد جدول الأعمال للجلسة المقبلة وعليه هذا الطلب، علماً أن هناك طلباً ثالثاً لتلميذ تأخر وصول طلبه، لم يعرض على الجلسة. وسبق وأصدر مجلس الوزراء مؤخراً مرسوماً لأحد الطلاب من آل قصير ولم ينكشف الأمر. وهناك مئات الحالات التي ستعرض تباعاً. وبمعزل عن إسميّ هذين التلميذين (طالب من آل داوود وطالب من آل علم الدين) وإذا كانا من أصحاب النفوذ أم لا، الأمر يثير الريبة والشكوك في هكذا طلب ولصالح من يتم تلبيته.
قانون دراسة "فرشمن" واضح وصريح. صدر القانون عن المجلس النيابي ونشر في الجريدة الرسمية بعدد 2 تاريخ 13 كانون الثاني 2022 تحت الرقم 261. وينص القانون على الشروط الواجب توافرها في تلميذ الفرشمن للحصول على معادلة الثانوية العامة. وأولها الحصول على إذن من لجنة المعادلات قبل إنهاء دراسة الصف الثاني عشر. وثانياً أن ينهي بنجاح دارسة الصف الثاني عشر. ومن ثم الخضوع لامتحان تقييمي تجريه منظمة أكاديمية عالمية، لتقييم المكتسبات التعليمية للتلامذة الذين يتابعون المنهج الأميركي ما قبل الجامعي، ويحوز على معدل علامات مرتفع، ويحدد بقرار تنظيمي يصدو عن وزير التربية.
لا ذنب ارتكبه الطالب؟
بعد رفض لجنة المعادلات في الوزارة، عندما كانت أمل شعبان أمينة سر اللجنة، طلب وزير التربية معادلة شهادات مخالفة للقانون، قرر الوزير الحصول على مرسوم من مجلس الوزراء. ووفق مصادر "المدن"، حصل أحد الطلاب على إذن من أحد وزراء التربية للتسجيل فرشمن من دون المرور في لجنة المعادلات. وبعد التسجيل في الجامعة والتخرج، عاد ليطلب معادلة فرشمن كثانوية عامة. وقد رفض طلب أكثر من طالب في لجنة المعادلات. وفي إحدى الحالات، رفضت لجنة المعادلات طلباً لثلاث مرات، رغم تدخل مجلس شورى الدولة الذي استشاره وزير التربية، واعتبر أن الخطأ هو على المدرسة التي سجلت الطالب. فلجنة المعادلات تتألف من مندوبي الجامعات ومستشارين وقضاة، وهي مستقلة. وقراراها ينبع من قانون نظام المعادلات. وقد رفضت لجنة المعادلات المطالب المتكررة لمعادلة شهادات بطلب من وزير التربية. وأحد هذه الطلبات المرفوضة من لجنة المعادلات معروض على جدول أعمال مجلس الوزراء لحصول الطالب على مرسوم يخالف القانون.
مصادر رسمية لفتت إلى أن هناك رأياً قانونياً استندت عليه الأمانة العامة لمجلس الوزراء لعرض طلب وزارة التربية على جدول أعمال مجلس الوزراء. فلا يجوز تحميل الطالب خطأ ارتكبته المدرسة أو الجامعة أو وزارة التربية، وصدور المرسوم يكون لعدم تحميله تبعات لا ذنب له بها.
مئات الحالات تنتظر
لكن بالمطلق، المرسوم في حال صدر عن مجلس الوزراء يكون مخالفاً القانون. ومن المتوقع صدوره طالما أنه صدر مؤخراً مرسوم لأحد الطلاب من آل قصير. علماً أن مجلس الوزراء يستطيع اقتراح تعديل على القانون في مجلس النواب، لا إصدار مرسوم مخالف للقانون ويتناقض مع مبدأ المساواة المكرسة في الدستور.
الإشكالية الحالية أن هناك أكثر من ألف طالب تنطبق عليهم هذه الحالة. يحصل الطالب على إذن من وزارة التربية للتسجيل "فرشمن"، بمخالفة صارخة للقانون، ثم عندما يأتي دور معادلة الشهادة يقع الطالب في إشكالية بعدم جواز معادلة فريشمن بالثانوية العامة. والسؤال هنا، لماذا تعطى للطالب غير المستحق هذه الأذونات، التي تكرس بعد أعوام كحالة خاصة تستوجب مخالفة القانون لعدم الإضرار "بمصلحة الطالب"؟
في ظل وجود أكثر من ألف طالب مخالفين لقانون دراسة فرشمن، حري بالحكومة الطلب من وزارة التربية وقف المهزلة في التعليم الخاص والتلاعب على القانون، لا إصدار مراسيم لتسوية أوضاع طلاب بعينهم. لأنه حينها يستطيع كل طالب يمتلك الأموال والنفوذ القيام بهذا الأمر: عدم خضوعه للتعليم النظامي كسائر الطلاب، والحصول على معادلة للثانوية العامة بعد تخرجه من الجامعة. فيما الأساس هو عدم قبول طلبه في الجامعة من الأساس. بمعنى واضح وصريح، هل يكرس مجلس الوزراء الفوضى في قطاع التعليم المتمثلة ببيع الشهادات للمحظيين؟ فهذا الأمر لا يمكن وصفه إلا أنه بيع مقنع للشهادات. وهل ستكرّ سبحة هذا النوع من المراسيم التي ستشمل مئات الطلاب الذين خالفوا القانون؟
في حال أصدر مجلس الوزراء المرسوم، السؤال الذي يجب أن يلاحق ضمير كل الوزراء هو: لماذا تخصص مراسيم للمحظيين عن باقي اللبنانيين؟ ولماذا لا يعفى كل الطلاب اللبنانيين من امتحان الثانوية العامة؟ ولماذا لا يتم ملاحقة المرتكبين لعدم تكريس هذه الحالة الشاذة، سواء المدرسة الخاصة أو الجامعة الخاصة أو وزارة التربية التي تعطي الأذونات؟ هل إصلاح الخطأ يكون بإصدار مراسيم فردية لتسوية أوضاع طلاب بعينهم؟ أم بملاحقة مرتكبي الخطأ ومنع هذه المهزلة؟ والأهم من كل ذلك، وطالما يوجد مئات الحالات غير المعروفة: هل هناك جهة تقف وراء هذا النوع من بيع الشهادات؟ ألسنا في حضرة فيلم بوليسي عن الجريمة المنظمة التي تسيطر فيها المنظمات الإجرامية على صناع القرار في الدول؟