المسدسات التركية تغزو لبنان.. والمستوردون الكبار "محميون"
تعود قصة المسدسات التركية التي أغرقت السوق اللبناني إلى الواجهة، بعدما تحولت في السنوات الأخيرة إلى سلعة رخيصة في متناول الناس صغارًا وكبارًا، ومن دون أن تتمكن الأجهزة الأمنية من وضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة. فيما حصد المستوردون الكبار لهذا النوع من السلاح، ثروات طائلة من الإتجار غير الشرعي بها، ولا يتم الإعلان رسميًا عن أسمائهم. علمًا أن بعضهم معروف لدى الأجهزة الأمنية. وهو ما يطرح علامات استفهام ويدفع إلى السؤال صراحة: من الجهات السياسية التي تدعم تجار المسدسات التركية، وتوفر لهم الغطاء وتمنع ملاحقتهم والقبض عليهم؟ ولماذا يتم حصر القضية أمنيًا بسائقي شاحنات ووسطاء صغار، من دون الكشف عن الرؤوس الكبيرة والمدبرة، التي تنظم عمل شبكة استيراد الأسلحة التركية بحرًا عبر المرفأ، أو برًا عبر سوريا، منذ سنوات؟
مرفأ طرابلس
بعد الكشف أول من أمس عن شاحنة مسدسات تركية شمالًا على طريق البترون، على إثر ماس كهربائي واحتراق الشاحنة، أعلن الجيش أن مديرية المخابرات ضبطت في مرفأ طرابلس شاحنة تحمل 400 مسدس حربي مهرّب ومخفي داخلها، وأوقفت سائقها. سُلمت المضبوطات وبوشر التحقيق مع الموقوف بإشراف القضاء المختص، وتجري المتابعة لمعرفة وجهتها وتوقيف بقية المتورطين.
وتبين أن مضبوطات مرفأ طرابلس، ترتبط أيضًا بشاحنة البترون، التي كانت محملة بالزيوت في بلدة بسبينا- البترون. وتبيّن، وفق بيان الجيش أيضًا، أنها كانت تحمل 304 مسدسات مهربة ومخفية فوق المحرك مع كمية من المماشط. وأوقفت مديرية المخابرات عددًا من الأشخاص المشتبه في تورطهم بعملية التهريب. وقد عمل الجيش على تفتيش الشاحنات الأخرى التي وصلت مع هذه الشاحنة على متن باخرة إلى مرفأ طرابلس، وتبين أنها تحمل مواد وبضائع مختلفة، ولم يُعثَر على أي أسلحة أو ممنوعات داخلها.
سُلمت المضبوطات وبوشر التحقيق مع الموقوفين بإشراف القضاء المختص.
ست شاحنات
وتشير معلومات "المدن" من مرفأ طرابلس، إلى أن هذه المسدسات، جاءت ضمن 6 شاحنات تحمل زيت دوار الشمس المستورد من تركيا. وفي إحدى هذه الشحنات، تبين وجود مخبأ سري تحت مقعد السائق، وضعت فيها كمية المسدسات المضبوطة بالمرفأ.
ومن الواضح أنها ليست المرة الأولى التي يُهرب فيها المستوردون المسدسات التركية عبر مرفأ طرابلس. وتتولى عادة الجمارك صلاحية الكشف على الحاويات والشاحنات بإشراف الجيش.
وتفيد مصادر أمنية متابعة، إلى أن الجمارك تتبع المعايير الأمنية والقانونية في مراقبة الشاحنات، بينما ترى جهات مسؤولة أن ثمة استسهالًا من الجمارك في العمل على مراقبة دقيقة للشاحنات والحاويات. فيما الحجة، بأن مرفأ طرابلس مثلًا يصل إليه سنوياً عشرات الآلاف من الشاحنات والحاويات، تتم مراقبة أوزانها وحمولاتها ومدى اتباعها لشروط الاستيراد والعقود الموقعة، من دون القدرة على الكشف عن مخابئ سرية في كل هذا العدد من الشاحنات والحاويات.
طريق الشاحنة
وحسب المعلومات الأولية، فإن هذه الشاحنة من المسدسات التركية، كانت في طريقها إلى أحد التجار في مخيم المية والمية جنوبًا وآخرين أيضًا.
توازيًا، تشير مصادر متابعة للتحقيقات لـ"المدن"، إلى أن سائق الشاحنة في مرفأ طرابلس تم القبض عليه من قبل الجيش، وهو لبناني الجنسية، وكانت حمولة المسدسات تتجه جنوبًا على الأرجح.
من "البيلة" إلى الحربي
وبحسب المصادر، فإن المسدسات التركية المضبوطة، لم تكن جاهزة للاستعمال الحربي مباشرة، بل هي عبارة عن مسدسات نصف "خلبي"، ويطلق عليها اسم "مسدسات بيلة"، يتم تحويلها في لبنان، وأكثرها رواجًا من نوع "ريتاي 2" و"ريتاي 26"، يتم خرطها لتتحول إلى مسدسات حية وحربية، هي تتسم بالخطورة وعدم الدقة بالطلقات النارية، وقد تنفجر في يد من يحملها.
وأكثر ما ساهم في رواج المسدسات التركية وارتفاع الطلب عليها، هو سعرها الزهيد الذي يبدأ من 100 دولار وقد يصل إلى 280 دولارًا.
توازيًا، يشير مصدر آخر متابع لملفات موقوفين في قضايا حمل السلاح، إلى أن معظمهم يحملون المسدسات التركية، وهم من الشبان الصغار، وأقر بعضهم في التحقيقات بأسماء التجار الكبار الذين يتاجرون بها ويشترون المسدسات منهم. ولكن حتى الآن، لم يتم القبض عليهم.
ويذكر أنه منذ العام الماضي، داهم الجيش عددًا من محلات أسلحة الصيد وذخيرتها في الشمال، وعثروا فيها على مضبوطات بكميات كبيرة لمسدسات تركية، وتم إغلاقها لفترات زمنية قصيرة ثم أعادت فتح أبوابها. وحتى الآن، لم يتم القبض على المتورطين الكبار، بعضهم من الفارين، وبعضهم ما زال يعمل بصورة طبيعية، وآخرون فروا إلى خارج البلد، وهم على الأرجح في تركيا.
في هذه الاثناء، وبانتظار انتهاء التحقيقات وما ستؤول إليه مع عدد من الموقفين، وسط خشية من تمييع القضية، يشهد مرفأ طرابلس على حركة أمنية واسعة، في مراقبة الشاحنات والحاويات، بعد الكشف عن "لغز المخابئ" لتهريب أسلحة ومسدسات مستوردة، بصفقات تجارية كبيرة، تجوب لبنان من شماله حتى جنوبه.