الشمال «يُنازع»: هل يُخلي العدو منطقة ميرون؟
في خبر بدا «يتيماً» كحال منطقة شمال فلسطين المحتلة ومستوطناتها التي يُفرض عليها تعتيم إعلامي، نقل محرر موقع «همحديش» الحريدي، مناحيم كولديتسي، أن القيادة الشمالية ناقشت أخيراً احتمال أن تضطر الجبهة الداخلية «قريباً»، بناء على التطورات، إلى إخلاء مستوطنات في محيط ميرون (جبل الجرمق)، بعدما صعّد حزب الله أخيراً من استهداف هذه المنطقة، خصوصاً قاعدة ميرون للمراقبة الجوية والتي تغطي المنطقة، سوريا ولبنان وتركيا وشمال الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.صفحة «حدشوت طفيريا فهسفيفا» (أخبار طبريا والمنطقة) العبرية على «فايسبوك»، نقلت الخبر وذيّلته بعبارة «بعد قليل سيضطرون إلى إخلائنا من هنا مع من أُخلوا» من المستوطنات المُحاذية للحدود مع لبنان منذ بدء الحرب، ونقلوا إلى فنادق وبيوت ضيافة في طبريا شمال شرق فلسطين. في التعليقات على الخبر، كتب موريس ليفي: «إذا كان الأمر كذلك، على الفقراء في هذه الدولة أخذ قروض والهجرة»، ورأى عوفر أن «الوضع كارثيٌ في هذه الدولة، ولا سبب للاحتفال (بالاستقلال) هذه الليلة». غير أن ألينيت غال - أدار تحلت بـ«الشجاعة»، قائلة إنه «بدلاً من أن يخلوهم عليهم إعادة السكان وشن حرب على حزب الله لإبعاده إلى ما وراء الليطاني».
وسيكون لإخلاء مستوطنات منطقة ميرون، في ضوء «تصعيد محتمل»، تبعات كبيرة خصوصاً لاحتوائها على مناطق صناعية كاملة، مثل المنطقتين الصناعيتين في كل من «تيفين» و«دالتون» اللتين تضمان عشرات الشركات والمصانع، بينها شركة «يسكار» التي تنتج شفرات قص متقدمة مخصصة للمخارط المحوسبة وتعتبر الرائدة في العالم في هذا المجال، إضافة إلى مصنع «ميكرو» الذي يصنّع معدّات دقيقة تستخدم في صناعات السيارات والطائرات والأجهزة الطبية، إضافة إلى متحفي الماكينات والسيارات القديمة.
وتعد ميرون التي تبعد نحو تسعة كيلومترات عن الحدود مع لبنان، مستوطنة دينية قومية في الجليل الأعلى، وتقع ضمن جبل ميرون (الجرمق)، وهي تابعة للمجلس الإقليمي «مروم هجليل» ولمنظمة مستوطنات «هبوعيل همزراحي». أسسها عام 1949 مهاجرون من هنغاريا ورومانيا، وجنود خدموا في «اللواء السابع»، فوق أنقاض قرية ميرون الفلسطينية التي طُرد أهلها إلى لبنان، وسميّت بالاسم ذاته. وتتميز المستوطنة بالسياحة الدينية لوقوع قبر الحاخام اليهودي شمعون بار يوحاي في الجزء الجنوبي منها، والذي يزوره سنوياً أكثر من مئة ألف يهودي للاحتفال بعيد «لاغ بعومر» الذي أوصى الجيش بإلغاء احتفالاته هذا العام، في ظل التصعيد الذي تعيشه المنطقة.
كما تقع ميرون ضمن جبل الجرمق الذي يتميّز بطبيعته واخضراره على مدار العام، ويسكنها نحو ألف مستوطن، وتعتمد على الزراعة بشكل كبير لقربها من أنهار وعيون كثيرة، وعلى الاقتصاد الزراعي، والاتجار بالثمار المجففة، وصناعة النبيذ. وتضم ثانوية تكنولوجية تابعة للكلية التكنولوجية لسلاح الجو. وتحيط بالمستوطنة مستوطنات أخرى، من بينها دالتون، ومدينة صفد، وقرى فلسطينية بينها ساجور والرامة ونحف والجش وحرفيش والبقيعة...
وباتت تتردد أخيراً عبارة «مات الشمال» على ألسنة المستوطنين الغاضبين من حكومة بنيامين نتنياهو التي يتهمونها بالتخلي عنهم، وعن واحدة من أكثر المناطق حيوية، وهو ما دفع عدداً من رؤساء المجالس الاستيطانية في الجليل إلى التهديد بالانفصال عن إسرائيل. ونظّم مئات المستوطنين أمس في مفارق مستوطنات «خط المواجهة»، ومعهم رؤساء المجالس الاستيطانية، تظاهرة لمناسبة يوم «الاستقلال» احتجاجاً على «فقدان الأمن»، و«انهيار المزارع، والمصالح التجارية، والشركات»، مطالبين الحكومة والجيش بإعادة الأمن للمنطقة ليتمكّنوا من العودة إلى بيوتهم.
ونشرت صحيفة «غولبس» الإسرائيلية أخيراً دراسة أجرتها مؤسسة «صموئيل نئمان للبحوث السياسية والقومية» التابعة لكلية الهندسة، لتقييم تأثيرات الإجلاء لسكان الشمال عن مستوطناتهم، خلصت إلى صورة «قاسية» حول مجموعات تواجه أزمة، وتعاني شعوراً عميقاً بالإهمال من جانب الدولة، وصراعاً لإعادة الحياة إلى مجاريها.
ووفقاً للبروفيسورة ميراف أهرون - غوتمان التي أشرفت على الدراسة، فإن هناك مشكلات كثيرة في قضية إخلاء المستوطنين بسبب عدم قدرة خطة الإخلاء على ما يظهر على تعزيز الصمود المدني للسكان. كما أن ثمة مسألة أكثر أهمية وإلحاحاً بالنسبة إليها، وهي مجال التعليم، لأن السنة الدراسية الجديدة تبدأ في 1 أيلول المقبل وكثير من الأهالي لا يعرفون أين سيسجّلون أولادهم، علماً أن جزءاً كبيراً منهم أصلاً إما لم يدخل في إطار تعليمي، وإما تابع دراسته من بعد كما في مدة كورونا. كما لفتت إلى «نتيجة أساسية تتعلق بالعلاقة القوية للسكان بالمكان. فقبل الحرب شعر 82% دائماً أنهم محظوظون لأنهم يعيشون في الشمال. وكان واضحاً لدى 75% أن الحياة في الشمال مرتبطة بثغرات تتميز بها الضواحي، لكن قلة قليلة فقط (12%) كانت تدرس المغادرة لو أتيح لها ذلك. ورغم الحرب المستمرة، تبيّن أن 56% يظهرون التزاماً عالياً بالشمال ومهتمون برؤية أولادهم يستمرون بالسكن فيه. مع هذا، أكثر من ثلث المستطلعين قلقون من الوضع الأمني ومن الخدمات المفقودة في المنطقة ولا ينصحون أولادهم بالعودة لبناء عائلتهم في المنطقة».