تل أبيب تتهرّب منها.. تفاصيل بارزة عن "معضلة إسرائيلية مُزمنة"!
ما زالت إسرائيل بمختلف مكوناتها السياسية والعسكرية والأمنية تتهرب من الإجابة عن سؤال ما بات يعرف بمسألة "اليوم التالي" في غزة بعد انتهاء العدوان، مع العلم أن هذا التهرب لم يعد مرضاً مزمناً خاصاً برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بل هو مرض موروث من حكومة إلى أخرى.
وأثبتت الحروب التي شنتها إسرائيل على الفلسطينيين والدول المجاورة أن إسرائيل تتجنّب اتخاذ قرار مصيري عن "اليوم التالي" لانتهاء الحرب، سواء حرب 1967، أو حربي لبنان الأولى 1982 والثانية 2006.
تال إلوفيتش، الباحث في العلوم السياسية بجامعة ميلانو، والزميل بمعهد "مولاد"، ذكر أن "الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة دأبت على تجنب اتخاذ قرارات حاسمة حول ما الذي يجب عمله في الأراضي الفلسطينية بعد انتهاء الحرب، بل إنها تكتفي بتعيين فريق من الأشخاص للتفكير بذلك اليوم، وإعداد خطة مناسبة لفترة ما بعد أن تضع الحرب أوزارها، واليوم وفي ظل حرب غزة من الواضح أن دولة الاحتلال أمام أيام تاريخية، تتطلب تفكيراً وتخطيطاً بأبعاد مناسبة، لكن ذلك لم يحصل بعد، حيث لم يتم تقديم برنامج مناسب لمستقبل غزة".
وأضاف في مقال نشره موقع واللا أننا "اليوم في 2024، وبعد مرور 57 عاماً على حرب الأيام الستة، لم تقرر إسرائيل بعد ما الذي ستفعله بالأراضي الفلسطينية، بما فيها قطاع غزة والضفة الغربية، ومن يعيشون هناك، والنتيجة أن الحكومة تتجنب اتخاذ قرار بشأن سؤال ماذا سنفعل في الأراضي المحتلة، مع أن الاستعداد والبت في المسائل المتعلقة بـ"اليوم التالي" ليس امتيازا، بل واجب استراتيجي للدولة وقادتها، لأن دخول المعركة دون تفكير ومناقشة وتأكيد لمفهوم اليوم التالي للقتال، سلوك مناهض للقيادة والاستراتيجية، وهو ما وقعت به إسرائيل".
وأكمل: "إن مرور أكثر من مائتي يوم على الحرب في غزة دون توفر إجابة عن اليوم التالي، يؤكد أن إسرائيل لا تعرف حتى الآن كيف يجب أن تنتهي هذه المناورة العسكرية، وكيف سيكون شكل غزة في اليوم التالي، وكأن ذات الإشكال يواجه الإسرائيليين مجدداً، لأنه بعد نصف عام من حرب 67، دارت نقاشات في منتدى وزارة الحرب بشأن توصية الجيش للتعامل مع الوضع الجديد حول حدود الدولة بعد احتلال مزيد من الأراضي العربية المجاورة، وقد كشفت المناقشات في حينه عن وجه آخر لعدم اتخاذ القرار، والتشبث بسياسة تأجيل القرارات".
وتابع: "لا أرى سبباً لتأجيل النقاش حول اليوم التالي في غزة قبل فوات الأوان، لأن مناقشة مثل هذه المسألة يجب ألا تأتي استجابة للضغوط من الخارج فحسب، بل هي دعوة من الداخل، خشية أن تتضرر القدرة القتالية للاحتلال، وقد أثبتت التجارب أن تأجيل القرارات مسألة مؤلمة، وهناك خشية إسرائيلية أن يتحول الوضع المؤقت إلى وضع دائم".
وتابع: "نحن أمام مرض مزمن، ليس لنتنياهو وحده، بل هو مرض ينتقل بصورة وراثية من حكومة إسرائيلية إلى أخرى، خلال حروب الأيام الستة، ويوم الغفران، ولبنان الثانية، وجولات القتال في قطاع غزة، كلها شهدت تجنّب مجلس الوزراء وأصحاب القرار النقاش، واتخاذ القرار فيما يتعلق باليوم التالي، رغبة منهم بالتهرب من استحقاقاته".
وأشار إلى أن "الحديث الإسرائيلي عن اليوم التالي لحرب غزة يتطلب اتخاذ قرارات سياسية، وعدم التمترس خلف العمليات العسكرية فقط، ولأن القرارات التي سيتم اتخاذها لن تعجب الجميع، بما في ذلك الجنود النظاميون والاحتياط الموجودون في ميدان غزة، لأننا بتنا نشهد خطابًا سائدا يقول ضمنيًا للحكومة: "إذا لم تفعلوا، فنحن نقاتل عبثًا"، وسيبقون ينتقلون من جولة قتال إلى أخرى دون جدوى، لكن القاسم الاستراتيجي المشترك لمعظم هذه المعارك العسكرية الإسرائيلية هو عدم وجود مناقشة واتخاذ قرار بشأن مسألة "اليوم التالي".
وأوضح أن "مناقشة مسألة اليوم التالي في غزة لا تأتي استجابة لما يريده العالم من الاحتلال، بل ماذا نريد نحن أن يحدث في غزة، ما هي الرؤية التي نقدمها للمنطقة؟ وما هو مستقبل عشرة ملايين إسرائيلي، الذين سيتأثرون بكل قرار نتخذه بشأن غزة؟ لأن الاكتفاء بما يردده الساسة عن "الانتصار العسكري" دون ترجمته سياسياً، فإننا سنكون أمام حالة من وهم القوة الذي يفرز العجز السياسي، ويجعلنا ضعفاء ومعرضين للخطر، وننجرف وراء تصرفات الآخرين بدلا من تحمل المسؤولية عن مستقبل الدولة، ما يدفع الحكومة لتجنب اتخاذ القرار حول اليوم التالي في غزة".
وتشير هذه الانتقادات الإسرائيلية لغياب صوت واحد داخل الحكومة عن اليوم التالي في غزة، فالخلافات داخل مكونات الحكومة باتت واضحة للعيان، وبالتالي فكلما طال أمد الخلاف بشأن اليوم التالي في غزة، قلّت القدرة الإسرائيلية على مراكمة العمليات العدوانية، مع أن هذه ليست مسؤولية هيئة الأركان، بل مسؤولية طاولة الحكومة التي تُجبر الإسرائيليين بعد مرور 210 أيام على اندلاع العدوان على غزة على دفع أثمان عدم اتخاذها القرارات الصائبة، بل تلك المندفعة والمتهورة والانتقامية.