"الحزب" ردًّا على المبادرة الفرنسية... لا كلام يعلو على الكلام الميداني
لم يعتدْ اللبنانيون على رؤية من يتعاطى بشؤونهم الداخلية بهذه الحداثة في السنّ. فالاعتقاد السائد أن الشباب غالبًا ما يفتقدون إلى خبرة الكبار، الذين عجنتهم الحياة وتجاربها. ولكن هذا الأمر لم يعد كذلك بعدما سمعوا وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورنيه في المؤتمر الصحافي، الذي عقده في "قصر الصنوبر" على أثر زيارته القصيرة لبيروت. فقد ظهر هذا الوزير الشاب بمظهر مختلف أعاد إلى الديبلوماسية الفرنسية وهجها، وصوّب مفهومًا خاطئًا كان قد علق في لاوعي اللبنانيين، الذين لا يزالون ينظرون إلى الذين يتعاطون بالشأن العام وهم في سن مبكرة نظرة فيها الكثير من دونية متوارثة عبر الأجيال.
نقول هذا الكلام بغض النظر عمّا حمله معه الوزير الشاب من طروحات عرضها على رئيسي الحكومة ومجلس النواب نجيب ميقاتي ونبيه بري وقائد الجيش العماد جوزاف عون، وهي طروحات لا تزال قيد الدرس ومحل تشاور وأخذ وردّ بين باريس وبيروت، وذلك حرصًا من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على أن تقترن أي خطوة في مجال تبريد الجبهة الجنوبية بما يحول دون تطور الوضع الميداني إلى ما هو أسوأ. فالوضع دقيق للغاية ولا يحتمل أي خطأ في التقدير والتوقع، وذلك نظرًا إلى ما يحيط ما تسعى إليه باريس من عقبات يتطلب تذليلها الكثير من الحيطة والحذر، وبخاصة من الجانب الإسرائيلي، الذي لا يزال يراهن على وصول المساعي الخيّرة إلى الطريق المسدود، أو أن يغسل العالم يديه من الدم الذي يراق، سواء في غزة أو في جنوب لبنان.
ما كشفه وزير الديبلوماسية الفرنسية في ختام زيارته لبيروت أظهر حرص باريس على منع جرّ لبنان إلى حرب لا يريدها ولا يسعى إليها كأولوية من بين أولويات الحرص على إبقاء اللبنانيين في منأى عن المخاطر، وإن كان قسم منهم يعاني ما يعانيه في القرى الحدودية نتيجة تعرّضهم لقصف إسرائيلي متواصل، ليلًا ونهارًا.
وفي رأي الفرنسيين أن نشر الجيش في مناطق عمليات قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب، معزّزًا بصلاحيات كاملة المواصفات من شأنها تمكين العناصر التي ستنتشر بفعالية وقوة في هذه المناطق من فرض الاستقرار فيها، والحؤول دون تمكين إسرائيل من تحقيق ما تسعى إليه، ونزع الذرائع التي يمكن أن تستفيد منها لتنفيذ مآربها، وإن كانت لا تحتاج إلى أي حجة، وهي التي تعتدي قبل أن يُعتدى عليها.
ولكن دون الوصول إلى الهدف الفرنسي عبر نشر الجيش جنوبًا بعد تعزيز قدراته القتالية، عدّة وعديدًا، عقبات كثيرة. وقد يكون أهمّها بقاء "
حزب الله" على موقفه القديم والقائم على فرضية عدم قبوله بأي تعديل في الواقع القائم جنوبًا قبل بدء الحديث الجدّي بوقف الحرب في غزة. وهذا ما لمسه الوزير سيجورنيه لمس اليد خلال لقائه الرئيس بري، الذي لا ينفصل موقفه عن موقف "حارة حريك" في الأمور الاستراتيجية والمصيرية، وأن لا كلام آخر سوى الكلام الميداني قبل وقف الاعتداءات الإسرائيلية في حق فلسطينيي القطاع والضفة الغربية، وأن لا انسحاب لعناصر "الحزب"، وإن استخدم تعبير "تموضع" بدلًا من انسحاب، قبل عودة الهدوء إلى كامل القطاع، وفق الشروط التي وضعتها حركة "حماس"، وبالتالي لا لعودة المستوطنين إلى المستوطنات الشمالية قبل عودة فلسطينيي القطاع إلى شماله.
وبغض النظر عن إمكانية قبول "حزب الله" بما قدّمته باريس من تعديلات على ورقتها الجنوبية فإنها أرادت من خلال زيارة سيجورنيه لبيروت تأكيد الاهتمام الفرنسي بلبنان، ودعوة المكونات السياسية الى انتخاب رئيس وإلا لن يكون للبنان مكان على طاولة المحادثات، علمًا أن القوى السياسية تبلّغت ضرورة انتخاب رئيس قبل نهاية الصيف. وهذا ما أكده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال لقائه الوزير الفرنسي واصفًا المبادرة الفرنسية بأنها تشكل اطارًا عمليًا لتطبيق القرار الدولي الرقم 1701 الذي يتمسك
لبنان بتطبيقه كاملا، مع المطالبة بالتزام اسرائيل بتنفيذه ووقف عدوانها المدمّر على جنوب لبنان، بالإضافة الى دعم الجيش لتمكينه من القيام بمهامه وتحقيق السلام الدائم على الحدود.