معرض في «محراب» شربل فارس في صربا
نظّم «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» و«جمعية بيت المصور في لبنان»، بالتعاون مع «جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت» لقاء فنّياً بين النحت والرسم، في حديقة منزل الفنان شربل فارس في صربا (النبطية) تحت عنوان: «في محرابِ الإزميل والرّيشة» شارك فيه حشد من أبناء الجنوب، يتقدمهم رئيس بلدية صربا المحامي الياس الحلو وعضو المجلس الأعلى للجمارك الأستاذ غابي فارس وراعي أبرشية صربا الأب شربل هاشم، ورئيسة جمعية الفنانين الفنانة ديما رعد ورئيس جمعية بيت المصور في لبنان
الزميل كامل جابر ووفد من قيادة الحزب الشيوعي اللبناني برئاسة مسؤول منظمة الحزب في الجنوب الدكتور علي الحاج علي والمخرج الفنان نقولا دانيال والرئيس الفخري لنقابة المصورين الصحفيين في لبنان جمال السعيدي وفاعليات فنية واجتماعية وأكاديمية وسياسية ومختارون.
وألقى الزميل كامل جابر كلمة المجلس الثقافي وبيت المصور فقال: «في عرس النحت والرسم، كيف لقلوبنا أن تتوقف عن الرقص على أنغام الشهقات واللهفة، وأعراسك يا شربل فارس توقظ كل حواسنا، تشدها إلى هذا الصخب اللامتناهي؛ فلا خامد أمام الأجساد المنحوتة بإزاميل يديك، أصابعك، أو المنقوشة ببصمات أحاسيسك المتمردة أبداً. فلا خنوع وإن انحنت رؤوس؛ ولا همود وإن كبّلت أصفاد... ها أن الفارس يعود مطأطئاً، لكنّ نهج لوحتك ثائر منتفض، توقفت راقصتك عن الطيران والإيقاع ومغازي جسدها، لكنّ حصانك ظلّ يتمايل في فضاء حريته؛ وهذا إن دلّ على شيء، فعلى أنك يا شربل فارس لم تستسلم بعد أمام الحلم والفكرة، ولم تخمد ثورتك الإبداعية أمام خيباتنا الجماعية وانهزام أحلام الثورة والتغيير».
وأضاف: «لن أدخل أكثر في أسلوبك وألوانك وخيولك وراقصتك، لكن أتوقف هنيهة عند عودتك إلى عرينك الأحب، صربا، إلى جذورك، وأنت لم تنقطع عنها وإن خابت أحلام ومشاريع؛ لكنك ها أنت هنا، بين سندياناتك ووزالك، ترنو إلى قبو حنينك وتصول وتجول، وتبدع، وتكتشف أن طاقتك تفيض وتفيض، وأنت الذي زرعت في بقاع هذا الوطن والجوار العربي، أكثر من 26 نصباً من الحجم الكبير؛ برغم ما أصاب العديد من أعمالك من تدمير وخطف واغتيال وتنكيل. وها أن الوجوه التي سنعاين اليوم، نماذج ماكيتات منها، تحكي عن عناوينك وأعمالك الرائعة؛ مع الإشارة إلى أنّ ما سنراه اليوم من منحوتات ولوحات لا يكاد يشكل حيزاً قليلاً من ثروة المبدع شربل فارس، من منحوتات ولوحات؛ ومرد ذلك إلى أن قلق الفنان على أعماله والسعي إلى حمايتها جعلها تتوزع في أكثر من مكان ومنطقة. أما الموجود ها هنا، فهو مما زرعته أنامل شربل فارس في السنتين الأخيرتين أو من قديمه. ربما سنفتقد إلى المرحلة الوسطى من أعماله، لكن هذا الدلو من ذاك السيل، وحتماً سينعش قلوبنا وعقولنا».
وختم: «لن أطيل إفساحاً في المجال أمام الكلمات المقررة والمشاهدات، لكن، لا بدّ من تحية المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، أميناً عاماً وهيئة إدارية وهيئة عامة، إلى المبدع المتنوع شربل فارس الذي أضاف إلى المجلس الكثير الكثير، أولاً من خلال إبداعه ومعارضه اللذين يرفعان الرأس، وثانياً لما قدمه خلال مسؤولياته المتعددة في اللجنة الفنية أو الثقافية أو في الهيئة الإدارية... أما نحن في جمعية بيت المصور، رئيساً وأعضاء هيئة إدارية، متعاونين مع النادي اللبناني لهواة الطوابع والعملات ومعرض خليل برجاوي لطوابع البريد، فقد أردناها تحية نتمنى أن تنال إعجابك، وتتمثل في أننا أصدرنا خمس بطاقات بريدية مرقمة، تحمل ثلاثاً من لوحاتك واثنتين من منحوتاتك، تحية من كل قلوبنا إلى قلبك النابض بالإبداع والحب والحنين».
وتسلم فارس من رئيس النادي اللبناني لهواة الطوابع والعملات وارف قميحة وصاحب المعرض الأستاذ خليل برجاوي ونائب رئيس جمعية بيت المصور باسم نحلة وبمشاركة رئيس البلدية الحلو لوحة حملت البطاقات الخمس ومعلومات عنها.
بعدها ألقى المحامي شوقي شريم كلمة «الأصدقاء» فقال: «من هذه الأرض التي أحبها بصدق وإيمان مشى فارسنا يشق طريقه في أدغال الأزمات المترامية حتى تخوم الأسئلة التي ترخي بفيض من علامات الاستفهام عن تلك البراعم التي تضج باكراً بأزيز الطموح قبل أن تتبدد الآمال وتضيع هائمة على أبواب الأفق وهي تنشد مفتاح النجاة. نعم من هذا الواقع المحفوف بكل الصعاب والمخاطر التي تنتظره كانت البداية حين انتقل به الوالد إلى مدينة بيروت لطلب العلم، مصحوباً بغصة تبدد فرحته لبلدته وأرضه وأترابه، والذي وجد فيها مغادرة للفضاء المترع بكل ألوان الحرية، وللطبيعة بكل عطاءاتها، وللطيبة بكل معانيها».
وأضاف شريم: «وبهمّة لا يعرف أجيجها الخمود والاستكانة عقد السابر العزم مندفعاً إلى ميادين التحصيل، ولكن بأسلوبه وعلى طريقته، متنقلاً قسراً من مدرسة إلى أخرى بسبب أرائه ومواقفه وتمرده على الواقع ومشاركته في المظاهرات التي كانت تدق نفير التغيير في ذلك الوقت، ليعود بعد هذه المواجهات التي لا تبارح ذاكرتنا إلى بلدته صربا، إلى الضيعة، إلى العزال لتحصيل علومه ويعتمد على ذاته ويتقدم من امتحانات البروفيه الفرنسية واللبنانية ويحقق تفوقاً لافتاً. وعلى ذات الوتيرة تابع صديقنا انكبابه على تحصيل العلم في مراحله الثانوية والجامعية يعبّ منه ما يوفر له وقود الانطلاق ويحقق له ذخيرة المواجهة؛ ومضى يقتفي الحقيقة الهاربة في نفق الضياع ويطوي التضاريس الموروثة المتلطية خلف متاهات الأوهام ناشداً التغيير الذي طال انتظاره، وفي قرارة نفسه ان ذلك لن يكون ولن يصبح حقيقة واقعة إلا من البداية التي تبدأ من الذات الحصينة من كل الأدران التي أعاقت التقدم ومنعت منظومة القيم من أن تأخذ مكانها ودورها، وحالت دون الحياة الكريمة، فكان له من الأديب جبران خليل جبران ما يرضي تمرده على الواقع، فالتقى بملاذه معه من خلال مرتا البانية ليزداد ثباتاً مع خليل الكافر ويوحنا المجنون، وجنح نحو الأدب ليرخي العنان لقلمه يجول في موضوعاته ويخط مقالاته التي تنوء الأوراق بعمق معانيها وأبعادها وتختال عباراتها بقوة السبك والبلاغة والدلالة ويتناول بالنقد الفن التشكيلي والمسرح والسينما وينظم الشعر بالفرنسية ويؤلف العديد من الكتب التي لم تزل مخطوطات. كما كان لكتاباته الصحفية حضورها وألقها في جريدة النداء والسفير وغيرهما».
وختم«هنيئاً لك أيها الصديق بهذه المسيرة التي غزلت خيوطها على نول الابداع المتعدد، وألف تحية لهذه الصفات التي توسم اسمك وسمعتك. لهذا الصدق مع النفس ومع الآخرين، لهذا الثبات على الموقف والمبادئ لأنك لم تتغير ولم تتراجع ولم تتزلف لهذه الجرأة التي تلازمك في أحرج المواقف؛ لهذا الفيض من لآلئ الفكر والإبداع والذي يمد الثقافة والفن بهذا الغنى الوافر. وما هذا اللقاء الذي دعا إليه المجلس الثقافي للبنان الجنوبي وجمعية بيت المصور في لبنان وجمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت والتي تحمل براءة اختراع بكل هذه الصفات وهذه المفاهيم إلا الدليل القاطع على ما تتميز به فشكراً لهم وإلى المزيد من الإبداع والتألق».
وأثنى رئيس البلدية الحلو في كلمته على «إبداع شربل فارس في مختلف الميادين، لا سيما في الرسم والنحت، ما يرفع اسم بلدتنا عالياً وهذا مصدر فخر واعتزاز لنا بك وبأمثالك يا استاذ شربل. وأُعلن أن البلدية ستضع في أولويات اهتمامها هذه الحركة الثقافية والفنية الإبداعية ولن تتوانى عن دعمها مع الساعين إلى تنميتها وإبراز دورها ومنها هذه الجهات العزيزة التي نظمت هذا اللقاء، لها منا كل احترام وتقدير».
وألقت رعد كلمة جمعية الفنانين فقالت: «ما بين جراح أزهار الليمون وعطر أنفاس إقليم التفاح المر، تقع حديقة شربل فارس للرسم والنحت حيث يستودع أزاميله وريشه في صربا على تلة من تلال جبل عامل التي تشرف على اللوحة والنص والموسيقى. ثم ها نحن نأتي إلى هذا المحراب فنانين نحج إلى الفكرة التي ارتسمت لوحة وارتفعت كمنحوتة على يد واحد من فرسان الفن التشكيلي في لبنان الصديق شربل فارس. وهو لأنه على علم تأتي إليه الجمعية لتستعيده بريقاً لعينيها ولتملأ به فراغ إطار اللوحة التي كانت وستبقى، لبنان».
وأضافت: «نأتي إلى شربل لنستمد منه في أن نرسم وطناً جميلاً بهيّاً ولا أحلى، وطناً كثير ألأشجار والأطيار تحتشد فيه الناس، الأطفال، النسوة، والرجال والشيوخ وهم يعملون من صبحهم إلى مسائهم من أجل أن تزدهر بلادنا بقوة العمل وقوة الإنتاج. نحن الثقافيين والإبداعيين رسامين ونحاتين وكتاب وشعراء وموسيقيين وسينمائيين، المشتغلين، الذين نطرد كل أنواع الفنان، نفتقد إلى اللبنان الذي نحلم به استديو للإنتاج التلفزيوني والسينمائي ومتحفاً للفن التشكيلي ومعرضاً دائماً للكتاب في بلد الموازنة الأقل فيه هي موازنة وزارة الثقافة التي نتمنى أن تنتبه جميع القوى إلى اعتبارها الوزارة السيادية الأهم وأن تسعى إلى ضخ الإمكانيات من أجل أن تستحيل حاضناً لنا جميعاً. ثم أننا في جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت نتمنى أن يكون لنا في كل جهة، محافظة، مكاناً من أمكنة لبنان، حديقة كحديقة شربل فارس تتسع لإنعقاد لقاءات فنية بالإزميل والريشة يجتمع إليها كل الذين يبحثون عن متنفس، محترف، ورشة، مشغل لإنتاج أفكارهم».
وختمت: «أتمنى أن يكون لقائي اليوم، بوابة للدخول إلى أعراس دائمة للفن وأن يكون شربل فارس قد ولد هذه الفكرة إنطلاقاً من هذا الفضاء الجنوبي الحر الذي نسعى لكي يؤسس لغد أفضل للبنان. شربل فارس الفنان التشكيلي والنحات المثابر الجاد حمل أفكاره إلى كل ساحات الوطن وحمل إزميله وريشته من أجل الفن ومن أجل الإنسان في لبنان. وقد حمل الإنسان كمعتقدات وعمل من أجل ازدهاره في وطن حرّ».
بعدها وزعت على الحضور مجموعات من البطاقات البريدية (تتألف كل مجموعة من خمس بطاقات) ثم جال الحضور بين أعمال شربل من لوحات ومنحوتات وتماثيل ومشاهد مركبة، وصولاً إلى «قبوه» التراثي الذي يجسد الحنين ويجمع العديد من معدات وتجهيزات أجداده في صربا.